غربة الإسلام
عبد الله بن جار الله الجار الله
لا إشكالَ في أنَّ الإسلام اليوم غريبٌ في أكثر الأقطار التي تنتسب للإسلام، ويكاد أن يكون غريبًا في البقية الباقية من بلاد المسلمين، وليس مِن قِلَّةٍ في عدد المنتسبين للإسلام، ولكن ذلك من قِلَّة الذين يَصْدُق عليهم أن يُسمُّوا مسلمين حقيقةً.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لا إشكالَ في أنَّ الإسلام اليوم غريبٌ في أكثر الأقطار التي تنتسب للإسلام، ويكاد أن يكون غريبًا في البقية الباقية من بلاد المسلمين، وليس مِن قِلَّةٍ في عدد المنتسبين للإسلام، ولكن ذلك من قِلَّة الذين يَصْدُق عليهم أن يُسمُّوا مسلمين حقيقةً.
ويوضِّح ذلك: أنَّ كثيرًا ممَّن ينتسبون للإسلام يُشرِكون بالله في كثيرٍ من أنواع العبادة، مثل: الدعاء والذبْح والنذر؛ فهم يَدْعُون الأموات، ويطلبون منهم حوائجَهم، أو ردَّ غائبِهم، أو شفاءَ مرضاهم، ويجعلونهم وسائطَ بينهم وبين الله، ويذبحون لغير الله، كذَبْحِهم للقبور وللجِنّ، ويَنْذِرون لغير الله، إلى غير ذلك من أنواع الشِّرْك الأكبر، وقد قال الله - تعالى -: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سورة النساء: 48 و116].
ومِن المنتسبين للإسلام مَن استهزؤوا بكثير ممَّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به، وسَخِروا بمن يتأسَّى به، ويُطيع أمْرَه والله - سبحانه وتعالى - يقول في حق المستهزئين: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 – 66].
ومن ذلك: استهزاؤهم بالدُّعاة إلى الله، وبالمتمسِّكين بدِينه، واحتقارُهم لهم، ووصفهم إيَّاهم بالرجعية والتخلُّف، ومنه: استهزاؤهم بعمود الدين (الصلاة) وبالمصلِّين - عِياذًا بالله - ومنه: استهزاؤهم باللِّحَى وبمن يُعفيها من المؤمنين، وبالحجاب والمتحجِّبات... إلى غير ذلك، بل ربَّما تجرَّأ البعضُ فسَبَّ الدِّين - نعوذ بالله من ذلك كله.
ومنهم مَن أعرض عن دِين الله، فلم يتعلَّمْه، ولم يعمل به، ولم يُعَلِمْه أهلَه وأبناءَه، ولم يُرِد لهم العمل به، وقد قال الله - تعالى - في حقِّ المعرضين عن دينه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: آية 22]، وقال - تعالى -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 – 126].
وتَحاكَم بعضُهم إلى القوانين الوضعية، المخالِفة للكتاب والسُّنة، واعتقدوا أنَّها أكمل من هَدي محمد صلى الله عليه وسلم والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، ويقول - عزَّ وجلَّ -: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، وقال - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
والكراهة والغضب يَظْهران على وجوه كثير من أولئك المنتسبين للإسلام، عندما يُدْعَوْن إلى الله، وعندما تُتْلَى عليهم آياتُه، والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج: 72].
وتَرَك كثيرون - عمدًا - العملَ بما دلَّتْ عليه آياتُ الله وأحاديثُ رسوله صلى الله عليه وسلم بل جادلوا في ذلك، وقد قال الله - تعالى -: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} [غافر: 4].
وكَرِه كثيرٌ من أولئك المنتسبين للإسلام إقامةَ الدِّين، والاجتماعَ عليه، وأبغضوا أهلَه العاملين به الداعين إليه وآذوهم، ومن المعلوم: أنَّه لا يَكره إقامةَ الدِّين والاجتماع عليه إلا مشركٌ كافر، كما قال الله - تعالى -: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13].
ورَكَن كثيرٌ من أولئك المنتسبين للإسلام إلى الكفَّار وتولَّوْهم، وتشبَّهوا بهم في كثير من أفعالهم وأقوالهم، وقد قال الله - تعالى -: {وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]، وقال - سبحانه -: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَن تشبَّه بقوْم فهو منهم»[1].
وتَرَك كثيرٌ من أولئك المنتسبين للإسلام الصلاةَ وضيَّعوها عمدًا وعنادًا، وقد قال الله - تعالى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وأخبر - سبحانه - عن المجرمين حينما يقول لهم المؤمنون: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ}؟ بأنهم يقولون: {لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وغيرُه: «بيْن الرجل وبيْن الكُفْر تَرْكُ الصلاة».
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهلُ السُّنن: «العهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن ترَكها، فقد كَفَر».
هذه بعضٌ من نواقض الإسلام التي ارتكبَها كثيرٌ من أولئك المنتسبين للإسلام، ومع هذا: فقد تفشَّت بينهم الفواحش، وأمعن الكثيرون في الشِّرِّ والانحلال من دِين الله باسم الحريَّة والتقدُّم، ووَصَفوا بالرجعيَّة والجمود كلَّ مؤمن يناديهم إلى ما فيه نجاتُهم من عذاب الله.
هذه مِن فِعال تلك الكثرة التي تدَّعي الإسلام، وتُظهِر الغضب لو وُصِفتْ بالكفر، أما مَن جاهروا بالكفر، وانسلخوا من الإسلام علنًا - والعياذ بالله - كمَنِ اعتنق المبادئَ الإلحادية الهدَّامة، كالشيوعية وغيرها من مذاهب الإلحاد والكفر - هؤلاء المنحرِفون الضالُّون، وكل مَن ظهرت رِدَّتُه عن دين الله، جزاؤهم في الدنيا: ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن بَدَّل دِينَه فاقتلوه»[2].
أما في الآخرة: فقد أعدَّ الله لهم من العذاب المهين ما تَقْشِعرُّ لذِكْره جلودُ الذين يخشَوْن ربهم، فإنْ تابوا ورجعوا إلى ربِّهم، وندموا على ردَّتهم، واستغفروا الله، وأدَّوا فرائضه، واجتنبوا محارمَه، ورضوا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولاً، وآمنوا بجميع الرسل والكتب السماوية، وكفروا بمذاهب الكُفْر كلِّها، فعسى الله أن يقبل توبتَهم، ويغفر لهم، وإلا فسيجدون عاقبةَ مكرِهم وتكبُّرهم وجحودهم.
نسأل الله مقلِّبَ القلوب أن يُثبِّت قلوبنا على دِينه، وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، ا.هـ من كتاب "الإرشاد إلى طريق النجاة"؛ للشيخ عبدالرحمن بن حماد العمر.
[1] رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه ابن حبان.
[2] رواه أحمد والبخاري، وأهل السنن.