إنك عند الله غال
"الله يرفع قيمتــك عندمــا تنصُـر دينـك وأمتـك"
- التصنيفات: تزكية النفس - نصائح ومواعظ -
روى الترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: إنَّ رجلًا مِن أهلِ الباديةِ كان اسمُه زاهِرًا وكان يُهدي إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهَديَّةَ، فيُجَهِّزُه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أراد أن يخرُجَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ زاهرًا بادِيَتُنا ونحن حاضِروه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحِبُّه وكان دَميمًا، فأتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا وهو يبيعُ متاعَه فاحتَضَنه مِن خَلفِه وهو لا يُبْصِرُه، فقال: أرْسِلْني مَن هذا؟ فالتفَت فعرَف النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجعَل لا يَأْلو ما ألصَقَ ظَهرَه بصَدرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ عرَفه، وجعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ مَن يشتري العبدَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إذًا تجِدَني كاسِدًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لكنَّك عندَ اللهِ لَسْتَ بكاسِدٍ، أو قال عندَ اللهِ أنت غالٍ».
الله يرفع قيمتك عندما تنصُر دينك وأمتك.
أولًا: الإنسان غال بعقيدته؛ قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].
أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
وكان أبو بكر رضي الله عنه غائبًا، فلما حضر ودخل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مسجى بثوب، كشف عن وجهه، وقبله، وخرج إلى الناس، وأخبرهم بموته صلى الله عليه وسلم، وتلا قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]، فأيقَن الناس أنه قد مات.
الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
جاءه بعض المعتزلة وقال: يا أحمد، قل في أذني: إن القرآن مخلوق وأنا أخلِّصك من هذه الأنكال وهذه الأغلال، ومن هذا العذاب، فقال له أحمد: قل في أذني: إن الله متكلِّم، وإن القرآن كلام الله، وأنا أشفع لك عند الله، وأشهد لك بأنك من المؤمنين بكلام الله.
سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما:
قال ابن كثير: (لَما أخذ الراية يوم اليمامة بعد مقتل زيد بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، قال له المهاجرون: أتخشى أن نُؤتى مِن قِبَلك؟ فقال: بئس حاملُ القرآن أنا إذًا).
• خالد بن الوليد رضي الله عنه: (لا إلى سَلمى ولا إلى أجا، ولكن إلى الله الملتجا).
• وتستمر الأيام، وخالد من نصر إلى نصر، ومن معركة إلى معركة، ويصل إلى اليرموك، ويقف في جنود الله، في ثلاثين ألفًا يقاتلون مائتين وأربعين ألفًا، قال بعض المسلمين: (يا خالد، ما أكثر الروم! قال له: اسكُت، بل ما أقل الروم! إنما يكثُر القوم بنصر الله، وددتُ أنهم قد أضعفوا لنا العدد، وأن الأشقر قد بَرِئَ مِن وجعه).
• هذا خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في معركة من المعارك، اشتد القتال وأصاب الكفار من المسلمين، وكاد الجيش الإسلامي أن ينهزم وضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، فيقول أحدهم لخالد بن الوليد سيف الله المسلول: يا خالد إلى أين الملتجى؟ أإلى سلمى أم إلى أجا؟ فيقول خالد - رضي الله عنه -: لا إلى سلمى ولا إلى أجا، بل إلى الله الملتجا.. بل إلى الله الملتجا.
بلال بن رباح (أحد أحد):
عذِّب في الله تعالى كثيرًا بعد إسلامه على يدي أبي جهل وأُمية بن خلف، وكان على ذلك صابرًا محتسبًا، يقول: أحدٌ أحد، قال سعيد بن المسيب عنه: كان شحيحًا على دينه، وكان يعذَّب، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم، قال: الله الله، فلما قالها وهو تحت الأقدام والأحجار يُعذب، رفعه الله فوق الرؤوس يُؤذِّن.
ثانيًا: الإنسان غال بعبادته؛ قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15].
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: قُمْتُ خَلْفَ الْمَقَامِ وَأَنَا أُرِيُد أَلَا يَغْلِبَنِي عَلَيهِ أَحَدٌ تِلْكَ اللَّيلة، فَإِذَا رَجُلٌ يَغْمِزُنِي فَلَمْ ألْتَفِتْ، ثُمَّ غَمَزَنِي فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّان - رضي الله عنه - فَتَنَحَّيْتُ فَتَقَدَّمَ فَقَرَأَ القُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ، وكان - رضي الله عنه - رقيق القلب، غزير الدمع، كان أذا رأى قبرًا بكى حتى يرحم.
أبو مسلم الخولاني رحمه الله تعالى:
كان - رحمه الله - يجتهد في العبادة، حتى كان يُكلف نفسه فوق ما تريد.
عن عثمان بن أبي العاتكة قَالَ: كان من أمر أبي مُسْلِم الخولاني أن عَلَّق سوطًا في مسجده، ويقول: أنا أولى بالسَّوط من الدواب، فإذا دخلته فترة مشق ساقه سوطًا أو سوطين، وكان يقول: لو رأيت الجنة عيانًا ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عيانًا ما كان عندي مستزاد.
وقد جاء رجلان إلى أبي مسلم فلم يجداه في منزله، فأتيَا المسجد فوجداه يركع فانتظراه، فأحصى أحدهما أنه ركع ثلاث مائة ركعة.
أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
عن بشر بن الوليد عن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلًا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعله، فكان يحيي الليل صلاة وتضرعًا ودعاءً.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد، لكثرة صلاته.
وعن القاسم بن معن: أن أبا حنيفة قام ليلة يردِّد قوله تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
كان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جُمح، فكان يصلي فيه، وكان رجلًا رقيقًا، إذا قرأ القرآن استبكى، قالت: فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء، يعجبون لما يرون من هيئته.
ثالثًا: الإنسان غالٍ بتضحياته في سبيل الله عز وجل؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207].
عمير بن الحمام رضي الله عنه:
في غزوة بدر الكبرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض»، قال: فقال عمير بن الحمام الأنصاري: بخٍ بخٍ، يريد أن يكون من أهل الجنة، فأخرج تمرات من قرنه (جَعبة السهام)، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتِل).
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
هاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة، وحفر بئر رومة وتصدق بها على المسلمين.
ومن أعظم ما سطر له موقفه في تجهيز جيش العسرة؛ حيث كان مثالًا عظيمًا في الإنفاق والبذل، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذاك اليوم: "ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم: كما قام بتوسعة المسجد النبوي.
صهيب الرومي رضي الله عنه:
قرَّر سيدنا صهيب رضي الله عنه الهجرة، فوقف سادة قريش في طريق هجرته، وقالوا له: يا صهيب، أَتَيْتنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا، وَبَلَغْتَ الَّذِي بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ؟ وَاللهِ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ.
قال لهم سيدنا صهيب رضي الله عنه بعدما نزل عن راحلته، وَنَثَرَ مَا فِي كِنَانَتِهِ وَأَخَذَ قَوْسَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِمَا فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ افْعَلُوا ما شئتم، فَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَخَلَّيْتُمْ سَبِيْلِي؟ قَالُوا: نَفْعَلُ، فقال لهم: أشهد الله أني تركتُ لكم مالي كلَّه، ومالي في المكان الفلاني.
سعد بن معاذ رضي الله عنه:
ومما يدل على فضله وعُمق إيمانه، وحبه لله ورسوله، وتفانيه في خدمة هذا الدين: قوله لقومه عندما أسلم: إن كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فأسلموا جميعًا، وقوله - رضي الله عنه - عندما أصيب يوم الخندق: اللهم إن كنت أبقيتَ من حرب قريش، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إليَّ أن أُجاهدهم فيك من قوم آذَوا نبيَّك، وكذَّبوه، وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة في سبيلك، ولا تُمتني حتى تقرَّ عيني في بني قريظة.
مَن رخص عند الله وعند الناس:
روى الإمام مسلم عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ».
_________________________________________
الكاتب: رضا أحمد السباعي