المحبة والوفاء
خالد بن منصور الدريس
الرغبة في الحبّ أمرٌ يشترك فيه الخلقُ كلُّهم، لكنّ الثباتَ عليه، والوفاءَ بعهده، لا يكونان إلا لمَن رُزقَ صدقَ النيّة، وسلامةَ الطويّة، وقُدرةً على بذلِ ما تَأنف منه النفسُ في سَاعاتِ الكدر.
- التصنيفات: تزكية النفس -
إنّ الناسَ كثيرًا ما يستخفّون بأعباءِ المحبّة، ويظنّونها من نَوافل الحياة، وهي – والله – من عظيمِ مقاصدها، ولا يقوى عليها إلا ذو قلبٍ صبور، ونَفَسٍ طويل.
فالرغبة في الحبّ أمرٌ يشترك فيه الخلقُ كلُّهم، لكنّ الثباتَ عليه، والوفاءَ بعهده، لا يكونان إلا لمَن رُزقَ صدقَ النيّة، وسلامةَ الطويّة، وقُدرةً على بذلِ ما تَأنف منه النفسُ في سَاعاتِ الكدر.
إنّ المحبّة ليست زخرفَ قولٍ، ولا طِيبَ حديث، بل هي مِرانُ النفسِ على احتمالِ الضيقِ في سبيلِ القُرب، وإنهاكُ الروحِ في دربِ الوفاء.
فكيف بمن لا يُطيق الإنصاتَ وهو مُتعَب، ولا يُلينُ جانبَه وهو مغتاظ، ثم يَزعُم أنّه محبّ؟!
وإنّ البلاءَ كلَّ البلاءِ، أن يُريد المرءُ أن يُحَبّ، دون أن يُعطي.
أن يطلبَ القَبولَ حاضرًا، ويؤثرَ الغيابَ إذا ثَقُلتِ التبعة.
فليعلمْ كلُّ امرئٍ أنّ المحبةَ ليست بما تجيشُ به النفس، ولكن بما تَبذُلهُ اليد، وتَحتملهُ الجَوارح.
فإن لم تَسَعْ صاحبَك في ضيقِه، ولم تحتملْ شِدته، ولم تكن له حِرزًا من نفسه، فأنتَ عن الحبِّ بمعزل.
وإنّ أشدَّ الناسِ بأسًا، وأقواهم على البَلوى، أولئك الذين يُعطون، ويثبتون، ولا يُبدّلون.
لكنّ الحبَّ – يا صاحبي – لا يُقابَل بالرغبة وحدها، ولا يُرضى فيه بالقعود عن مجاهدته.
فمن أبى أن يَنهضَ لنصف الطريق، وتركَ أخاه يَمشيه وحده، فقد آثر نفسه على المحبة، وظلمَ قلبًا كان له مأوى… فخاب، وخسر .