نفط الصومال مقابل استقراره
حلقة أخرى من الحلقات التي تحكي تتضييعاً عربياً وإسلامياً لقطر عزيز من أقطار الإسلام وبلاده، حيث لم تنهض أي دولة جارة للصومال من أجل استنقاذه من حالة الفوضى والاستقطاب والاحتلال التي ظل عالقاً فيها لأكثر من عقدين من دون أن تقدم له يد مساعدة من الدول الإسلامية والعربية لاسيما تلك المجاورة له.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
حلقة أخرى من الحلقات التي تحكي تتضييعاً عربياً وإسلامياً لقطر عزيز من أقطار الإسلام وبلاده، حيث لم تنهض أي دولة جارة للصومال من أجل استنقاذه من حالة الفوضى والاستقطاب والاحتلال التي ظل عالقاً فيها لأكثر من عقدين من دون أن تقدم له يد مساعدة من الدول الإسلامية والعربية لاسيما تلك المجاورة له.
ننظر للقرن الإفريقي كمهجر الصحابة الأول، ونعتز برسوخ قدم الإسلام فيه، وبكثرة الحفاظ والمستمسكين بدينهم فيه، لكننا لم نصنع له شيئاً ذا بال، وهو ينتقص كل يوم من أطرافه لحساب القوى الإقليمية والدولية، حيث الصومال، رأس هذا القرن محكوم بالفوضى والجوع والجهل والتشرذم بإرادة من إثيوبيا وكينيا وإرتريا، ومن بعدهم بريطانيا و"إسرائيل" وإيطاليا، وبعيد تقف الولايات المتحدة مجهضة كل مسعى لوقوف هذا البلد البائس على قدميه.
وقد مرت به عشرات من المبادرات العربية الخجولة من أجل تحقيق المصالحة بين قواه المتناحرة أو بين قبائله المتصارعة، ولكنها كانت عديمة الجدوى، إذ لم تفكر أي من دول المنطقة في أن تباشر جهداً فعلياً لا شكلياً في المصالحة، وترك البلد كغيره من البلدان فريسة لقوى الاحتلال النصرانية كإثيوبيا وكينيا وأوغندة، والقوى الغربية من ورائها، ليرسم هؤلاء مستقبله، وقد كان يكفي هذا البلد مئات الملايين من الدولارات لكي نضمن وحدته، وندعم جهود المصالحة بين أطرافه المتنازعة لكن الإرادة الرهينة بالإرادات الأخرى تأبت أن تفعل إلا بإذن لم يأت حتى عُقد هذا الأسبوع مؤتمر لندن المشؤوم لتقرير مصير الصومال (أو لمساعدته كما هو معلن!).
ولا أحد منا حقيقة بمقدوره أن يلوم الدول الغربية التي اكتشفت كميات هائلة من النفط في الصومال فهرعت إليه؛ حيث تؤكد صحيفة الأوبزرفر البريطانية (24 فبراير الحالي) أن "مشاركة بريطانيا في صناعة النفط مستقبلاً في الصومال سيمثل نقلةً كبيرة للاقتصاد البريطاني في وقت يتخوف فيه العالم من تصرفات إيران التي تمثل أكبر ثاني منتج للنفط في منظمة أوبك".
نعم، إن الصومال ـ بحسب الصحيفة ـ "سيمثل نقلة كبيرة للاقتصاد البريطاني"، هكذا قالت! فأي خيبة أمل إضافية على ضياع قيمنا في نجدة إخواننا، وبناء استراتيجية عربية قوية في المنطقة، مبنية على الوحدة الإسلامية؟!
إن أفقر بلدان العالم يحمل مستقبلاً واعداً لبريطانيا، ويحمله أيضاً لغيرها، وهو البلد الغني باليورانيوم بكميات هائلة، علاوة على الغاز، فنفطه الذي يلهث وراءه الأوروبيون الآن في غفلة من دولنا العربية التي تركت خاصرتها عارية للسهام في القرن الإفريقي مهددة أمن جميع الدول المشاطئة للبحر الأحمر للخطر، هو جائزة الفوضى التي فرضتها الدول الغربية على الصومال، ثم عادت اليوم لتفاوض حكامه على حصة صغيرة من عائداته "تمنحها" تلك الدول له في مقابل موافقته على تسليم مفاتيح نفطه لهم بعد أن جرد البلد من أي قدرة له على المقاومة، لا مقاومة ذهب المعز ولا سيفه البتار!
ففي ظل غفلتنا عن واجباتنا الإسلامية وحتى "القومية" يبتز البريطانيون إقليم بلاد بونت "المستقل عن الصومال" بضمان استقراره وتحقيق شيء من الرفاه له في مقابل السماح لهذا البلد الذي كان يتقاسم مع الإيطاليين بلاد الصومال في الماضي أن يستخرج ما يشاء من نحو 10 مليارات برميل من الاحتياطي النفطي، تضع هذا الإقليم "المستقل" بين أكبر 20 دولة منتجة للنفط..
هذا البلد الغارق في الفقر والفوضى، تتوقع شركة ذي كنديان كومباني أفريكا أويل (الكندية) أن تستخرج من إقليم واحد منه فقط ما يقدر بنحو 500 مليار دولار وفقاً للأسعار الحالية.. هذه كنوزنا التي يعيش فوقها من يموتون جوعاً كل يوم، ولم نفكر يوماً في أن يستعيدوا توازنهم لكي يستخرجوا كنوزهم بشروط عادلة لا كتلك التي اضطررناهم إليها بتخاذلنا وضعفنا وهواننا..
6/4/1433 هـ