من تبصَّر تصبَّر!

فيصل بن علي البعداني

قوةَ البصيرة، ومزيدَ التأملِ والنظر، وواسعَ المعرفة، وعظيمَ التفكرِ في الأشياء، ودقيقَ التدبرِ في الحقائق، والنظرَ في العواقب، والإفادةَ من التجارب؛ مفتاحُ الصبر، وبوابةُ الثبات، وطريقُ الفلاح، وسبيلُ الرفعةِ والسعد...

  • التصنيفات: تزكية النفس -

هذه المقالة النافعة النايفة للإمام الزاهد ابن الجوزي، عصارةُ تجربةٍ طويلة، وخلاصةُ حياةٍ مملوءةٍ بالمجاهدة، وعينُ حكمةٍ عركتها المعاناةُ وطول المسير، ونقاها طولُ التأمل؛ ولذا فإن من أَخَذَ بها رَشِد، ومن سار على وفقها سَعِد.

ومؤدَّاها: أنَّ قوةَ البصيرة، ومزيدَ التأملِ والنظر، وواسعَ المعرفة، وعظيمَ التفكرِ في الأشياء، ودقيقَ التدبرِ في الحقائق، والنظرَ في العواقب، والإفادةَ من التجارب؛ مفتاحُ الصبر، وبوابةُ الثبات، وطريقُ الفلاح، وسبيلُ الرفعةِ والسعد، وباعثُ الترفقِ في مواطن الغضب، والأناةُ عند مضايق الشدة، ومصدرُ التوازنِ إذا اضطربت الأحوال، ومفتاحُ نيلِ الحكمة، وإدراكُ جواهرِ الأشياءِ وقِيَمِها حين تخفيها المظاهرُ وتسترها القشورُ، وأداةُ الخلوصِ من الغفلة، والخفة، والطيش، والتعجل، واللامبالاة.

إذْ لكل شيءٍ أوانُه الذي لا يتمُّ قبل حلوله، والسبلُ والأدواتُ التي لا بد منها لنَيْله، فمن استعجل ثمرتَه قبل زمانها، أو دون أن يمتلك الأسبابَ الموصلةَ إليها، عُوقب بحرمانها. كما إنَّ لكل شيءٍ ثمنَه الذي يستحق أن يُبذل فيه، فمن لم يَجُدْ به، لم يَظفرْ به، ومن تجاوز فيه مقداره – بلا سببٍ عارض – خفَّ وخسر.

وقوةُ البصيرة من شروطِ تحقيقِ كلِّ مقصد، وأساسُ الظفرِ بكلِّ مطلب؛ إلا أن تحلِّيَ طالبِ الفلاحِ الأخروي بها أوجب، لأنَّ حلاوةَ الدنيا ومتعَها عاجلةٌ حاضرةٌ جاذبة، ونعيمَ الآخرةِ وإنْ عَظُم، فهو غيبٌ في يومٍ آتٍ عند ربك.

فمن لم يتفكرْ في الحقائق، ويُقارِنْ بين العواقب، وينظرْ بعين البصيرةِ إلى المآلات والنتائج، ويوازنْ بين العاجل والآجل، ويُطالعِ الفرقَ بين النعيمين، ويتفقَّهْ بطبيعةِ التكليفِ في هذه الدار، ويعلمْ بدنوِّ الرحيلِ عن هذه الدنيا، وتقلُّبِها، وهوانِها، في مقابل خلودِ الآخرةِ ودوامِ نعيمِها، وكونِه لا يُقارنُ البتةَ بزخرفِ الدنيا، أضله بريقُ العاجلة،  وفتنته الشهوات، وأعماه غبشُ اللحظة، فاغترَّ، وتلهَّى، وتمادى، ولم يستطعِ الصبرَ على متطلباتِ نجاةِ الدارِ الباقية.

والموفَّقُ من وفَّقه الله إلى سبيلِ جنَّته ورضاه، فاللهم بلغنا رضوانَك، واهدنا صراطَك، وثبِّتنا على نهجِ رسلك، فإنَّا لا نهتدي إلا بك، ولا نبصرُ إلا بتوفيقك، ولا نصبرُ إلا بمعونتك، وأنت حسبُنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.

والله الهادي.

_______________________________________
✍🏻 بقلم فضيلة الشيخ د. فيصل بن علي البعداني