من ذنوب المعرفة

ثمة ذنوب يتعفّف عنها العوام، وتقترفها قلوب طلاب العلم والمثقفين دون أن يشعروا بثقلها، لأنها تأتي متوشّحة بثياب العلم، ومغلفة بورق القراءة، ومطعّمة بماء الحبر، ومن أخطرها: الكِبْر عن قبول الحق إذا جاء من غيرهم.

  • التصنيفات: طلب العلم -

ثمة ذنوب يتعفّف عنها العوام، وتقترفها قلوب طلاب العلم والمثقفين دون أن يشعروا بثقلها، لأنها تأتي متوشّحة بثياب العلم، ومغلفة بورق القراءة، ومطعّمة بماء الحبر، ومن أخطرها: الكِبْر عن قبول الحق إذا جاء من غيرهم.

فإذا نُوصح أحدهم، أو وُجِّه برأيٍ، لم ينظر إلى مضمون القول، بل التفت – لا شعوريًّا – إلى تاريخه المعرفي الطويل، وسنوات القراءة، ومؤلفاته أو شهاداته الأكاديمية، فإذا بالحق يُدفن تحت ركام الغرور، وإذا بالصوت الذي جاء ناصحًا يُقصى لأن صاحبه لا “يرتقي” إلى مقام الموجَّه!

وهذا – وإن تلبّس بثياب “التمييز” – فإن حقيقته في ميزان الشريعة: كبرٌ عن الحق واحتقارٌ للخلق، وقد جاء التحذير النبوي دقيقًا صارمًا في هذا الباب، فقال صلى الله عليه وسلم: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (رواه مسلم).

وقد قصّ الله تعالى علينا مآل قومٍ لم يردعهم علمهم ولا تاريخهم، بل قال: {فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ} [غافر: ٨٣]

أجل.. “فرحوا بما عندهم من العلم”، فتورّمت ذواتهم حتى أعمتهم عن البينات! فما نفعهم العلم، بل كان فتنتهم.

فإن من علامات التوفيق أن يتجلّى الحق – وإن نطق به من هو دونك منزلة أو أصغر سنًا أو أقل علمًا – فتسلم له، لا لهوانك، بل لتعظيمك للحق، فاحذر أن يمنعك زخم علمك من أن تفتح قلبك للحق، إذا جاءك في ثوبٍ لا يُشبهك.