بيان خطأ تفويض معاني آيات وأحاديث الصفات

محمد بن علي بن جميل المطري

من أعظم ما يجب علينا تدبره وفهمه: آيات وأحاديث أسماء الله الحسنى وصفاته العلى؛ لأنها تدل على عظمة الله سبحانه، واستحقاقه للعبادة وحده دون ما سواه، والقول بأن معانيها مجهولة، قول باطل، ويلزم منه إشكالات كثيرة، وادعاء أن مذهب السلف هو تفويض معاني الصفات نسبة خاطئة.

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

 

 

 

محمــد بـن علــي بـن جـمـيــل المـطــري

دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن - جامعة المدينة العالمية - ماليزيا

  • من المشاركين في تأليف موسوعة التفسير في موقع الدرر السنية.
  • من المشاركين في تأليف موسوعة العقيدة في موقع الدرر السنية.
  • من المشاركين في تأليف موسوعة الفرق في موقع الدرر السنية.
  • من الباحثين في موسوعة الهدايات القرآنية بإشراف جامعة أم القرى - مكة المكرمة.

أهم النتاج العلمي:

الهدايات القرآنية في قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى}، مائة آية في فضل الصحابة، اثنا عشر دليلا من القرآن على إثبات عذاب القبر، الرياحين اليمانية في العقيدة، الإرشاد إلى سعة الصدر في مسائل الاجتهاد، فقه الخلع، إتحاف الطلاب بأحكام الطلاق، سيرة أبي هريرة والأحاديث الصحيحة التي تفرد بروايتها، قصة نشأة المذاهب الفقهية، التذكرة التاريخية الميسرة، بداية المحدِّث، فصول مهمة في السنة النبوية.

 

ملخص البحث

من أعظم ما يجب علينا تدبره وفهمه: آيات وأحاديث أسماء الله الحسنى وصفاته العلى؛ لأنها تدل على عظمة الله سبحانه، واستحقاقه للعبادة وحده دون ما سواه، والقول بأن معانيها مجهولة، قول باطل، ويلزم منه إشكالات كثيرة، وادعاء أن مذهب السلف هو تفويض معاني الصفات نسبة خاطئة.

موضوع البحث:  

بيان خطأ تفويض معاني آيات وأحاديث الصفات.

أهداف البحث:  

بيان وجوب الإيمان بمعاني صفات الله، وبيان معنى التفويض، وأنواعه، وبطلان تفويض معاني الصفات، ومخالفته لمذهب السلف الصالح.

أهم نتائج البحث:

  1. مذهب السلف الصالح الإيمان بصفات الله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، ومن مذهبهم تفويض كيفية الصفات، وليس تفويض معاني الصفات.
  2. تفويض معاني الصفات مذهب باطل، ويلزم منه محذورات كثيرة، وإشكالات عديدة، وقد أخطأ من نسبه إلى السلف الصالح.

التوصيات:

الاعتناء بكتب العقيدة الصحيحة التي تبين مذهب السلف الصالح.

الكلمات المفتاحية:

التفويض – آيات – أحاديث - الصفات - الأسماء الحسنى مذهب  

المقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:  

فإنَّ القرآن الكريم كتاب هداية، وقد أمرنا الله بتدبر آياته لنهتدي به في جميع أمورنا، كما قال تعالى: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} } [ص: 29].

ومن أعظم ما في القرآن مما أمرنا الله بتدبره: الآيات التي فيها أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، التي عرفنا الله فيها بنفسه، فيجب معرفة معانيها؛ لأنها تدل على عظمة الله سبحانه، واستحقاقه للعبادة وحده دون ما سواه، وكذلك يجب معرفة معاني أحاديث الصفات التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق.

وقد كان الصحابة ومن اتبعهم بإحسان يتمسكون بكتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويؤمنون بآيات وأحاديث الصفات، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، ونحن مأمورون أن نتبع سبيلهم، كما قال الله تعالى: {{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}} [التوبة: 100]، وقال سبحانه: {{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا}} [البقرة: 137].

وقد تواترت النصوص عن السلف الصالح بإمرارهم آيات وأحاديث الصفات على ظاهرها اللائق بالله سبحانه، وأنهم كانوا يؤمنون بمعانيها؛ ولذلك أنكروا على الذين يصرفون معانيها بالتأويل إلى المجاز بلا دليل، وقد صنف أهل العلم كتبا كثيرة في إبطال تأويل الصفات، والرد على الجهمية وغيرهم من المتكلمين الذين يتجرؤون على آيات وأحاديث الصفات بالتأويل.

وقد أخطأ خطأ عظيما من زعم أن الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهم من أئمة المسلمين كانوا يفوضون معاني الصفات، وأنهم كانوا يجهلون معانيها، وأنهم كانوا لا يفرقون مثلا بين صفات الرحمة والغضب والرضا، وأنهم لا يعلمون معنى الاستواء على العرش، ولا يعلمون معنى مجيء الله سبحانه يوم القيامة لفصل القضاء، وأنهم كانوا يقرءون نصوص الصفات كما يقرءون الحروف المقطعة، ولا يعلمون شيئا من معانيها!

وفي هذا البحث بيان بطلان مذهب أهل التفويض، ومخالفته لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهم بإحسان، فإن من آمن بمثل ما آمن به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد اهتدى، ومن خالف كتاب الله وسنة رسوله، وخالف ما كان عليه سلف الأمة فقد ضل وغوى.

وهذه الخلافات قد أخبرنا الله ورسوله بها، فهي من جملة الابتلاء الذي ابتلى الله الناس بها، ليتبين الصادق من الكاذب، والمتبع للحق من المتبع للهوى، قال الله سبحانه: {{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} } [هود: 118، 119]، وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))([1])

أسباب اختيار الموضوع:

يعود اختيار هذا الموضوع للأسباب الآتية:

  1. أهمية معرفة الحق في باب الأسماء والصفات، لا سيما وإنَّ كثيرا من المفسرين وشراح الحديث من المتأخرين وقعوا في مخالفة ما كان عليه السلف الصالح في صفات الله سبحانه، فوقعوا في التأويل أو التفويض.
  2. بيان الخطأ العظيم في نسبة مذهب التفويض إلى السلف الصالح، وهم منه برآء.
  3. وقوع الإشكال واللبس لبعض العلماء وطلاب العلم في مسألة التفويض، حتى ظنوا صحة مذهب أهل التفويض أو جوازه، مع كونه مذهبا باطلا، وفيه من التناقض والاضطراب ما يتبين به فساده للمنصفين.

 مشكلة البحث:

كتب العقيدة المتنوعة فيها بيان مذهب السلف الصالح في مسائل الاعتقاد، وبيان بطلان المذاهب المخالفة لها، ولكن قل من أفرد الرد على أهل التفويض بالبحث والتأليف، وما أقل من صنف من العلماء في بطلان مذهب المفوضة وتناقضهم واضطرابهم، حتى أن بعض الفضلاء المنتسبين إلى السنة أخذوا بمذهب التفويض ظنا منهم أنه مذهب السلف الصالح.

أسئلة البحث:  

  1. هل يجب الإيمان بمعاني صفات الله سبحانه الواردة في القرآن والسنة الصحيحة؟
  2. ما معنى تفويض صفات الله؟ وما أنواع التفويض؟
  3. هل مذهب السلف الصالح هو تفويض معاني الصفات؟
  4. هل مذهب التفويض مذهب صحيح أو باطل؟

أهداف البحث:

  1. بيان وجوب الإيمان بمعاني صفات الله سبحانه الواردة في القرآن والسنة الصحيحة.
  2. توضيح معنى تفويض صفات الله، وذكر أنواع التفويض.
  3. بيان خطأ نسبة السلف الصالح إلى تفويض معاني الصفات.
  4. بيان بطلان التفويض.

أهمية البحث:

يمكن إجمال أهمية البحث في هذا الموضوع فيما يأتي:

  1. أنَّ فيه جمعًا لما تفرق في كتب العقيدة مما يتعلق بإبطال مذهب التفويض، مع الاختصار بلا تطويل.
  2. أنَّ فيه نصحا للمسلمين في باب الاعتقاد، وفي مسألة من أهم مسائل الخلاف بين المسلمين، وهي مسألة الأسماء والصفات التي كثر الخوض فيها، لا سيما التفويض الذي ظن بعض العلماء الفضلاء أنه مذهب السلف.

أهم الدراسات السابقة:

  1. تبرئة السلف من تفويض الخلف، لمحمد بن إبراهيم اللحيدان، (ط1)، الرياض، مكتبة دار الحميضي، 1413هـ، ذكر مؤلفه معنى التفويض لغة واصطلاحا، وبين تناقض المفوضة، ومخالفتهم لمذهب السلف الصالح في إثبات حقيقة الصفات، وذكر بطلان مذهب أهل التفويض، ورد على أهم شبهاتهم.  
  2. علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين، لرضا نعسان معطي، (ط6)، الرياض، دار الهجرة للنشر والتوزيع، 1416هـ، أوضح مؤلفه عقيدة أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته، وأوضح بطلان ما يخالفها من التأويل والتفويض.

الجديد الذي يقدمه هذا البحث:

  1. هذا الموضوع دراسة نوعية في مجال العقيدة، وفي مجال التفسير والحديث فيما يتعلق بآيات وأحاديث الصفات.  
  2. في هذا البحث نقول مهمة وعزيزة لبعض العلماء السابقين مما يبين بطلان التفويض، وبراءة مذهب السلف من هذا المذهب الذي ظن بعض من لم يحقق مذهب السلف أنه مذهبهم في باب الصفات.

المنهج المتبع في البحث:

المنهج المتبع في البحث هو المنهج التحليلي الوصفي المتضمن العرض والوصف والتحليل، مع الالتزام بضوابط البحث العلمي.

إجراءات البحث:

اتَّبع الباحث مجموعة من الخطوات الإجرائية، من أهمها:

  1. الرجوع إلى أهم كتب العقيدة، سواء كتب أهل السنة أو كتب المخالفين لهم، والاستفادة منها فيما يتعلق بموضوع التفويض.
  2. توثيق النصوص المنقولة من مصادرها الأصلية.
  3. المعوَّل عليه في معرفة طبعات المصادر هو الفهرس الخاص آخر البحث.

 خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة، وأربعة مباحث، وخاتمة، وفهارس، كما يأتي:

  • المقدمة.
  • المبحث الأول: وجوب الإيمان بصفات الله سبحانه بلا تعطيل ولا تمثيل.
  • المبحث الثاني: معنى التفويض وأنواعه.
  • المبحث الثالث: خطأ نسبة مذهب تفويض معاني الصفات إلى السلف الصالح.
  • المبحث الرابع: بيان بطلان مذهب أهل التفويض.
  • الخاتمة.
  • فهرس المصادر والمراجع.
  • فهرس الموضوعات.

أسأل الله أن ينفع بهذا البحث المتواضع، وأن يجعله خالصًا لوجهه، والله الموفق وحده.

المبحث الأول: وجوب الإيمان بصفات الله سبحانه بلا تعطيل ولا تمثيل

التصديق بما أخبر الله في كتابه وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام في سنته من أسماء الله الحسنى وصفاته العلى هو من الإيمان بالله ورسوله، ومن الإيمان بكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فمن صدق بما أخبر الله به ورسوله فقد اهتدى، ومن كذب بشيء مما جاء في كتاب الله أو سنة رسوله الصحيحة فقد ضل وغوى.

ومعرفة كمال الله وما يجب له من أسمائه الحسنى من تمام التوحيد الواجب؛ لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى، وصفاتها الشريفة، ولا كمال لذات لا اسم لها ولا صفة([2]).

وكل اسم من أسماء الله الحسنى يتضمن صفة من صفاته، كالعليم يتضمن صفة العلم، والسميع يتضمن صفة السمع، والبصير يتضمن صفة البصر، والرحمن الرحيم يتضمنان صفة الرحمة، وهكذا، فأسماء الله سبحانه تدل على كمال صفاته وعظمته، وتنزهه عن شوائب النقص([3]).

والإيمان بأسماء الله وصفاته يزيد الإيمان، ويحث الإنسان على تقوى الله، والاجتهاد في عبادته، وطلب مرضاته([4]).

وكثرة أسماء الله الحسنى تدل على عظمته سبحانه، وكمال ذاته وصفاته، وتفيد أن الكمال المطلق له سبحانه وحده دون ما سواه([5]).

وإنَّ من أسباب الضلال والغفلة: الجهل بأسماء الله وصفاته، فالعلم بأسماء الله وصفاته من أعظم ما يعصم العبد من الضلال والغفلة؛ لأنها تثمر تعظيم الله، والمعرفة باطلاعه على عباده، وقدرته عليهم([6]).

ولهذا يجب على المسلم أن يؤمن بأسماء الله الحسنى، وصفاته العلى، فإن الله أخبرنا بها في كتابه ليعرفنا بنفسه، ولنؤمن بها، ومن أنكرها أو ألحد فيها فقد توعده الله بالعذاب الأليم، قال الله سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180].

ومن الإلحاد في أسماء الله: الميل بها عن معانيها الصحيحة اللائقة بالله بالتشبيه أو بتعطيلها عن صفات الكمال وإنكارها أو إنكار معانيها، أو بتسمية الله بغير ما سمى به نفسه، أو بتسمية بعض عباده بأسمائه الخاصة به أو باشتقاق أسماء منها للأصنام أو بإشراك غير الله في معاني أسمائه الخاصة به كمن يدعون غير الله ويتوسلون بهم([7]).

وقد تواترت النصوص عن السلف الصالح بإمرارهم آيات وأحاديث الصفات على ظاهرها اللائق بالله سبحانه، ومنعهم من تأويل معانيها، وإنكارهم على الذين يصرفونها بالتأويل إلى المجاز بلا دليل، وقد صنف أهل العلم كتبا كثيرة في إبطال تأويل الصفات، والرد على الجهمية وغيرهم من المتكلمين الذين يتجرؤون على آيات وأحاديث الصفات بالتأويل([8]).

قال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل، من غير تغيير ولا وصف ولا تشبيه, فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفارق الجماعة, فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا, ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا, فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه قد وصفه بصفة لا شيء!)([9]).

وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: (فإن قال لنا قائل: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل: الصواب من هذا القول عندنا أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. فيقال: الله سميع بصير، له سمع وبصر؛ إذ لا يعقل مسمى سميعا بصيرا في لغة ولا عقل في النشوء والعادة والمتعارف إلا من له سمع وبصر ... فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه؛ فنقول: يسمع جل ثناؤه الأصوات، لا بخرق في أذن، ولا جارحة كجوارح بني آدم. وكذلك يبصر الأشخاص ببصر لا يشبه أبصار بني آدم التي هي جوارح لهم. وله يدان ويمين وأصابع، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجه لا كجوارح الخلق التي من لحم ودم. ونقول: يضحك إلى من شاء من خلقه. ولا نقول: إن ذلك كشر عن أسنان)([10]).

وقال ابن عبد البر المالكي: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة)([11]).

وقال محيي السنة البغوي الشافعي في آخر كتابه (شرح السنة): (كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة كاليد والإصبع والعين والمجيء والإتيان، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ، والمنكِر معطِّل، والمكيِّف مُشبِّه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا)([12]).

والاتفاق الذي نقله محمد بن الحسن الشيباني وابن عبد البر في إمرار نصوص الصفات كما جاءت على الوجه الذي يليق بعظمة الله سبحانه من غير تأويل لها هو منهج أئمة السلف وأتباعهم، وهذا هو الأصل في نصوص الصفات، وإن كان قد يرد التأويل عن بعض العلماء في بعض النصوص، وقد يكون ذلك التأويل صحيحا لدليل صحيح يدل عليه، وقد يتنازع العلماء في صحته، وإن ثبت التأويل فهو في الحقيقة تفسير وبيان، وليس صرفا للفظ عن ظاهره، فإنه لا يمكن أن يكون ظاهر القرآن والحديث باطلا وضلالا([13]).

فمن التأويل الصحيح الذي لا شك في صحته: قوله سبحانه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، فقد فسرها العلماء بالعلم، ويدل على ذلك سياق الآية كاملة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، ومثل ذلك قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، فقد بُدِئت الآية بالعلم، وخُتِمت بالعلم، فدل على أن المعنى أن الله سبحانه مع عباده بعلمه، فهذا التأويل صحيح لا نزاع فيه، وهو في الحقيقة تفسير وبيان، وليس صرفا للكلام عن ظاهره بالتأويل، ولا مشاحاة في الاصطلاح، وقد قال بعض العلماء: (تأويل السلف إن صدر من الصحابة فهو مقبول؛ لأنهم سمعوه من الرسول، وإن صدر من غيرهم وتابعهم عليه الأئمة قبلناه، وإن تفرد نبذناه وأعرضنا عنه إعراضنا عن تأويل الخلف)([14]).

ومن التأويل الذي وقع فيه نزاع بين العلماء: صفة النزول، قال ابن رجب الحنبلي في بيان خلاف أهل الحديث في إثبات صفة النزول: (الفرقة الثانية : تقول: إن النزول إنما هو نزول الرحمة، ومنهم من يقول: هو إقبال الله على عباده، وإفاضة الرحمة والإحسان عليهم، ولكن يرد ذلك تخصيصه بالسماء الدنيا، وهذا نوع من التأويل لأحاديث الصفات، وقد مال إليه في حديث النزول خاصة طائفة من أهل الحديث، منهم: ابن قتيبة والخطابي وابن عبد البر، وقد تقدم عن مالك، وفي صحته عنه نظر، وقد ذهب إليه طائفة ممن يميل إلى الكلام من أصحابنا)([15]).

فالأصل في نصوص الصفات أجراؤها على ظاهرها اللائق بعظمة الله سبحانه، وعدم تأويلها، وقد يقع نزاع بين العلماء في بعضها، قال ابن تيمية: (الصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها القطع بإجرائها على ظاهرها اللائق بجلال الله كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه فوق عرشه، وتعلم طريقة الصواب في هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك، دلالة لا تحتمل النقيض، وفي بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض، وتردد المؤمن في ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والإيمان، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)([16]).

فيُفهم من كلام ابن تيمية السابق أن بعض نصوص الصفات يسوغ الخلاف فيها لعدم القطع فيها بأنها من نصوص الصفات، فقد نجد نصا يؤوله السلف الصالح لكونه ليس عندهم من نصوص الصفات، وإن كان بعضهم يراه من نصوص الصفات، مثل قوله سبحانه: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، فأكثر السلف من الصحابة والتابعين على أن هذه الآية ليست من نصوص الصفات، وأن المعنى: يكشف الله يوم القيامة عن شدة وأهوال([17]).

قال ابن قتيبة، وهو من أهل السنة المثبتين للصفات: (من الاستعارة في كتاب الله قوله عز وجل: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي: عن شدة من الأمر، ... وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد فيه - شمَّر عن ساقه، فاستعيرت الساق في موضع الشدة)([18]).

وذهب بعض المفسرين إلى أنها من آيات الصفات، ورجحه ابن تيمية وابن القيم([19]).

وقال ابن عثيمين: (يحتمل أن يُراد بذلك ساق الله، ويحتمل أن يُراد بالساق الشدة، وقد قال السلف بهذين القولين)([20]).

وقد بين هذا ابن عثيمين بيانا شافيا فقال: (مسائل العقيدة ليست كلها مما لا بد فيه من اليقين؛ لأن اليقين أو الظن حسب تجاذب الأدلة، وتجاذب الأدلة حسب فهم الإنسان وعلمه، فقد يكون الدليلان متجاذبين عند شخص، ولكن عند شخص آخر ليس بينهما تجاذب إطلاقا؛ لأنه قد اتضح عنده أن هذا له وجه، وهذا له وجه، فمثل هذا الأخير ليس عنده إشكال في المسألة، بل عنده يقين، وأما الأول فيكون عنده إشكال، وإذا رجح أحد الطرفين فإنما يرجحه بغلبة الظن؛ ولهذا لا يمكن أن نقول: إن جميع مسائل العقيدة مما يتعين فيه الجزم، ومما لا خلاف فيه؛ لأن الواقع خلاف ذلك، ففي مسائل العقيدة ما فيه خلاف، وفي مسائل العقيدة ما لا يستطيع الإنسان أن يجزم به، لكن يترجح عنده. إذًا هذه الكلمة التي نسمعها بأن مسائل العقيدة لا خلاف فيها، ليس على إطلاقها؛ لأن الواقع يخالف ذلك. كذلك مسألة العقيدة بحسب اعتقاد الإنسان، فليس كل مسائل العقيدة مما يجزم فيه الإنسان جزما لا احتمال فيه، فهناك بعض المسائل - أحاديث أو آيات - قد يشك الإنسان فيها، كقوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42]، هذه من مسائل العقيدة، وقد اختلف فيها السلف؛ هل المراد ساقه عز وجل أو المراد الشدة؟)([21]).

ومن النصوص التي لا حرج في تأويلها: حديث إضافة المشي والهرولة لله سبحانه، قال الترمذي في سننه: (يُروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث: ((من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا))([22]) يعني: بالمغفرة والرحمة، وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، قالوا: إنما معناه يقول: إذا تقرب إليَّ العبد بطاعتي، وبما أمرت، تسارع إليه مغفرتي ورحمتي)([23]).   

وهذا هو القول المشهور عند العلماء المتقدمين في شرح الحديث، فقد نقله الترمذي مقرا له عن الأعمش وهو من التابعين، وعن بعض أهل العلم غير الأعمش، ولم يذكر الترمذي قولا غيره، ونقله ابن بطال القرطبي عن محمد بن جرير الطبري([24]).

قال الطوفي الحنبلي عن هذا الحديث: (الحديث مؤول عندنا على التقرب بالرحمة واللطف والإكرام، كما يقال: فلان قريب من السلطان، والأمير قريب من فلان، يعني: تقارب القلوب والمنزلة، وأنا وإن كنت أثريا في آيات الصفات وأخبارها، إلا أن المجاز عندي في هذا الحديث ظاهر غالب، فلا يتوقف في تأويله إلا جامد. وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن النصوص في الصفات من حيث السند على ثلاث طبقات: صحيح مجمع على صحته بين أهل النقل، وضعيف متفق على ضعفه، ومختلف في صحته، فالأول مما تُثبت به الصفات، والآخرين لا يعول عليهما في ذلك، في وقت من الأوقات. ثم الحديث المجمع على صحته من حيث دلالة المتن على ثلاث طبقات: ما ترجح فيه إرادة الحقيقة، وما ترجح فيه إرادة المجاز، وما استوى فيه الأمران)([25]).

وقال المباركفوري في شرح هذا الحديث، وهو من أهل السنة المثبتين للصفات: (قال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات، ويستحيل إرادة ظاهره، ومعناه: من تقرَّب إليَّ بطاعتي تقرَّبت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة أو إن زاد زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي: صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه انتهى. وكذا قال الطيبي والحافظ والعيني وابن بطال وابن التين وصاحب المشارق والراغب وغيرهم من العلماء" انتهى كلام المباركفوري، وهو من العلماء المثبتين للصفات على منهج السلف الصالح، لكنه لم يثبت هذه الصفة من هذا الحديث الصحيح لعدم وضوح دلالته على الصفة)([26])

وقد أثبت بعض أهل العلم رحمهم الله صفة المشي والهرولة لورود ذلك في هذا الحديث، إثباتا يليق بجلال الله سبحانه من غير تمثيل ولا تشبيه([27]).

ولا شك أن الأصل هو الاحتياط العظيم في إثبات صفات الله رب العالمين أو نفيها، خوفا من أن نقول على الله ما لا نعلم، فلا ننفي صفات الله العُليا، الثابتة بالنصوص الصحيحة الصريحة، الواضحة الدلالة، والمشهورة عند العلماء، ولا نعد من صفات الله سبحانه ما كان في ثبوت دليله نظر أو في دلالته احتمال معتبر، لا سيما إذا كان لا يُعرف إثباتها عن السلف الصالح رحمهم الله، الذين هم أعلم منا وأتقى.

 

 

المبحث الثاني: معنى التفويض وأنواعه

قال النسفي: (التفويض هو التسليم، وهو ترك المنازعة والمضايقة)([28]).

وقال المناوي: (التفويض: رد الأمر إلى الله والتبرؤ من الحول والقوة، وأصله لغة: رد الأمر إلى الغير لينظر فيه)([29]).

وقال الكفوي: (مسلك الأوائل أن يؤمنوا بالمتشابهات، ويفوضوا معرفتها إلى الله ورسوله؛ ولذلك سموا بالمفوضة، ومسلك الأواخر أن يؤولوها بما ترتضيه العقول؛ ولذلك سموا بالمؤولة)([30]).

والتفويض نوعان:

  1. تفويض كيفية الصفات، وهذا تفويض صحيح، وهو قول أهل السنة والجماعة.
  2. تفويض معاني الصفات، وهذا تفويض باطل، وهو من مذاهب أهل البدع.

قال ابن القيم: (لم يتنازع الصحابة في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، ... ومن شرح الله لها صدره ونور لها قلبه يعلم أن دلالتها على معانيها أظهر من دلالة كثير من آيات الأحكام على معانيها؛ ولهذا آيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس، وأما آيات الأسماء والصفات فيشترك في فهمها الخاص والعام، أعني فهم أصل المعنى، لا فهم الكنه والكيفية)([31]).

وقال ابن عثيمين: (ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة. وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة. وقد دل على ذلك السمع والعقل. أما السمع: فمنه قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]، وقوله جل ذكره: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، والتدبر لا يكون إلا فيما يمكن الوصول إلى فهمه ليتذكر الإنسان بما فهمه منه. وكون القرآن عربيا ليعقله من يفهم العربية، يدل على أن معناه معلوم، وإلا لما كان فرق بين أن يكون باللغة العربية أو غيرها. وبيان النبي صلى الله عليه وسلم القرآن للناس شامل لبيان لفظه وبيان معناه. وأما العقل: فلأن من المحال أن ينزل الله تعالى كتابا، أو يتكلم رسوله صلى الله عليه وسلم بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا الكلام أن يكون هداية للخلق، ويبقى في أعظم الأمور وأشدها ضرورة مجهول المعني، بمنزلة الحروف الهجائية التي لا يفهم منها شيء، لأن ذلك من السفه الذي تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال الله تعالى عن كتابه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] ... وبهذا علم بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني نصوص الصفات، ويدعون أن هذا مذهب السلف. والسلف بريئون من هذا المذهب، وقد تواترت الأقوال عنهم بإثبات المعاني لهذه النصوص إجمالا أحيانا، وتفصيلا أحيانا، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله عز وجل)([32]).

والمراد بالتفويض عند أهل التفويض هو تفويض المعنى المراد من النص الموهم للتشبيه عندهم، فيثبتون الألفاظ من غير معرفة معناها، وهذا التفويض إنما يكون بعد التأويل الإجمالي، وهو: صرف اللفظ عن ظاهره.

قال اللقاني في منظومته المشهورة عند الأشاعرة:

وكُلُّ نَصٍّ أَوْهَمَ التَّشْبِيْهَا ... أَوِّلْهُ أَو فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيها([33]).

قال الصفاقسي الأشعري في شرح كلام اللقاني في نظمه المسمى جوهرة التوحيد: ((وكل نص) من كتاب أو سنة (أوهم) باعتبار ظاهر دلالته، أي: أوقع في الوهم (التشبيها) له تعالى بالحوادث، المستحيل على من ثبت مخالفته للحوادث في ذاته وفي صفاته، فيجب تنزيه الباري تعالى عن ذلك الظاهر المستحيل عقلا وشرعا، ولذا قال: (أوِّله) أي: اصرفه عن ظاهره وجوبا، ثم أنت مخير في: أن تؤوله بتأويل خاص يليق بالجناب الرفيع كتأويل اليد بالقدرة أو النعمة الذي هو معناها المجازي، في نحو قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وتأويل الوجه بالوجود والذات في نحو قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]، وتأويل العين في نحو قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] بالحفظ والرعاية؛ وكتأويل الاستواء في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] بالإستيلاء؛ فإن الاستواء لفظ له معنيان:

قريب: وهو الاستقرار، ويتعالى مولانا عنه. وبعيد: وهو الاستيلاء والقهر والغلبة، وهو المراد من الآية ونحوها؛ إذ هو اللائق بالمولى تعالى كما في قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق

فيكون من باب التورية، وهي من بديع البلاغة. هذا مذهب الخلف وهو أعلم وأحكم. (أو) أوله إجمالا لا تفصيلا، و(فوض) الأمر في المراد منها تفصيلا إلى الله العليم الحكيم. وهذا مذهب السلف، وهو أسلم لسلامته من التجاسر على تأويل المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله)([34])

وقال الباجوري: (قوله: (أوِّله) أي: احمله على خلاف ظاهره مع بيان المعنى المراد، فالمراد: أوله تأويلا تفصيليا بأن يكون فيه بيان المعنى المراد كما هو مذهب الخلف: وهم من كانوا بعد الخمسمائة، وقيل: من بعد القرون الثلاثة. وقوله: (أو فوِّض) أي: بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى على طريقة السلف: وهم من كانوا قبل الخمسمائة، وقيل: القرون الثلاثة: الصحابة، والتابعون، وأتباع التابعين، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، لما فيها من مزيد الإيضاح، والرد على الخصوم، وهي الأرجح، ولذلك قدمها المصنف، وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى. وقوله: (ورم تنزيها) أي: واقصد تنزيها له تعالى عما لا يليق به مع تفويض علم المعنى المراد، فظهر مما قررناه اتفاق السلف والخلف على التأويل الإجمالي؛ لأنهم يصرفون الموهم عن ظاهره المحال عليه تعالى، لكنهم اختلفوا بعد ذلك في تعيين المراد من ذلك النقص وعدم التعيين، بناء على الوقف على قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، فيكون معطوفا على لفظ الجلالة، وعلى هذا فنظم الآية هكذا: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]، وجملة {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ...} [آل عمران: 7] حينئذ مستأنفة لبيان سبب التماس التأويل، أو على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]، وعلى هذا فقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] الخ استئناف، وذكر مقابله في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] الخ أي كالمجسمة، فمنهم من قال: إنه على صورة شيخ كبير، ومنهم من قال: إنه على صورة شاب حسن([35]) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والحاصل أنه ورد في القرآن أو السنة ما يشعر بإثبات الجهة أو الجسمية أو الصورة أو الجوارح اتفق أهل الحق وغيرهم ما عدا المجسمة والمشبهة على تأويل ذلك لوجوب تنزيهه تعالى عما دل عليه ما ذكر بحسب ظاهره، فمما يوهم الجهة قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، فالسلف يقولون: فوقية لا نعلمها، والخلف يقولون: المراد بالفوقية التعالي في العظمة، فالمعنى يخافون أي: الملائكة ربهم من أجل تعاليه في العظمة أي: ارتفاعه فيها, ومنه قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فالسلف يقولون: استواء لا نعلمه، والخلف يقولون: المراد به الاستيلاء والملك)([36]).

ومذهب التفويض ليس مذهب طائفة معينة، وإنما هو قول في الصفات شاع في كثير من المتأخرين، وظنوه مذهب السلف الصالح، من غير أن ينتبهوا لما يترتب على القول به من التناقض والاضطراب، وإن كان بعضهم لا يلتزم التفويض في جميع نصوص الصفات، فنجد بعض الأشاعرة يرجح التفويض كأبي المعالي الجويني في آخر أمره، قال في كتابه النظامية، وهو من آخر كتبه: (قد اختلف مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها. فرأى بعضهم تأويلها، والتزم هذا المنهج في آي الكتاب، وما يصح من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم. وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى والذي نرتضيه رأيا، وندين الله به عقدا، اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع، وترك الابتداع. والدليل السمعي القاطع في ذلك؛ أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهومستند معظم الشريعة. وقد درج صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم، على ترك التعرض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها. فلوكان تأويل هذه الظواهر مسوغا ومحتوما، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة. وإذا انصرف عصرهم، وعصر التابعين رضي الله عنهم على الإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعا، وأنه الوجه المتبع، فحقت على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب تبارك وتعالى)([37])

ونجد بعض الحنابلة مفوضة كأبي يعلى الفراء، وابن الجوزي، ومرعي الحنبلي، وأكتفي هنا بنقل كلام للأخير، قال مرعي الحنبلي رحمه الله: (اعلم أن من المتشابهات آيات الصفات التي التأويل فيها بعيد فلا تؤول ولا تفسر، وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها ... ومن المتشابه الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، فأما السلف فإنهم لم يتكلموا في ذلك بشيء جريا على عادتهم في المتشابه من عدم الخوض فيه مع تفويض علمه إلى الله تعالى، والإيمان به)([38]).

وأختم هذا المبحث بكلام نفيس لابن تيمية يبين فيه حقيقة مذهب المفوضة، قال رحمه الله: (أهل التضليل والتجهيل حقيقة قولهم: إن الأنبياء جاهلون ضالون، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء! ثم هؤلاء منهم من يقول: المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم، ولا يعرف أحد من الأنبياء والملائكة والصحابة والعلماء ما أراد الله بها، كما لا يعلمون وقت الساعة. ومنهم من يقول: بل تجري على ظاهرها، وتحمل على ظاهرها، ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله! فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها، وقالوا ـ مع هذا ـ إنها تحمل علي ظاهرها، وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخه القاضي أبي يعلى في كتاب ذم التأويل)([39]).

 

 

المبحث الثالث: خطأ نسبة مذهب تفويض معاني الصفات إلى السلف الصالح

وقع كثير من العلماء المتأخرين في تأويل الصفات أو تجويز ذلك بسبب ظنهم أن مذهب السلف هو التفويض، وجوزوا في آيات وأحاديث الصفات تأويلها أو تفويضها، وقرروا أن المذهب الأشعري أو المذهب الماتريدي مذهب صحيح، وإن كان مخالفا لما كان عليه السلف الصالح.

قال محمد الأمين الشنقيطي: (غلط في هذا خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلا في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث، وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعا; لأن اعتقاد ظاهره كفر; لأن من شبه الخالق بالمخلوق فهو كافر، ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول: أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله، والقول فيه بما لا يليق به جل وعلا! والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] لم يبين حرفا واحدا من ذلك! مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد، ولا سيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين، حتى جاء هؤلاء فزعموا أن الله أطلق على نفسه الوصف بما ظاهره المتبادر منه لا يليق، والنبي صلى الله عليه وسلم كتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ عنه! وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم! ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال، ومن أعظم الافتراء على الله جل وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فظاهره المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان، هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث، فبمجرد إضافة الصفة إليه جل وعلا يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل: هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟! ومن يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله لأنه كفر وتشبيه إنما جر إليه ذلك ما في قلبه من التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله جل وعلا، وعدم الإيمان بها، مع أنه جل وعلا هو الذي وصف بها نفسه، فكان مشبها أولا، ومعطلا ثانيا، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداء وانتهاء، ولو كان قلبه عارفا بالله كما ينبغي، معظما لله كما ينبغي؛ لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه أن وصف الله جل وعلا بالغ من الكمال والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعدا للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فلو قال متنطع: بينوا لنا كيفية الاتصاف بصفة الاستواء واليد، ونحو ذلك لنعقلها، قلنا: أعرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة بتلك الصفات؟ فلا بد أن يقول: لا، فنقول: معرفة كيفية الاتصاف بالصفات متوقفة على معرفة كيفية الذات، فسبحان من لا يستطيع غيره أن يحصي الثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4]، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل: 74]. فتحصل من جميع هذا البحث أن الصفات من باب واحد، وأن الحق فيها متركب من أمرين:

الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الخلق.

والثاني: الإيمان بكل ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتا أو نفيا، وهذا هو معنى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، والسلف الصالح رضي الله عنهم ما كانوا يشكون في شيء من ذلك، ولا كان يشكل عليهم، ... وهذا الذي ذكرنا من تنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به، والإيمان بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، هو معنى قول الإمام مالك رحمه الله: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة)([40]).

وما أحسن ما ختم به الذهبي كتابه القيم (العلو للعلي الغفار): (قال القرطبي: الأكثر من المتقدمين والمتأخرين من المتكلمين يقولون: إذا وجب تنزيه الباري جل جلاله عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك تنزيه الباري عن الجهة، هذا قول المتكلمين، قلت: نعم، هذا ما اعتمده نفاة علو الرب عز وجل، وأعرضوا عن مقتضى الكتاب، والسنة، وأقوال السلف، وفِطر الخلائق، ويلزم ما ذكروه في حق الأجسام، والله تعالى لا مثل له، ولا نُسلِّم أن كون الباري على عرشه فوق السموات يلزم منه أنه في جهة؛ إذ ما دون العرش يقال فيه: حيز وجهات، وما فوقه فليس هو كذلك، والله فوق عرشه كما أجمع عليه الصدر الأول، ونقله عنهم الأئمة، وقالوا ذلك رادين على الجهمية القائلين بأنه في كل مكان، فهذان القولان هما اللذان كانا في زمن التابعين وتابعيهم، وهما قولان معقولان في الجملة، فأما القول الثالث المتولد أخيرا من أنه تعالى ليس في الأمكنة، ولا خارجا عنها، ولا فوق عرشه، ولا هو متصل بالخلق، ولا بمنفصل عنهم، ولا ذاته المقدسة متحيزة، ولا بائنة عن مخلوقاته، ولا في الجهات، ولا خارجا عن الجهات، فهذا شيء لا يُعقل ولا يُفهم، مع ما فيه من مخالفة الآيات والأخبار، ففر بدينك، وإياك وآراء المتكلمين، وآمن بالله وما جاء عن الله على مراد الله، وفوض أمرك إلى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)([41]).

وإن بعض الناس يُشكِل عليه كون كثير من العلماء المشهورين المتأخرين يؤولون بعض نصوص الصفات أو ينصرون مذهب التفويض، وهم معروفون في الأمة بالعلم والإمامة في الدين ونصرة السنة!

قال ابن تيمية: (لا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول، ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به، بل كل أحد من الناس يُؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتِّباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له، ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق، بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله، فيفعل المأمور ويترك المحظور)([42]).

وقد نقل ابن القيم الإجماع على عدم جواز التعصب لعالم بعينه، واتخاذ أقواله بمنزلة نصوص الشارع لا يلتفت إلى قول من سواه، بل ولا يلتفت إلى نصوص الشارع إلا إذا وافقت نصوص قوله، وذكر أن هذا التعصب لم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة([43]).

وقال ابن تيمية: (من أمكنه الهدى من غير انتساب إلى شيخ معين فلا حاجة به إلى ذلك، ولا يستحب له ذلك، بل يكره له، وأما إن كان لا يمكنه أن يعبد الله بما أمره إلا بذلك مثل أن يكون في مكان يضعف فيه الهدى والعلم والإيمان، والذين يعلمونه ويؤدبونه لا يبذلون له ذلك إلا بانتساب إلى شيخهم أو يكون انتسابه إلى شيخ يزيد في دينه وعلمه فإنه يفعل الأصلح لدينه، وهذا لا يكون في الغالب إلا لتفريطه، وإلا فلو طلب الهدى على وجهه لوجده، فأما الانتساب الذي يُفرِّق بين المسلمين، وفيه خروج عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة وسلوك طريق الابتداع ومفارقة السنة والاتباع، فهذا مما يُنهى عنه، ويأثم فاعله، ويخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)([44]).

وقد كان المذهب الأشعري غير مشهور في القرن الرابع والخامس والسادس الهجري، وإنما اشتهر بعد ذلك، يدل على ذلك قول ابن حزم المتوفى سنة 456 هجرية: (وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة، ثم قامت له سوق بصقلية والقيروان والأندلس، ثم رق أمرهم، والحمد لله رب العالمين)([45]).

وهذا ابن عساكر المتوفى سنة 571 هجرية، وهو من أشهر أعلام الأشاعرة الذين نصروا المذهب الأشعري، قال مبينا قلة الأشاعرة في زمنه: (فإن قيل: إن الجم الغفير في سائر الأزمان، وأكثر العامة في جميع البلدان لا يقتدون بالأشعري، ولا يقلدونه، ولا يرون مذهبه، ولا يعتقدونه، وهم السواد الأعظم، وسبيلهم السبيل الأقوم، قيل: لا عبرة بكثرة العوام، ولا التفات إلى الجهال الغتام، وإنما الاعتبار بأرباب العلم، والاقتداء بأصحاب البصيرة والفهم، وأولئك في أصحابه أكثر ممن سواهم، ولهم الفضل والتقدم على من عداهم)([46]).

وقد كان علماء أهل السنة يحذرون من علم الكلام وأهل الأهواء، ويبينون بطلان تأويل الصفات، وألفوا مؤلفات كثيرة في بيان مذهب السلف، لكن قل العلم، وكثر الجهل، وانتشرت البدع والأهواء، وحين أنشئت المدارس المشهورة في عهد السلاجقة والأيوبيين والمماليك كان يقوم على التدريس فيها علماء فضلاء، وكان بعضهم يدعون الناس إلى المذهب الأشعري أو الماتريدي، وألفوا كتبا كثيرة في تقرير التأويل أو التفويض، فقل الانتفاع بكتب أهل السنة التي فيها التحذير من علم الكلام وأهل البدع والأهواء، ولم تشتهر في ذلك الزمان عند جمهور الأمة كما اشتهرت كتب الأشاعرة والماتريدية، وربما كان بعض أهل العلم إذا اطلعوا على كتب أهل السنة ظنوا أنها تقرر مذهب السلف الذي هو التفويض في زعمهم، فقد أشهر الأشاعرة القول بأن هناك طريقتين في آيات وأحاديث الصفات، طريقة السلف وهي التفويض، وطريقة الخلف وهي التأويل([47])، وصار هذا القول مسلَّما به عند كثير من العلماء، مع أنه في الحقيقة يخالف ما كان عليه السلف الصالح من الإيمان بمعاني الصفات كما يليق بعظمة الله سبحانه، وإنما هم يفوضون كيفيات الصفات لا معانيها.

قال النووي: (اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين: أحدهما: وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها، بل يقولون: يجب علينا أن نؤمن بها، ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته، مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة، وعن سائر صفات المخلوق، وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين، واختاره جماعة من محققيهم، وهو أسلم، والقول الثاني: وهو مذهب معظم المتكلمين، أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها، وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله، بأن يكون عارفا بلسان العرب، وقواعد الأصول والفروع، ذا رياضة في العلم)([48])

وقال تاج الدين السبكي في ترجمة أبي المعالي الجويني: (للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات هل تمر على ظاهرها مع اعتقاد التنزيه أو تؤول؟ والقول بالإمرار مع اعتقاد التنزيه هو المعزو إلى السلف، وهو اختيار الإمام في الرسالة النظامية، وفي مواضع من كلامه، فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، ولا إنكار في هذا، ولا في مقابله، فإنها مسألة اجتهادية أعني مسألة التأويل أو التفويض مع اعتقاد التنزيه)([49]).

والقول بأن مذهب السلف هو عدم التكلم عن معاني الصفات، وتفويض معاني الصفات للجهل بها قول خاطئ، بل السلف كانوا يتكلمون عن معاني الصفات، ويفوضون كيفية الصفات لا معانيها، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا([50])، فمثلا صفة الاستواء تكلم السلف عن معناها، قال الإمام البخاري في صحيحه: (قال أبو العالية: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]: (ارتفع)، {فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29]: (خلقهن)، وقال مجاهد: {اسْتَوَى}: (علا على العرش)([51]).

وقال الإمام أبو عبد الله البخاري أيضا: (حذَّر يزيد بن هارون عن الجهمية وقال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي، وقال سليمان التيمي: لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله: وذلك لقوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] يعني إلا بما بيَّن)([52]).

ومشهورٌ قول الإمام مالك حين سئل عن الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة([53]).

قال ابن عبد البر: (هذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة، وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل {اسْتَوَى} استولى فلا معنى له؛ لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز؛ إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه، ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: استوى قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت، ... قال أبو عمر: الاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل)([54]).

وقال أبو بكر الكلاباذي: (أجمعوا على أن لله صفات على الحقيقة هو بها موصوف من العلم والقدرة والقوة والعز والحلم والحكمة والكبرياء والجبروت والقِدَم والحياة والإرادة والمشيئة والكلام، ... وأن له سمعا وبصرا ووجها ويدا على الحقيقة، ليس كالأسماع والأبصار والأيدي والوجوه، وأجمعوا أنها صفات لله، وليس بجوارح ولا أعضاء ولا أجزاء)([55])

وقال ابن القيم: (حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان عامة الأمة، كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فأطرق مالك حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ففرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر، وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات، فمن سأل عن قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] كيف يسمع ويرى؟ أجيب بهذا الجواب بعينه، فقيل له: السمع والبصر معلوم، والكيف غير معقول. وكذلك من سأل عن العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والنزول، والغضب، والرضا، والرحمة، والضحك، وغير ذلك، فمعانيها كلها مفهومة، وأما كيفيتها فغير معقولة؛ إذ تعقل الكيفية فرع العلم بكيفية الذات وكنهها. فإذا كان ذلك غير معقول للبشر، فكيف يعقل لهم كيفية الصفات؟ والعصمة النافعة في هذا الباب: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل تثبت له الأسماء والصفات، وتنفى عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزها عن التشبيه، ونفيك منزها عن التعطيل، فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل، ومن شبهه باستواء المخلوق على المخلوق فهو ممثل، ومن قال: استواء ليس كمثله شيء، فهو الموحد المنزِّه، وهكذا الكلام في السمع، والبصر، والحياة، والإرادة، والقدرة، واليد، والوجه، والرضا، والغضب، والنزول والضحك، وسائر ما وصف الله به نفسه)([56]).

ويجب التفريق بين متكلمي الأشاعرة والماتريدية كعبد القاهر البغدادي وأبي المعالي الجويني والبزدوي وأبي حامد الغزالي والنسفي والشهرستاني والفخر الرازي والآمدي والإيجي والتفتازاني ونحوهم عفا الله عنا وعنهم, وبين من تأثر بمذهب الأشاعرة والماتريدية من كبار علماء الأمة الأعلام كالنووي وابن حجر العسقلاني وغيرهما عن حسن نية واجتهاد أو متابعة خاطئة أو جهل بعلم الكلام أو ظنا أن مذهب السلف هو تفويض المعنى، وأن مذهب الخلف هو التأويل، وأن الأمر واسع لمن اختار أحد الطريقتين، وفاتهم معرفة أن منهج السلف الصالح في الصفات هو تفويض الكيف لا المعنى([57])، ولا شك أنهم في تأويلهم لبعض نصوص الصفات لا يقصدون إلا تنزيه الله سبحانه؛ لظنهم أن ظاهرها يحتاج إلى تأويل([58]).

ومما يبين أن السلف يؤمنون بمعاني الصفات ويعرفون معانيها: أنهم فسروا معاني أسماء الله الحسنى، وهي تتضمن صفات لله سبحانه([59]).

قال الزجاجي: (صفات الله عز وجل كلها ثناء عليه، ومدح له مدح بها نفسه، ونبه العباد عليها، وتعبدهم بوصفه بها؛ لأنه عز وجل ليس كمثله شيء، ولا يحتاج إلى الصفات إيضاحا كما يحتاج غيره، وبيانا له من غيره؛ لأنه ليس كمثله شيء، وإنما يمدح بصفاته ويثنى بها عليه، ولذلك قد بان بما وصفنا من شرح أسمائه أنها كلها صفات له، وثناء عليه)([60]).

 فمثلا الرحمن الرحيم يتضمنان صفة الرحمة، والعزيز يتضمن صفة العزة، والحكيم يتضمن صفة الحكمة، والسميع يتضمن صفة السمع، والبصير يتضمن صفة البصر، فكيف يقال: إن هذه الصفات الرحمة والعزة والحكمة والسمع والبصر لا يُعلم معناها؟! وكيف يخاطبنا الله تبارك وتعالى في كتابه بأعظم شيء وهو أسماؤه وصفاته بما لا نعلم معناه؟! وكل مسلم لو قيل له: إن الله يحب المحسنين، ويرضى عن المؤمنين، ويغضب على الكافرين، لفهم المعنى بلا إشكال، وكل عربي يعرف الفرق بين المحبة والرضا والغضب، فكيف يُقال: إن ما وصف الله به نفسه من المحبة والرضا والغضب لا نعرف معانيها، وأنه يجب تفويض معانيها؟! نعم يجب تفويض كيفيتها، أما معانيها فهي معلومة، ويجب الإيمان بأنها صفات لله على ظاهرها الذي يليق بجلال الله وعظمته.

فعجبا للمعطلة أهل التحريف الذين يؤول صفات الله التي تضمنتها أسماؤه الحسنى وللمفوضة أهل التجهيل الذين يزعمون أنهم لا يعرفون معانيها!

قال الأزهري الهروي: (السميع من صفات الله وأسمائه، وهو الذي وسع سمعه كل شيء، ... والعجب من قوم فسَّروا السميع بمعنى المسمِع، فرارا من وصف الله بأن له سمعا! وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه، فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه بالسميع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه، ونحن نصفه بما وصف به نفسه، بلا تحديد ولا تكييف)([61]).

ولو أن إنسانا أشكل عليه معنى بعض آيات وأحاديث الصفات ففوض معناها لجهله، من غير أن يلتزم تفويض معاني جميع نصوص الصفات الكثيرة؛ فلا حرج عليه، من غير أن ينسب هذا التفويض للمعاني للسلف الصالح كذبا أو خطأ عليهم، وكيف يصح أن يُنسب هذا الجهل بمعاني نصوص الصفات للنبي صلى الله عليه وسلم والله قد بين له كتابه؟!

وتأمل كلام القاضي عياض في إمرار نصوص الآخرة كما جاءت بلا تأويل، قال عياض: (ذكر مسلم فى هذا الموضع أحاديث كثيرة فى عذاب القبر، وإسماع صوت من يُعذَّب فيها، وسمع الموتى قرع نعال دافنيهم، وكلامه لأهل القليب، وقوله: ((ما أتتم بأسمع منهم))، وسؤال الملكين للميت وإقعادهما إياه، وجوابه لهما، والفسح له فى قبره، وعرض مقعده عليه بالغداة والعشي، ومذهب أهل السنة تصحيح هذه الأحاديث، وإمرارها على وجهها؛ لصحة طرقها، وقبول السلف لها)([62]).

وهذا نقل نفيس يبين معنى قول السلف في آيات وأحاديث الصفات: أمروها كما جاءت، وأن مرادهم الإيمان بمعانيها اللائقة بالله سبحانه من غير تأويل، وليس مرادهم تفويض معانيها كما يقوله أهل التجهيل.

ويوجد نقل آخر نفيس للقاضي عياض أيضا يفرق فيه بين مذهب السلف، ومذهب أهل التفويض، ومذهب المتأولين، وإن كان في نسبته أبا الحسن إلى التفويض نظر، لكنه يبين بطلان القول بأن مذهب السلف هو التفويض، قال عياض: (اختلف أئمتنا فيما ورد من ذكر اليد وشبه ذلك مما لا يليق ظاهره بالله تعالى، فكثير من السلف يرى إمرارها بتنزيه الله تعالى عن ظاهرها، وترك تأويلها، وذهب أبو الحسن الأشعري في طائفة من أصحابه إلى أنها صفات سمعية لم نعلمها إلا من جهة الشرع، نثبتها صفاتا، ولا نعلم حقيقتها وشرحها، وذهب غير واحد إلى تأويلها على مقتضى اللغة، فيحمل اليد بمعنى القدرة أو النعمة)([63])

والمقصود هنا بيان خطأ نسبة مذهب التفويض إلى السلف الصالح، وأن القول بأن مذهب السلف هو التفويض كان سببا في تفضيل بعض العلماء لمذهب الأشاعرة أو على الأقل رضاهم عنهم في خوضهم في صفات الله بالتأويل؛ لأن في التأويل لنصوص الصفات زيادة علم وفضل على المفوضة الساكتين عنها، المعترفين بجهلهم بمعانيها، الذين حالهم كحال الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ومعاذ الله أن يكون هذا حال السلف، وبهذا يتبين بطلان قول من قال: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم وأعلم([64])! بل مذهب السلف أحكم وأعلم وأسلم.

 

 

المبحث الرابع: بيان بطلان مذهب أهل التفويض

بسبب علم الكلام المحدث الذي نهى عنه علماء الإسلام ضل كثير من المسلمين بمتابعة الجهمية والفلاسفة والمعتزلة فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة لا سيما في مسائل أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، التي تضمنها كتاب الله وسنة رسوله في آيات وأحاديث كثيرة، تبين لنا عظمة الله سبحانه.

وإن منشأ الضلال في باب الأسماء والصفات الظن بأن جميع آيات وأحاديث الصفات من المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويلها، وأنه لا يُفهم معناها، مع أنه لا يُعلم عن أحد من أئمة السلف جعل أسماء الله وصفاته من المتشابه، ولا أحد من العلماء المتقدمين جعل آيات وأحاديث الصفات كالكلام الأعجمي، وكالحروف المقطعة في أوائل السور، بل نصوصهم صريحة في أنهم يمرون آيات وأحاديث الصفات على ما دلت عليه من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ويفهمون المراد منها، وينكرون تأويلات الجهمية والمعطلة ويبطلونها([65])

وقد ذكر شيخ المفسرين الإمام محمد بن جرير الطبري في تفسير الآيات المتشابهات خمسة أقوال للسلف، ليس منها قول بأنها آيات الصفات، قال رحمه الله: (وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] وما المحكم من آي الكتاب؟ وما المتشابه منه؟ فقال بعضهم: المحكمات من آي القرآن: المعمول بهن، وهن الناسخات، أو المثبتات الأحكام؛ والمتشابهات من آيه المتروك العمل بهن، المنسوخات ... وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما أحكم الله فيه بيان حلاله وحرامه؛ والمتشابه منها: ما أشبه بعضه بعضا في المعاني وإن اختلفت ألفاظه ... وقال آخرون: المحكمات من آي الكتاب: ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد؛ والمتشابه منه: ما احتمل من التأويل أوجها ... وقال آخرون: معنى المحكم: ما أحكم الله فيه من آي القرآن وقصص الأمم ورسلهم الذين أرسلوا إليهم، ففصله ببيان ذلك لمحمد وأمته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور فقصة باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وقصة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني ... وقال آخرون: بل المحكم من آي القرآن: ما عرف العلماء تأويله، وفهموا معناه وتفسيره؛ والمتشابه: ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه، وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وفناء الدنيا، وما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يعلمه أحد، وقالوا: إنما سمى الله من آي الكتاب المتشابه الحروف المقطعة التي في أوائل بعض سور القران من نحو {الم، والمص، والمر، والر}، وما أشبه ذلك ...)، ثم رجح ابن جرير هذا القول الأخير وقال: (جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما أنزله عليه بيانا له ولأمته وهدى للعالمين، وغير جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجة، ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل، فإذا كان ذلك كذلك، فكل ما فيه لخلقه إليه الحاجة وإن كان في بعضه ما بهم عن بعض معانيه الغنى، وإن اضطرته الحاجة إليه في معان كثيرة، وذلك كقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه عباده أنها إذا جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك، هي طلوع الشمس من مغربها، فالذي كانت بالعباد إليه الحاجة من علم ذلك هو العلم منهم بوقت نفع التوبة بصفته بغير تحديده بعد بالسنين والشهور والأيام، فقد بين الله ذلك لهم بدلالة الكتاب، وأوضحه لهم على لسان رسول صلى الله عليه وسلم مفسرا، والذي لا حاجة لهم إلى علمه منه هو العلم بمقدار المدة التي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية، فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا، وذلك هو العلم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خلقه، فحجبه عنهم،  وذلك وما أشبهه هو المعنى الذي طلبت اليهود معرفته في مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل قوله: «الم، والمص، والر، والمر» ونحو ذلك من الحروف المقطعة المتشابهات التي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله، وأنه لا يعلم تأويله إلا الله. فإذا كان المتشابه هو ما وصفنا، فكل ما عداه فمحكم؛ لأنه لن يخلو من أن يكون محكما بأنه بمعنى واحد لا تأويل له غير تأويل واحد، وقد استغنى بسماعه عن بيان يبينه، أو يكون محكما، وإن كان ذا وجوه وتأويلات وتصرف في معان كثيرة، فالدلالة على المعنى المراد منه إما من بيان الله تعالى ذكره عنه أو بيان رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته، ولن يذهب علم ذلك عن علماء الأمة لما قد بينا)([66]).

ولابن قتيبة كلام نفيس يتعلق بآيات الصفات يحسن الاطلاع عليه، ومما قال فيه: (لسنا ممن يزعم أن المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم، وهذا غلط من متأوليه على اللغة والمعنى، ولم ينزل الله شيئا من القرآن إلا لينفع به عباده، ويدل به على معنى أراده، فلو كان المتشابه لا يعلمه غيره للزمنا للطاعن مقال، وتعلق علينا بعلة، وهل يجوز لأحد أن يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف المتشابه؟! وإذا جاز أن يعرفه مع قول الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته، فقد دعا لابن عباس فقال: ((اللهم علِّمه التأويل، وفقهه في الدين)) ... عن ابن عباس أنه قال: (كل القرآن أعلم إلا أربعا: غسلين، وحنانا، والأواه، والرقيم)، وكان هذا من قول ابن عباس في وقت، ثم علم ذلك بعد ... ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين، بل على جهلة المسلمين؛ لأنهم جميعا يقولون: آمنا به كل من عند ربنا. وبعد: فإنا لم نر المفسرين توقفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمروه كله على التفسير، حتى فسروا الحروف المقطعة في أوائل السور، مثل: الر، وحم، وطه، وأشباه ذلك. باب القول في المجاز، وأما المجاز فمن جهته غلط كثير من الناس في التأويل، وتشعبت بهم الطرق ... وذهب قوم في قول الله وكلامه: إلى أنه ليس قولا ولا كلاما على الحقيقة، وإنما هو إيجاد للمعاني، وصرفوه في كثير من القرآن إلى المجاز ... قالوا: ونحو هذا قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30]، وليس يومئذ قول منه لجهنم، ولا قول من جهنم، وإنما هي عبارة عن سعتها ... وقد تبين لمن قد عرف اللغة أن القول يقع فيه المجاز)([67])، إلى آخر كلامه النافع، ويُستفاد من بقية كلام ابن قتيبة أنه يُعلم المراد من الآيات من السياق، ويُعلم إرادة الحقيقة أو المجاز بالقرائن، وإن خالف بعض العلماء في وقوع المجاز في القرآن، وأنه من الأساليب العربية المعروفة، ولا مشاحاة في الاصطلاح.

وما ذكره ابن قتيبة في تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] هو أحد القولين في معنى الآية، قال ابن كثير في تفسيره: (قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] اختلف القراء في الوقف هاهنا، فقيل: على الجلالة، كما قال ابن عباس: التفسير على أربعة أنحاء: فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل. ويروى هذا القول عن عائشة، وعروة، وأبي الشعثاء، وأبي نهيك، وغيرهم ... وروى ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس: أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله. واختار ابن جرير هذا القول. ومنهم من يقف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7] وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول، وقالوا: الخطاب بما لا يفهم بعيد، وقد روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به. وكذا قال الربيع بن أنس. ومن العلماء من فصل في هذا المقام فقال: التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان، أحدهما: التأويل بمعنى حقيقة الشيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} [الأعراف: 53] أي: حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة؛ لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل، ويكون قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} مبتدأ و {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} خبره. وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر، وهو التفسير والتعبير والبيان عن الشيء كقوله تعالى: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} [يوسف: 36] أي: بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى، فالوقف على: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}؛ لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} حالا منهم، وقوله إخبارا عنهم أنهم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} أي: بالمتشابه {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} أي: الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له؛ لأن الجميع من عند الله، وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد؛ لقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]؛ ولهذا قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] أي: إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة، والفهوم المستقيمة)([68]).

ومسلك التفويض مبني على قاعدتين:

القاعدة الأولى: دعوى أن الاتفاق حاصل على عدم إرادة الظاهر، إذ الظاهر يوهم التشبيه!

القاعدة الثانية: أن آية آل عمران دالة على صحة تفويض المعنى المراد من نصوص الصفات.

والإجابة عن القاعدة الأولى من وجهين:

الوجه الأول: لا نسلم أن ظاهر آيات وأحاديث الصفات يفيد التشبيه، بل هي تدل على إثبات الصفات على الوجه اللائق بالله تعالى، ويتبين ذلك بالآتي:

الأمر الأول: إن الأشاعرة قد سلموا أن الله تعالى حي بحياة، وعليم بعلم، وقدير بقدرة ... إلى آخر صفات المعاني السبع، ويثبتون ظاهرها على ما يليق بالله تعالى، فيلزمهم كذلك إثبات بقية الصفات كالاستواء والعلو والوجه واليدين والغضب وغيرها كما يليق بالله سبحانه.

الأمر الثاني: القول بأن نصوص الصفات ظاهرها غير مراد يلزم منه لوازم باطلة، منها:

1- أن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قد تكلما بالباطل فيما يتعلق بصفات الله سبحانه!

2- أن قائل هذه المقالة قد مثل أولاً، إذ هو قد اعتقد أن ظاهر نصوص الصفات التمثيل والتشبيه، ثم عمد إلى النص فعطله عن دلالته على الحق، وعطل الصفة الثابتة في نفس الأمر لله تعالى([69]).

الأمر الثالث: القول بتفويض المعنى ثم الزعم بأن ظاهر النصوص غير مراد تناقض واضح، فلا يعقل الادعاء بأن المعنى لا يعلمه إلا الله مع الزعم بأن الظاهر غير مراد؛ إذ الذي لا يعلمه إلا الله لا يكون ظاهراً لنا.

الأمر الرابع: ثبت عن أئمة السلف أنهم قالوا عن نصوص الصفات: أمروها كما جاءت، وصرحوا بأن ظواهر نصوص الصفات مرادة يجب الإيمان بها مع عدم إدراك كيفيتها، وهذا يتعارض مع زعم الأشاعرة بأن ظاهرها غير مراد، وسيأتي ذكر بعض النقول الواضحة عن السلف التي تبين بطلان نسبة التفويض إليهم.

ومراد السلف بقولهم عن نصوص الصفات: (أمروها كما جاءت بلا تفسير) أحد معنيين:

المعنى الأول: أمروها بلا تفسير مبتدع, كما يفسرها الجهمية والمعتزلة ومن تأثر بهم كالأشاعرة.

المعنى الثاني: أمروها بلا تفسير للكيفية، فمعاني الصفات معلومة لنا، وكيفيتها مجهولة لنا([70]).

والإجابة عن القاعدة الثانية بما يلي:

لا يصح استدلالهم على التفويض بقوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، ويتضح ذلك بما يلي:

1- إن المراد بالتأويل على قراءة الوقف: معرفة الحقيقة التي يؤول إليها الخبر، إذ الوقف التام يفيد أن ذلك مما لا يعلمه إلا الله؛ لأن حقائق الصفات وكيفيتها مما لا يظهر للخلق،  أما على قول الأشاعرة فلا تظهر فائدة من الوقف، إذ هم زعموا أن لها ظاهرا يعلمه البشر ولكنه غير مراد، وإنما المراد شيء آخر، فخاضوا في تعيينه بالظن رجما بالغيب، وهذا ينافي التسليم التام الذي وصف الله به المؤمنين في الآية نفسها وهو قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].

2- لو سلم لهم قولهم هذا للزم طرده في كل نصوص الصفات الدالة على صفات المعاني كصفة الحياة والإرادة والقدرة والعلم؛ إذ لا موجب للتفريق إلا التحكم، فما كان جوابا لهم عن نصوص صفات المعاني فليجيبوا به عن نصوص بقية الصفات.

3- القول بأن التأويل هنا المراد به حقائق الأشياء قول لا يعارض قول من لم ير الوقف على اسم الجلالة؛ إذ التأويل يكون على الثاني بمعنى التفسير الذي هو شرح الكلمات والألفاظ، ومن المعلوم أن الشيء قد يعلم معناه العام ولكن لا تعلم حقيقته وكنهه كما في نعيم الجنة، فالجمع بين أقوال السلف في معنى الآية أقوى من القول بتعارضها.

4- إن الأشاعرة لهم مذهبان: ويدعون صحتهما – وهما التأويل والتفويض – فلو كانت الآية دالة على تفويض المعنى والكيفية مطلقا لما كان هناك حاجة للقول بالتأويل، والعجب أن الأشاعرة قد احتجوا بالآية نفسها على جواز التأويل باعتبار قراءة الوصل، فلو أرادوا الجمع الصحيح كان عليهم أن يقولوا: إن لها معاني صحيحة إلا أن حقائقها غير معلومة لنا، أما القول بأن لها معنى, أو لبعضها معنى, ثم الزعم بأنه لا يعرف لها معنى تناقض واضح([71]).

وهذه نقول مهمة جدا عن ابن تيمية في هذه المسألة:

قال ابن تيمية: (أما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم فإنهم وإن أصابوا في كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم فالكلام على هذا من وجهين: الأول: من قال: إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه فنقول: أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يُفهم، ولا قالوا: إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تمر كما جاءت، ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها، التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية، ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك، وأحمد قد قال في غير أحاديث الصفات: تمر كما جاءت، وفي أحاديث الوعيد مثل قوله: ((من غشنا فليس منا))، وأحاديث الفضائل، ومقصوده بذلك أن الحديث لا يحرف كلمه عن مواضعه كما يفعله من يحرفه، ويسمى تحريفه تأويلا بالعرف المتأخر، فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة تحريف باطل، وكذلك نص أحمد في كتاب الرد على الزنادقة والجهمية أنهم تمسكوا بمتشابه القرآن، وتكلم أحمد على ذلك المتشابه، وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية، وجرى في ذلك على سنن الأئمة قبله، فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه، وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره، بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد في أسماء الله وآياته. ومما يوضح لك ما وقع هنا من الاضطراب أن أهل السنة متفقون على إبطال تأويلات الجهمية ونحوهم من المنحرفين الملحدين والتأويل المردود هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره، فلو قيل: إن هذا هو التأويل المذكور في الآية، وأنه لا يعلمه إلا الله لكان في هذا تسليم للجهمية أن للآية تأويلا يخالف دلالتها، لكن ذلك لا يعلمه إلا الله، وليس هذا مذهب السلف والأئمة، وإنما مذهبهم نفي هذه التأويلات وردها؛ لا التوقف فيها، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها، وتمر كما جاءت دالة على المعاني، لا تحرف، ولا يلحد فيها)([72]).

وقال ابن تيمية: (قول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه - على ما يليق بالله - لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف؛ فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم. وأيضا: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات. وأيضا: فإن من ينفي الصفات الخبرية - أو الصفات مطلقا - لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف. وأيضا: فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول)([73]).

وقال ابن تيمية: (قول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وكذلك ربيعة قبله، وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس في أهل السنة من ينكره، وقد بين أن الاستواء معلوم كما أن سائر ما أخبر به معلوم، ولكن الكيفية لا تعلم، ولا يجوز السؤال عنها، لا يقال: كيف استوى؟ ... فإن قيل: معنى قوله: الاستواء معلوم أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه. قيل: هذا ضعيف؛ فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن، وقد تلا الآية. وأيضا فلم يقل: ذكر الاستواء في القرآن ولا إخبار الله بالاستواء، وإنما قال: الاستواء معلوم، فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم، لم يخبر عن الجملة. وأيضا فإنه قال: والكيف مجهول، ولو أراد ذلك لقال: معنى الاستواء مجهول أو تفسير الاستواء مجهول أو بيان الاستواء غير معلوم، فلم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء، وهذا شأن جميع ما وصف الله به نفسه، لو قال في قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] كيف يسمع؟ وكيف يرى؟ لقلنا: السمع والرؤيا معلوم، والكيف مجهول، ولو قال: كيف كلم موسى تكليما؟ لقلنا: التكليم معلوم، والكيف غير معلوم)([74]).

وقال ابن تيمية: (غاية ما ينتهي إليه هؤلاء المعارضون لكلام الله ورسوله بآرائهم، من المشهورين بالإسلام، هو التأويل أو التفويض، ... والتأويل المقبول: هو ما دل على مراد المتكلم، والتأويلات التي يذكرونها لا يعلم أن الرسول أرادها، بل يعلم بالاضطرار في عامة النصوص أن المراد منها نقيض ما قاله الرسول، ... وحينئذ فالمتأول إن لم يكن مقصوده معرفة مراد المتكلم كان تأويله للفظ بما يحتمله من حيث الجملة في كلام من تكلم بمثله من العرب هو من باب التحريف والإلحاد، لا من باب التفسير وبيان المراد.

وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟! وأيضا، فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا، وإخراجنا من الظلمات إلي النور، إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر، ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه، أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك، فعلى التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق، ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر. وحقيقة قول هؤلاء في المخاطب لنا: أنه لم يبين الحق، ولا أوضحه، مع أمره لنا أن نعتقده، وأن ما خاطبنا به وأمرنا باتباعه والرد إليه لم يبين به الحق ولا كشفه، بل دل ظاهره على الكفر والباطل، وأراد منا أن نفهم منه شيئا، أو أن نفهم منه ما لا دليل عليه فيه. وهذا كله مما يعلم بالاضطرار تنزيه الله ورسوله عنه، وأنه من جنس أقوال أهل التحريف والإلحاد)([75]).

وقال ابن تيمية مبينا خطورة مذهب التفويض: (فيبقى هذا الكلام سدا لباب الهدي والبيان من جهة الأنبياء، وفتحا لباب من يعارضهم ويقول: إن الهدي والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون: فضلا عن أن يبينوا مرادهم! فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد)([76]).

وقال ابن تيمية أيضا: (أهل التجهيل يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات، ولا جبريل يعرف معاني الآيات، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك! وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء! فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه!)([77]).

وقال ابن القيم: (أصحاب التجهيل قالوا: نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها، ولكن نقرأها ألفاظا لا معاني لها، ونعلم أن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله، وهي عندنا بمنزلة: {كهيعص} [مريم: 1] و {حم عسق} [الشورى: 1، 2] و {المص} [الأعراف: 1]، ... وظن هؤلاء أن هذه طريقة السلف، وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات، ولا يفهمون معنى قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67]، وقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وأمثال ذلك من نصوص الصفات، وبنوا هذا المذهب على أصلين: أحدهما: أن هذه النصوص من المتشابه، والثاني: أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله، فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ... ولازم قولهم إن الرسول كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه! ثم تناقضوا أقبح تناقض فقالوا: تجري على ظواهرها، وتأويلها مما يخالف الظواهر باطل، ومع ذلك فلها تأويل لا يعمله إلا الله! فكيف يثبتون لها تأويلا، ويقولون: تجر على ظواهرها، ويقولون: الظاهر منها غير مراد، والرب منفرد بعلم تأويلها؟! وهل في التناقض أقبح من هذا؟! وهؤلاء غلطوا في المتشابه، وفي جعل هذه النصوص من المتشابه، وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، فأخطأوا في المقدمات الثلاث، ... فهؤلاء تركوا التدبر المأمور به، والتذكر والتعقل لمعاني النصوص الذي هو أساس الإيمان وعمود اليقين، وأعرضوا عنه بقلوبهم، وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك، وظنوا أنها أنزلت للتلاوة والتعبد بها دون تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها!)([78]).

ومما يبين بطلان مذهب التفويض: أننا نؤمن بالروح الذي أخبرنا الله أنه استأثر بعلمه، ونؤمن بما أعد الله لأهل الجنة من النعيم الذي لا يخطر على قلب بشر، ونؤمن بما أعد لأهل النار من العذاب الأليم الذي منه الزقوم والغسلين والسلاسل والأغلال التي لم نر مثلها، ونحن نعلم معنى الروح والنعيم والعذاب، ونفهم ما أخبرنا الله به من تفاصيل النعيم والعذاب، لكن لا نعلم كيفيتها مع كونها مخلوقة، ولله الأمثل الأعلى، فنحن نعلم معاني ما أخبرنا الله به عن نفسه من صفاته العظيمة، ولا نعلم كيفيتها، فالتفويض يكون للكيفية لا للمعنى حتى للمخلوقات التي لا ندركها بحواسنا، ومن باب أولى أننا نفوض كيفية صفات الخالق مع علمنا بمعاني ما أخبرنا به من أسمائه وصفاته، وهذا هو مذهب السلف، وهو الحق الذي يجب على كل مسلم اعتقاده في آيات وأحاديث الصفات.

فالواجب في النصوص التي فيها ذكر الروح والنعيم في الجنة والبرزخ والعذاب في جهنم والبرزخ نمرها كما جاءت بلا تأويل، ويجب أن نؤمن بمعانيها، ولا يجوز أن نفوض معانيها، بل نفوض كيفياتها، وهكذا نصوص الصفات نمرها كما جاءت بلا تأويل لها.

ونحن نعذر العلماء المعروفين بتعظيم الشريعة، والتمسك بالكتاب والسنة، وإن وقع منهم تأول لبعض نصوص الصفات، فهم لم يقصدوا بتأويلها إلا تنزيه الله سبحانه؛ لظنهم أن ظاهرها يحتاج إلى تأويل، قال ابن تيمية: (المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر، بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع، الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة، كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ... وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين، فيكونون من المؤمنين، فيستغفر لهم ويترحم عليهم. وإذا قال المؤمن: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة، أو أذنب ذنبا، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، فيدخل في العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا، بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد، كما يستحقه عصاة المؤمنين. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجهم من الإسلام، بل جعلهم من أمته، ولم يقل: إنهم يخلدون في النار، فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته; فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة)([79]).

وقال ابن عثيمين: (أما موقفنا من العلماء المؤولين فنقول: من عرف منهم بحسن النية، وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة؛ فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر من غير تكييف، ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادرا عن اجتهاد وحسن قصد لا يذم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) متفق عليه، وأما وصفه بالضلال فإن أريد بالضلال الضلال المطلق الذي يُذم به الموصوف، ويُمقت عليه، فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد الذي عُلِم منه حسن النية، وكان له قدم صدق في الدين واتباع السنة، وإن أُرِيد بالضلال مخالفة قوله للصواب من غير إشعار بذم القائل فلا بأس بذلك؛ لأن مثل هذا ليس ضلالا مطلقا؛ لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال حيث كان خلاف الحق، وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان)([80]).

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

وبعد أنْ يسَّر الله - بعونه وفضله - إتمام هذا البحث الذي بيَّنتُ فيه بطلان التفويض لمعاني الصفات، ومخالفة هذا المذهب للسنة والكتاب، ولِما كان عليه الأصحاب، أذكر في الخاتمة أهم نتائج البحث:   

أهم نتائج البحث:

  1. من أعظم ما يجب تدبره ومعرفة معانيه: الآيات والأحاديث الصحيحة التي فيها أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، فيجب معرفة معانيها؛ لأنها تدل على عظمة الله سبحانه.
  2. مذهب السلف الصالح الإيمان بصفات الله سبحانه الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل، ومن مذهبهم تفويض كيفية الصفات، وليس تفويض معاني الصفات.
  3. تفويض معاني الصفات مذهب باطل، ويلزم منه محذورات كثيرة، وإشكالات عديدة، منها أن يكون الله سبحانه أخبرنا عن نفسه بما لا نفهم معناه، وقد أخطأ من نسب تفويض معاني الصفات إلى السلف الصالح.
  4. من أسباب وقوع كثير من العلماء المتأخرين في تأويل الصفات، واتباعهم طريقة الأشاعرة أو الماتريدية: ظنهم أن التفويض هو مذهب السلف، وأنه أسلم، وأن التأويل أكثر علما، وأكثر تحقيقا، فأجازوا التأويل، ووقعوا في مخالفة السلف الصالح. 

التوصيات:

أوصي نفسي ومن يقرأ كلامي من العلماء وطلاب العلم والدعاة بالاعتناء بعلم العقيدة التي تبين ما كان عليه السلف الصالح، تحقيقا وتعليما، لا سيما توحيد الأسماء و الصفات، فقد كثر الخطأ في هذا الباب، حتى في كتب تفسير القرآن العظيم وشروح الحديث النبوي، والله الموفق.

انتهى البحث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

فهرس المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم.
  2.  الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء دراسة تحليلية، البدر، عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد، المدينة النبوية، مجلة الجامعة الإسلامية، السنة الثالثة والثلاثون، العدد الحادي عشر بعد المائة، 1421هـ.
  3. الأربعون في دلائل التوحيد، الهروي، أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، ط1، المدينة النبوية، 1404هـ. (د. ن)
  4. الأشاعرة في ميزان أهل السنة، الجاسم، فيصل بن قزار، ط1، الكويت، المبرة الخيرية لعلوم القرآن والسنة، 1428هـ.
  5. اشتقاق أسماء الله، الزجاجي، عبد الرحمن بن إسحاق، تحقيق: عبد الحسين المبارك، ط2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ.
  6. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار، بيروت، دار الفكر، 1415 هــ. (د. ط)
  7. إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، ط1، الرياض، دار ابن الجوزي، 1423 هــ.
  8. أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات، الكرمي، مرعي بن يوسف الحنبلي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1406هـ.
  9. إكمال المعلم بفوائد مسلم، اليحصبي، عياض بن موسى السبتي، تحقيق: يحيى إسماعيل، ط1، مصر، دار الوفاء، 1419هـ.
  10. الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، الطوفي، سليمان بن عبد القوي، تحقيق: سالم بن محمد القرني، ط1، الرياض، مكتبة العبيكان، 1419هـ.
  11. إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد، ابن الوزير، محمد بن إبراهيم الحسني اليمني ط2، بيروت، دار الكتب العلمية، 1987 م.  
  12. بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، ط1، الرياض، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1426 هــ.
  13.  تأويل مشكل القرآن، الدينوري، عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، (د. ط) (د. ت)
  14. تبرئة السلف من تفويض الخلف، اللحيدان، محمد بن إبراهيم، ط1، الرياض، مكتبة دار الحميضي، 1413 هــ.
  15. التبصير في معالم الدين، الطبري، محمد بن جرير، علي بن عبد العزيز الشبل، ط1، الرياض، دار العاصمة، 1416 هــ.
  16. تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري، ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي، ط3، بيروت، دار الكتاب العربي، 1404 هــ.
  17. التحرير والتنوير، ابن عاشور، محمد الطاهر، تونس، الدار التونسية للنشر، 1984م. (د. ط)
  18. تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، ط2، بيروت، دار الكتب العلمية. (د. ط) (د. ت)
  19. تحفة المريد على جوهرة التوحيد، الباجوري، إبراهيم بن محمد الشافعي، تحقيق: علي جمعة محمد الشافعي، ط1، القاهرة، دار السلام، 1422 هــ.
  20. التدمرية تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، تحقيق: محمد بن عودة السعوي، ط6، الرياض، مكتبة العبيكان، 1421 هــ.
  21. التعرف لمذهب أهل التصوف، الكلاباذي، محمد بن أبي إسحاق الحنفي، بيروت، دار الكتب العلمية. (د. ط) (د. ت)
  22. تعقيب على مقالات الصابوني، الحوالي، سفر بن عبد الرحمن، ط1، الكويت، الدار السلفية، 1407 هــ.
  23. تفسير أسماء الله الحسنى، الزجاج، أبو إسحاق إبراهيم بن السري، ط1، دار الثقافة العربية، (د. ت).
  24. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر، تحقيق: سامي سلامة، ط2، الرياض، دار طيبة، 1420 هــ.
  25. تفسير القرآن، السمعاني، أبو المظفر، منصور بن محمد، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس، ط1، الرياض، دار الوطن، 1418 هــ.
  26. التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، الفخر الرازي، محمد بن عمر، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420 هــ.
  27. تفسير المنار، رشيد رضا، محمد رشيد بن علي، ط1، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م.
  28. تقريب البعيد إلى جوهر التوحيد، الصفاقسي، علي بن محمد النوري، تحقيق: الحبيب بن طاهر، ط1، بيروت، مؤسسة المعارف، 1429 هـ.
  29. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، النمري، يوسف بن عبد البر، تحقيق: مصطفى العلوي, محمد عبد الكبير، ط1، المغرب، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387 هـ.
  30. تهذيب اللغة، الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد الهروي، تحقيق: محمد مرعب، ط1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2001م.
  31. التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد، ابن منده، محمد بن إسحاق، ط1، المدينة النبوية، مكتبة العلوم والحكم، 1423 هــ.
  32. التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، عبد الرؤوف بن تاج العارفين، ط1، القاهرة، عالم الكتب، 1410 هــ.
  33. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1420 هــ.
  34. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الطبري، محمد بن جرير، تحقيق: عبد الله التركي، ط1، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع، 1422 هـ.
  35. جامع الرسائل، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، ط1، الرياض، دار العطاء، 1422 هــ. 
  36. جامع بيان العلم وفضله، النمري، يوسف بن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، ط1، الرياض، دار ابن الجوزي، 1424 هـ.
  37. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، ط2، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1384 هـ. 
  38. جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات، النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، تحقيق: أحمد بن على الدمياطي، ط1، القاهرة، مكتبة الأنصار. (د. ت)
  39. الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، قوام السنة الأصبهاني، أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي المدخلي، ط2، الرياض، دار الراية، 1419 هــ.
  40. خلق أفعال العباد، البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الرياض، دار المعارف. (د. ط) (د. ت)
  41. درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط2، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1411 هــ.
  42. ذم التأويل، ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي، تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، ط1، الكويت، الدار السلفية، 1406 هـ.
  43. الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات، آل سلمان، مشهور بن حسن، ط1، الرياض، دار الهجرة، 1413 هـ.
  44. الرسالة الوافية، الداني، أبو عمرو عثمان بن سعيد، تحقيق: دغش بن شبيب، ط1، الكويت، دار الإمام أحمد، 1421 هـ.
  45. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415 هـ.
  46. سنن ابن ماجه، القزويني، محمد بن يزيد، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية. (د. ط) (د. ت)
  47. سنن أبي داود، السجستاني، سليمان بن الأشعث، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، صيدا، المكتبة العصرية. (د. ط) (د. ت)
  48. سنن الترمذي، الترمذي، محمد بن عيسى، ط2، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، 1395 هـ.
  49. شأن الدعاء، الخطابي، أبو سليمان حمد بن محمد البستي، ط1، دار الثقافة العربية، 1404 هــ.
  50. شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، اللالكائي، أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الرازي، ط8، تحقيق: أحمد بن سعد الغامدي، الرياض، دار طيبة، 1423 هــ.
  51. شرح السنة، البغوي، محيي السنة الحسين بن مسعود، ط2، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش، دمشق، المكتب الإسلامي، 1403 هــ.
  52. شرح العقيدة السفارينية، ابن عثيمين، محمد بن صالح، ط1، الرياض، دار الوطن، 1426هــ.
  53. صحيح البخاري، البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، ط1، بيروت، دار طوق النجاة، 1422هـ.
  54. صحيح مسلم، مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي. (د. ط) (د. ت)
  55. الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، ابن القيم، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق: علي بن محمد الدخيل الله، ط1، الرياض، دار العاصمة، 1408 هــ.
  56. طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، ط2، القاهرة، هجر، 1413 هــ.
  57. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، النسفي، نجم الدين عمر بن محمد، بغداد، المطبعة العامرة، مكتبة المثنى، 1311 هــ. (د. ط)
  58. العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية، الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف إمام الحرمين، تحقيق: محمد الزبيدي، بيروت، دار سبيل الرشاد. (د. ط) (د. ت)
  59. العلو للعلي الغفار، الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، تحقيق: أشرف بن عبد المقصود، ط1، الرياض، مكتبة أضواء السلف، 1416 هــ.
  60. فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، ط1، الرياض، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، (د. ط)
  61. فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد البغدادي، ثم الدمشقي، ط1، المدينة النبوية، مكتبة الغرباء الأثرية، 1417 هــ.
  62. فتح رب البرية بتلخيص الحموية، ابن عثيمين، محمد بن صالح، ط1، الرياض، دار الوطن للنشر، د.ت.
  63. الفتوى الحموية الكبرى، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، تحقيق: حمد بن عبد المحسن التويجري، ط2، الرياض، دار الصميعي، 1425 هــ. 
  64. الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم، علي بن أحمد الأندلسي، القاهرة، مكتبة الخانجي. (د. ط) (د. ت)
  65. قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، القنوجي، محمد صديق خان، ط1، الرياض، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1421هــ.
  66. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، ابن عثيمين، محمد بن صالح، ط3، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، 1421هــ.
  67. الكليات، الكفوي، أيوب بن موسى الحسيني، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، بيروت، مؤسسة الرسالة. (د. ط) (د. ت)
  68. اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، عمر بن علي بن عادل الحنبلي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1419 هــ. 
  69. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، تحقيق: عبد الرحمن بن قاسم، المدينة النبوية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416 هـ. (د. ط)
  70. مجموع فتاوى ابن باز، ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر. (د. ط) (د. ت)
  71. مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ابن عثيمين، محمد بن صالح، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، ط الأخيرة، الرياض، دار الوطن - دار الثريا، 1421هــ.
  72. مجموعة رسائل الإمام الغزالي، الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي، ط1، بيروت، دار الفكر، 1416 هــ. 
  73. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ابن القيم، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ط3، بيروت، دار الكتاب العربي، 1416 هــ. 
  74. المستدرك على الصحيحين، الحاكم، محمد بن عبد الله، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411 هــ.
  75. معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، ط1، بيروت، عالم الكتب، 1408هــ.
  76. المقدمات الأساسية في علوم القرآن، الجديع، عبد الله بن يوسف، ط1، ليدز – بريطانيا، مركز البحوث الإسلامية، 1422 هــ.
  77. الملل والنحل، الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، القاهرة مؤسسة الحلبي. (د. ط) (د. ت)
  78. منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط1، الرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1406 هــ. 
  79. المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، محيي الدين يحيى بن شرف، ط2، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392 هــ. 
  80. منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار، ط4، الكويت، الدار السلفية، 1404 هــ.
  81. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي، إبراهيم بن عمر البقاعي، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي. (د. ط) (د. ت)
  82. نقض الدارمي على المريسي، الدارمي، عثمان بن سعيد، تحقيق: أبو عاصم الشوامي الأثري، ط1، القاهرة، المكتبة الإسلامية، 1433 هــ.
  83. الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره وأحكامه وجمل من فنون علومه، القيسي، مكي بن أبي طالب، ط1، الشارقة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 1429 هــ. 

 

 

فهرس الموضوعات

المقدمة. 3

المبحث الأول: وجوب الإيمان بصفات الله سبحانه بلا تعطيل ولا تمثيل. 8

          المبحث الثاني: معنى التفويض وأنواعه. 18

المبحث الثالث: خطأ نسبة مذهب تفويض معاني الصفات إلى السلف الصالح. 24

المبحث الرابع: بيان بطلان مذهب أهل التفويض 36

الخاتمة 50

فهرس المصادر والمراجع. 51

              فهرس الموضوعات.. 60

 

 

([1]) رواه أبو داود (4607) والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وقال الحاكم في المستدرك (1/176): هذا حديث صحيح ليس له علة، ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/1164): ثابت صحيح.

([2]) يُنظر: إيثار الحق لابن الوزير (ص: 157).

([3])  يُنظر: التفسير الكبير للرازي (15/ 412)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/ 326)، إيثار الحق لابن الوزير (ص: 166)، نظم الدرر للبقاعي (8/ 175)، التحرير والتنوير لابن عاشور (9/ 187).

([4])  يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/ 233، 234)، تفسير السعدي (ص: 35)، فتح رب البرية بتلخيص الحموية لابن عثيمين (ص: 122).

([5])  يُنظر: نظم الدرر للبقاعي (8/ 176).

([6])  يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/ 233، 234)، تفسير السعدي (ص: 35)، فتح رب البرية بتلخيص الحموية لابن عثيمين (ص: 122).  

([7])  يُنظر: جامع البيان لابن جرير الطبري (10/ 596)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/ 328)، جامع الرسائل لابن تيمية (1/ 171)، المنار لرشيد رضا (9/ 369 - 374).  

([8]) من ذلك: الرد على الجهمية والزنادقة لأحمد بن حنبل (ت 241 هـ)، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة لابن قتيبة (ت 276 هـ)، الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي (ت 280 هـ)، السنة لابن أبي عاصم (ت 287 هـ)، السنة للخلال (ت 311 هـ)، التوحيد لابن خزيمة (ت 311 هـ)، الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري (ت 324 هـ)، اعتقاد أئمة الحديث للإسماعيلي (ت 371 هـ)، الصفات للدارقطني (ت 385 هـ)، التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته لابن منده (ت 395 هـ)، أصول السنة لابن أبي زمنين (ت 399 هـ)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (ت 418 هـ)، رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت للسجزي (ت 444 هـ)، الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات للداني (ت 444 هـ)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ت 449 هـ)، ذم الكلام وأهله للهروي (ت 481 هـ)، الاعتقاد لابن أبي يعلى (ت 526 هـ)، الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني (ت 535 هـ)، فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف للحسن العطار الهمذاني (ت 596 هـ)، الاقتصاد في الاعتقاد لعبد الغني المقدسي (ت 600 هـ)، ذم التأويل للموفق ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، وهذه الكتب كلها كان مؤلفوها قبل ابن تيمية (ت 728 هـ) وتلميذه ابن القيم (ت 751 هـ) اللَّذين أشهرا مذهب السلف في عصرهما، وصبرا على ما نالهما من أذى بسبب ذلك، ومن أحسن كتبهما في العقيدة: العقيدة الواسطية، والعقيدة التدمرية، والفتوى الحموية الكبرى، كلها لابن تيمية، والصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، واجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية، كلاهما لابن القيم.

([9]) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (740). 

([10]) التبصير في معالم الدين (ص: 140، 142). 

([11]) التمهيد (7/ 145). ويُنظر: سنن الترمذي (3/ 41)، التبصير في معالم الدين للطبري (ص: 132 - 147)، التوحيد لابن خزيمة (1/ 118)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (3/ 457)، الهداية لمكي بن أبي طالب (10/ 6378)، ذم التأويل للمقدسي (ص: 11، 39، 40)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 294، 295)، الصواعق المرسلة لابن القيم (1/ 212 - 214)، تفسير ابن كثير (7/ 113)، قطف الثمر للقنوجي (ص: 59)، منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات للشنقيطي (ص: 38)، القواعد المثلى لابن عثيمين (ص: 34).

([12]) شرح السنة (15/ 257).

([13]) قال ابن تيمية: (إذا قال القائل: ظاهر النصوص مراد أو ظاهرها ليس بمراد فإنه يقال: لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك، فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم فلا ريب أن هذا غير مراد؛ ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهرها، ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفرا وباطلا، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر أو ضلال، والذين يجعلون ظاهرها ذلك يغلطون من وجهين: تارة يجعلون المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى يجعلوه محتاجا إلى تأويل يخالف الظاهر، ولا يكون كذلك، وتارة يردون المعنى الحق الذي هو ظاهر اللفظ؛ لاعتقادهم أنه باطل) مجموع الفتاوى (3/ 43).

([14]) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (6/ 409).

([15]) فتح الباري في شرح صحيح البخاري (6/ 534). ويُنظر: الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني (ص: 135)، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر (7/ 143، 144)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/ 404 - 406)، الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات لمشهور حسن (ص: 93 - 97).

([16]) الفتوى الحموية الكبرى (ص: 551) بتصرف يسير.

([17]) يُنظر: تفسير ابن جرير (23/ 186)، تفسير السمعاني (6/ 28)، تفسير ابن كثير (8/ 198، 199)، اللباب في علوم الكتاب لابن عادل (7/ 134)، روح المعاني للألوسي (15/ 39).

([18]) تأويل مشكل القرآن (ص: 89). ويُنظر: معاني القرآن للزجاج (5/ 210).

([19]) يُنظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (5/ 473، 474)، الصواعق المرسلة لابن القيم (1/ 252، 253).

([20]) شرح العقيدة السفارينية (1/ 262).

([21]) شرح العقيدة السفارينية (1/ 309).

([22]) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([23]) سنن الترمذي (5/ 581).

([24]) يُنظر: شرح صحيح البخاري (10/ 429، 430).

([25]) الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية (2/ 701  - 705).

([26]) تحفة الأحوذي (10/ 47).

([27]) ممن أثبت صفة المشي والهرولة لورودها في الحديث: عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه نقض الدارمي على المريسي (1/561)، والهروي في الأربعون في دلائل التوحيد (ص: 79)، وابن القيم في الصواعق المرسلة (3/915)، وعلماء اللجنة الدائمة كما في فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (3/196)، وابن باز كما في مجموع فتاوى ابن باز (4/ 133).

([28]) طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: 45).

([29]) التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 104).

([30]) الكليات (ص: 847).

([31]) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (1/ 210) باختصار وتصرف يسير.

([32]) القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (ص: 34، 35).

([33]) يُنظر: تقريب البعيد إلى جوهر التوحيد (ص: 83).      

([34]) تقريب البعيد إلى جوهر التوحيد (ص: 83، 84).   

([35]) هذا الكلام غير صحيح، فلا نعلم أحدا من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم أو أئمة الإسلام المشهورين يقول ذلك، والله المستعان.   

([36]) تحفة المريد على جوهرة التوحيد (ص: 156، 157).   

([37]) العقيدة النظامية في الأركان الإسلامية (ص: 165، 166). قال ابن تيمية: (أول قولي أبي المعالي التأويل كما ذكره في الإرشاد، وآخرهما التفويض كما ذكره في الرسالة النظامية، وذكر إجماع السلف على المنع من التأويل وأنه محرم) درء تعارض العقل والنقل (3/ 381).

([38]) أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات (ص: 60، 120).

([39]) درء تعارض العقل والنقل (1/ 15) بتصرف يسير.

([40]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 30 - 32) باختصار وتصرف.

([41]) العلو للعلي الغفار (ص: 596، 597) باختصار وتصرف يسير.

([42]) مجموع الفتاوى (20/ 208).

([43]) يُنظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 532).

([44]) مجموع الفتاوى (11/ 514).

([45]) يُنظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (4/154، 155) باختصار يسير.

([46]) يُنظر: ((تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري)) (ص: 331).

([47]) يُنظر: مجموعة رسائل الإمام الغزالي (ص: 301، 302)، الملل والنحل للشهرستاني (1/ 92، 93، 103، 104).     

([48]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (3/ 19).    

([49]) طبقات الشافعية الكبرى (5/ 191، 192).    

([50]) يُنظر: تفسير ابن جرير (1/ 190، 454)، و (13/ 411)، الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني (1/ 313) و (2/ 116، 117)، الفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية (ص: 307، 361 - 368)، درء تعارض العقل والنقل (1/ 201 - 205)، العلو للعلي الغفار للذهبي (ص: 139)، القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لابن عثيمين (ص: 34 - 48)، تبرئة السلف من تفويض الخلف للحيدان (ص: 14 - 51).    

([51]) صحيح البخاري (9/ 124).      

([52]) خلق أفعال العباد (ص: 36، 37).      

([53]) يُنظر: الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء دراسة تحليلية لعبد الرزاق البدر (ص: 38 - 93).      

([54]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 131).      

([55]) التعرف لمذهب أهل التصوف (ص: 35).      

([56]) يُنظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 84، 85).      

([57]) من أسباب انتساب كثير من العلماء إلى الأشاعرة والماتريدية ظنهم أن مذهب السلف هو التفويض، وأن مذهب الخلف هو التأويل، وأن كلا المذهبين سائغ. يُنظر: الفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية (ص: 188).

([58]) يُنظر: جزء فيه ذكر اعتقاد السلف في الحروف والأصوات للنووي (ص: 15 - 69)، تعقيب على مقالات الصابوني للحوالي (ص: 25)، الأشاعرة في ميزان أهل السنة للجاسم (ص: 597 - 640)، المقدمات الأساسية في علوم القرآن للجديع (ص: 367)، البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة لأبي أسامة الأثري (ص: 57 - 148)، الردود والتعقبات على ما وقع للإمام النووي في شرح صحيح مسلم من التأويل في الصفات لمشهور حسن (ص: 18 - 29).

([59]) يُنظر: تفسير ابن جرير (1/ 127)، تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (ص: 33،  37)، اشتقاق أسماء الله للزجاجي (ص: 108، 152)، شأن الدعاء للخطابي (1/ 47 - 49، 57 - 66، 88، 111، 112).     

([60]) اشتقاق أسماء الله (ص: 275).      

([61]) تهذيب اللغة (2/ 74).      

([62]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 401).

([63]) إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 138).

([64]) قال ابن تيمية: (قد ينصر المتكلمون أقوال السلف تارة، وأقوال المتكلمين تارة، كما يفعله غير واحد مثل أبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي والرازي وغيرهم، ... وتارة يجعلون إخوانهم المتأخرين أحذق وأعلم من السلف ويقولون: طريقة السلف أسلم، وطريقة هؤلاء أعلم وأحكم، فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق والعرفان، والسلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه أو الخطأ والجهل! وغايتهم عندهم: أن يقيموا أعذارهم في التقصير والتفريط! ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض؛ فإنه وإن لم يكن تكفيرا للسلف ولا تفسيقا لهم كان تجهيلا لهم وتخطئة وتضليلا) مجموع الفتاوى (4/ 157) باختصار.    

([65]) يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (3/ 160 - 277)، الفتوى الحموية الكبرى لابن تيمية (ص: 265 - 556)، الأشاعرة في ميزان أهل السنة للجاسم (ص: 254).

([66]) تفسير ابن جرير (5/ 192، 196 – 201).

([67]) تأويل مشكل القرآن (ص: 66 – 69، 71 - 73).

([68]) تفسير ابن كثير (2/ 10 - 12) باختصار.

([69]) يُنظر: التدمرية لابن تيمية (ص: 76-81).   

([70]) يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/ 38 - 46).   

([71]) يُنظر: التدمرية لابن تيمية (ص: 90 - 116).   

([72]) مجموع الفتاوى (13/ 294 - 296).   

([73]) مجموع الفتاوى (5/ 41، 42).   

([74]) مجموع الفتاوى (13/ 308 - 310).   

([75]) درء تعارض العقل والنقل (1/ 201، 202).   

([76]) درء تعارض العقل والنقل (1/ 205).      

([77]) مجموع الفتاوى (5/ 34) باختصار وتصرف يسير.      

([78]) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2/ 422 - 424) باختصار.      

([79]) منهاج السنة النبوية (5/ 239 - 241).

([80]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 120، 121).