ماذا لو عاد بنا الزمان؟

فما العمل لئلا نحتاج غدًا إلى سؤال "ماذا لو عاد الزمان؟" ونحن اليوم في فسحة منه؟ ودواؤها خمس جرعات تتساند ولا تتدافع

  • التصنيفات: تزكية النفس -

سؤال ينهض من أرض الرضا بالقضاء، لا من شاطئ الاعتراض، وليس حنين عاجز إلى أمس فات، بل نداء عبد يخاف أن تُولَد حسراتُ الغد من تفريط اليوم، فهو سؤال للتوبة المتيقظة لا للتمنّي الكسول، وللهجرة من عادةٍ واهنة إلى سلوك راشد، وهو جرس إنذار مبكر لا محكمةٌ تُراجع مقادير الله؛ إنما جرس يدعونا إلى أن نصحح المسار قبل أن تُغلق دفاتر الإمكان.

ولم نندم أصلا؟ لأننا كثيرًا ما ننظر بعين قصيرة إلى لذّةٍ قريبة، فنؤثر العاجل على الآجل؛ ولأن الهوى يُجمّل لنا الطريق، فتخفت فينا بوصلة المآل؛ ولأن ضغط الجماعة يُربك ميزاننا، فنستعير معاييرهم ونفقد معيارنا؛ ولأن التسويف يسرق مواقيتنا، فنؤجّل خير اليوم على أمل موهوم في غدٍ لا نملكه؛ ولأن النية تبهت تحت ركام الحركة، فيتحوّل العمل من عبادةٍ مقصودةٍ إلى إجراء بلا روح، وخلاصة الأسباب خمس قصر النظر، وخداع الهوى، وضغط الجماعة، وسرقة التسويف، وخفوتُ النية.

فما العمل لئلا نحتاج غدًا إلى سؤال "ماذا لو عاد الزمان؟" ونحن اليوم في فسحة منه؟ ودواؤها خمس جرعات تتساند ولا تتدافع

أولًا: تجدّد ميثاق الرضا، فنحمل الماضي على محامل الشكر والتعلم، ونحوّل حسرة الأمس إلى وقود لطاعة اليوم؛ فالرضا ليس سكونًا بل طاقةٌ تُزكّي السعي، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}.

ثانيا: نؤسس لمحاسبة شرعية، نعمةٌ شُكرت، وتقصير صُحح، وخطوة غدٍ الأولى" فتنتقل المحاسبة من وجدان غائم إلى خطة مكتوبة.

ثالثًا: نعمل بقاعدة الدقائق الخمس ؛ نُنزِل الفكرة إلى الواقع فورًا ولو بخمس دقائق، فالفعل الصغير يفتح أبوابًا لا يفتحها التأهب الطويل ، و "الآن" أقصر طريق إلى “التمام."

رابعا: تهذب المطالب بفقه الأولويات، تحدد المهام وتصان من تشتيت الملهيات؛ فالقليل المحكم أبرك من الكثير المُشوّش

خامسًا: نتعلم فنّ الدهشة اليومية: أخطر ما يبدّد أعمارنا ليس الفقد بل الاعتياد؛ إذ يُبلّد إحساسنا ويُخفي عنا جمال اللحظة، لذلك وجب أن نتعلم جميعًا فنّ «الدهشة اليومية»: نظرات جديدة في وجوه مألوفة، شكرًا على أنفاس تتكرّر وامتنانًا لأيادٍ قريبة. فالدهشة تحوّل أيامنا الباهتة إلى أعمار مضاعفة، وتزيد أسهم شكرنا الله على ملاحظة هذه النعم الدقيقة.

ثم إن رصيد «الغد» مرهون بما نكتبه في دفاتر «اليوم».