تداعيات الهزيمة الأمريكية والأطلسية في أفغانستان

محمد مورو

بدأت الحرب على حكومة طالبان عام 2001م؛ أي أنها استمرت حتى الآن حوالي عشر سنوات قابلة للزيادة، ووصل عدد القوات الأمريكية والأطلسية هناك حوالي 120 ألف جندي، وأن الجندي الواحد يكلف الخزانة الأمريكية حوالي مليون دولار سنوياً...

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


عندما يعلن الرئيس الأمريكي بارك أوباما أن حكومته تنوي سحب حوالي 30 ألف جندي أمريكي من أفغانستان في نهاية عام 2011م، وأن الحرب في أفغانستان ليست حرباً ستستمر طويلاً، وأنه على حكومة الرئيس كرازي الاعتماد على نفسها في المستقبل، فإن معنى ذلك أن أمريكا بدأت تجهز الرأي العام الأمريكي لإعلان الهزيمة الأمريكية في أفغانستان، وبدء الانسحاب نهائياً من هناك.

علينا قبل أن نبدأ في تحليل تداعيات الهزيمة الأمريكية في أفغانستان أن نضع أمام أعيننا مجموعة من الأرقام والحقائق، كالتالي:

• بدأت الحرب على حكومة طالبان عام 2001م؛ أي أنها استمرت حتى الآن حوالي عشر سنوات قابلة للزيادة، ووصل عدد القوات الأمريكية والأطلسية هناك حوالي 120 ألف جندي، وأن الجندي الواحد يكلف الخزانة الأمريكية حوالي مليون دولار سنوياً، وأنه حسب تقديرات كبار الجنرالات فإن الأمر لن يتغير حتى لو زادت القوات إلى الضعف، وأن نزيف الخسائر سيستمر بل يزيد مع زيادة عدد القوات، وأن طالبان أظهرت قدراً هائلاً من الكفاءة والمرونه والقدرة على الصمود وإنزال الضربات القوية بقوات الحلفاء هناك.

• أن أفغانستان تفتقر إلى الموانئ والبنية التحتية والطرق المعبَّدة، وهو ما يجعل الأمر شديد الصعوبة، وأن تزويد القوات هناك بالوقود والسلاح والطعام يتم عن طريق باكتسان، وهذه الطرق البديلة تتعرض لعمليات فدائية من مقاتلين تابعين لطالبان باكستان أو طالبان أفغانستان تعمل في الأرضي الباكستانية، وهو ما يزيد الأمر صعوبة.

• أن الإنفاق العسكري على الحرب في أفغانستان وحدها وصل مع بداية عام 2011م إلى حوالي 443 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية، وتصل إلى حوالي 2.5 تريليون دولار في تقديرات مكاتب المحاسبة، مع الأخذ في الاعتبار أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من أزمات ضخمة، كما أن الرأسمالية العالمية تعاني من خلل بينوي خطير لا يمكن حلُّه على المدى القريب أو المتوسط، وأن الحكومة الأمريكية باتت تقترض لتمويل الحرب هناك، وأن التكاليف المتوقَّعه سنوياً حوالي 120 مليار دولار.

• أنه تم قتل حوالي 1522 جندي أمريكي في أفغانستان ناهيك عن خسائر الحلفاء، وأن هؤلاء الحلفاء مثل الألمان والإنجليز والكنديين لم يعودو قادرين على الاستمرار في تلك الحرب المكلفة. أما الحديث عن المصابين فهم بالآلاف وتصل بعض التقديرات بهم إلى حوالي 50 ألف مصاب، وهذا معناه أن هؤلاء سوف ينفقون على العلاج لعشرات السنين، وهو ثمن باهظ على الخزانة الأمريكية.

• يقدر أحد مكاتب الميزانية في الكونغرس عدد المعدات التي تم إعطابها في كلٍّ من العراق وأفغانستان إلى حوالي 26 ألف معدَّة بين المركبات السريعة (همفي)، و 66 ألف مركبة تكتيكية متوسطه، و 15200 مركبة تكتيكية ثقيلة.

• تقول إحدى الباحثات الأمريكيات من مؤسسات المجتمع المدني: إن الحكومة الأمريكية تمارس الخداع بشأن الخسائر المادية والبشرية وخاصة عدد المصابين في أفغانستان، وأن هناك زيادة مستمرة في عدد الجنود الذين أدمنوا المخدرات، أو أصيبوا بأمراضٍ نفسية أو حتى انتحروا.

• أن معنى تلويح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانسحاب من أفغانستان - وهو الذي كان يرى أن الحرب في أفغانستان ضرورية أكثر من الحرب في العراق، وسحب قوات من العراق وإرسالها إلى أفغانستان - أن الرجل اضطر أن يعترف بالفشل.

أسباب الهزيمة الأمريكية في أفغانستان:

دخلت القوات الأمريكية إلى أفغانستان يوم 7 أكتوبر عام 2001م، وصمدت حكومة طالبان من 7 أكتوبر حتى 13 نوفمبر؛ أي حوالي 37 يوماً كاملة تحت أقسى أنواع الضرب بكل الوسائل (طائرات ودبابات، وقنابل 15 ألف رطل، وصواريخ، وقنابل عنقودية)، ثم قررت طالبان أن تغير تكتيكات المواجهة، فانسحبت من المدن ومارست حرب العصابات، ولا شك أن الطريقة التي انسحبت بها طالبان من المدن كانت نوعاً من النجاح، فلم يحدث انهيار عسكري لقواتها ولا سقطت تلك القوات أسرى بالآلاف في يد القوات الأمريكية كعادة الفشل العسكري التقليدي، ثم بدأت حرب العصابات مع تصاعد نوعيتها وعددها من عام إلى عام، وحاولت القوات الأمريكية حسم المسألة مراراً وتكراراً دون جدوى، ثم استعانت بقوات حلف الناتو، ثم سحبت قوات من العراق وأرسلتها إلى أفغانستان، ولكن المقاومة كانت تتصاعد باستمرار، ولعلها قد وصلت إلى الذروة في علملياتها النوعية والكمية التي نفذتها في عام 2011م.

ومن هنا نستطيع أن نقول: إن طالبان نجحت في استخــدام ما يسمى بإستراتيجية الضعيف؛ وهي التخلص من أعباء السلطة، ثم اللجوء إلى الجبال ثم عدم دخول معارك مباشرة مع قوات أكبر منها عدداً وعدة، ثم إنهاك الخصم بالعمليات النوعية.

وفي الوقت نفسه فإن طالبان مارست قدراً هائلاً من الانضباط الأخلاقي مع جماهير الشعب الأفغاني، وهو ما جعلها تحصل على ضمانة قوية من هذا الشعب، وتعزل حكومة كرازي والعملاء، الذين أصبحوا في نظر الشعب عملاء للأجنبي وفاقدي الاحترام، وفي الوقت نفسه فإن الحكومة العميلة لأمريكا كالعادة كانت فاسدة ومرتشية وبدون كفاءة، بل إنها مارست عملية تزوير الانتخابات لحساب الرئيس حامد كرازي، وهو ما أوقع أمريكا في حرج شديد؛ حيث ظهر أنها تدعم حكومة ديكتاتورية وأن حديثها عن دعم الديمقراطية مجرد هراء وخداع، بل إنها أيضاً تتستر على الفساد.

والتاريخ والجغرافيا كانت إحدى العوامل الهامة في هزيمة أمريكا، فالتاريخ يقول: إن أفغانستان نجحت في هزيمة الإمبراطورية البريطانية عدة مرات عام 1842م، وعام 1880م وعام 1929م وظلت عصية على الخضوع للتاج البريطاني، ثم هزمت الاتحاد السوفييتي السابق وتسببت في تفكُّكه في النهاية منذ غزا اللاتحاد السوفييتي أفغانستان في 27 ديسمبر 1979م، ثم انهزم وانسحب في 15 فبراير عام 1989م، وهكذا فإن من المتوقع أن تكون الهزيمة الأمريكية في أفغانستان هي بداية هبوط المنحنى الأمريكي، إن شاء الله.

أما عن الجغرفيا، فإن أفغانستان التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة وتتكون من مجموعة من الأعراق أهمها وأكبرها البشتون، ومعظم هؤلاء السكان من المسلمين السُّنة (82-90%) والباقي شيعة إثنا عشرية وإسماعيلية وغيرهما، وأفغانستان تقع في قلب آسيا وهي دولة قارِّية بلا أي منافذ بحرية وتقدر الحدود الدولية لأفغانستان بطول حوالي 5529 كم مع باكستان في الشرق والجنوب، ومع إيران في الغرب، مع الصين في الشرق ومع دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتبلغ مساحة أفغانستان 652 ألف كيلو متر مربع ويشبه شكلها شكل ورقة الشجرة ومعظم أراضي أفغانستان أراضٍ وعرة باستثناء المناطق الشمالية السهلة.

وبالإضافة إلى الجغرافيا والتاليخ، فإن الثقافة الإسلامية والتركيبة العرقية تضيفان عاملين هامين إلى قدرة الأفغان على المقاومة؛ فالإسلام يدعو إلى مقاومة الفرد الأبغى والتركيبة العرقية البشتونية لا تقبل بالخضوع للاحتلال بسهولة.

تداعيات الهزيمة الأمريكية في أفغانستان:

هناك شبه إجماع بين المحللين الإستراتيجيين على أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان رغم أنه بطعم الهزيمة، وأنه سوف يؤدي إلى وصول طالبان إلى السلطة، وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وهو ما يشكل خطراً إرهابياً كبيراً على أمريكا، وإن أمريكا سوف تعتمد على الهند لتحل محلها في الفراغ المتوقع، هناك إجماع على أن ذلك يرجع إلى الأزمة الاقتصادية الأمريكية؛ حيث إن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على دفع فاتورة الحرب، بالاضافة إلى إعلان عدد من دول الحلفاء رغبتها في التخلص من هذا العبء وكذلك زيادة كفاءة ونوعية عمليات طالبان هناك؛ فإن ذلك كله ليس السبب الأساسي لتسليم أمريكا بالهزيمة في أفغانستان؛ ذلك أن هناك خطراً أكبر على أمريكا يتمثل في تداعيات الربيع العربي؛ فإذا لم يتم ضبط الأمور في كلٍّ من لبيا وتونس بطريقة تجعل هناك حكومات قوية قادرة على ضبط الأمور، فإن ذلك معناه أن تنتشر الفوضى في المنطقة كلها بدءاً من موريتانيا وحتى الصومال واليمن وفي تلك الحالة فإن المنطقة ستكون أولاً مرتعاً للإرهاب.

وهو ما يحتاج إلى عشرات الملايين من الجنود الأمريكيين وليس مئات أو عشرات الألوف فقط، ويحتاج إلى تريلونات من التكاليف والمليارات، وإن الأمر لن يتقصر فقط على الإرهاب بل وكذا الهجرة الإفريقية وغير الإفريقية إلى شواطئ أوروبا على الساحل الشمالي للبحر المتوسط، انطلاقاً من الساحل الجنوبي لذلك البحر الذي يفصل أوروبا عن إفريقيا وإن هذا كله يقتضي التخفيف من الأعباء في أي مكان آخر من العالم، لمراقبة الحاله هناك والاستعداد لكل الاحتمالات والله - تعالى - أعلم.


27/12/32

 

المصدر: العدد : 293 - مجلة البيان