ظلم اليهود والنصارى لأنفسهم

محمد بن علي بن جميل المطري

لا شك أن العاقل من أهل الكتاب إن سمع هذا فلن يقر له قرار حتى يقرأ القرآن ليتأكد هل هو كتاب منزل من عند الله حقا

  • التصنيفات: اليهودية والنصرانية -

 

لو أن في القرآن الكريم أن نبيا سيرسله الله بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ثم سمعنا - معاشر المسلمين - بأن نبيا أرسله الله في أدغال أفريقيا، وسمعنا بأنه يأمر بعبادة الله وحده، وأنه يأمر بما كان يأمر به الأنبياء من التوحيد والصلاة والزكاة، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ويؤمن بجميع الأنبياء، ويصدق نبينا محمدا ويذكره بخير، ويصدق بكتابنا القرآن!

وسمعنا أن الله أنزل عليه كتابا يصدق القرآن الذي بين أيدينا، ويذكر كثيرا مما في كتابنا من القصص، ويذكر رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم في أكثر من مائة موضع، ويذكر كثيرا من قصصه وسيرته، فكيف سيكون حال الواحد منا عند سماع هذا الخبر؟!

لا شك أن العاقل منا لن يقر له قرار ولو بأن يرحل حتى يقرأ ذلك الكتاب ليتأكد من أنه كتاب منزل من عند الله، فإن قرأه ووجد ما فيه حقا فسيؤمن به ويتبعه.

أما الغافل فسيعرض عن هذا الخبر، ويتشاغل بما هو فيه من طلب الدنيا وشهواتها، بل وسيكذب بذلك الكتاب قبل أن يقرأه!! بل وسيحارب من يؤمن به ويتبعه!!

فلو كان ذلك الكتاب منزَّلٌ من عند الله حقا، وكان ذلك الرسول صادقا، فهل رأيتم أعظم من هذا الظلم للنفس؟ وهل رأيتم أشد من هذا الكفر والكِبر؟!

هذا هو الحاصل من اليهود والنصارى، ففي كتبهم التي يصدقون بها ويقرؤنها أن نبيا سيرسله الله، وقد علموا أن المسلمين يشهدون أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من الله لكافة الخلق، وعلموا أنه يأمر بعبادة الله وحده، وأنه يأمر بما كان يأمر به الأنبياء من التوحيد والصلاة والزكاة، وأنه يدعو إلى مكارم الأخلاق، وأنه يؤمن بجميع الأنبياء، وأنه يصدق بالتوراة والإنجيل.

وسمعوا أن القرآن الكريم يذكر كثيرا مما في كتابهم المقدس من القصص وغيرها، ويذكر موسى صلى الله عليه وسلم في أكثر من مائة موضع، ويذكر عيسى وأمه مريم عليهما الصلاة والسلام في خمسة عشر موضعا!!

لا شك أن العاقل من أهل الكتاب إن سمع هذا فلن يقر له قرار حتى يقرأ القرآن ليتأكد هل هو كتاب منزل من عند الله حقا، وهذا هو الحاصل بحمد الله، فكثير من اليهود والنصارى قديما وحديثا قرءوا القرآن فوجدوا ما فيه حقا فآمنوا به واتبعوه كما قال تعالى: { {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا}} [القصص: 52، 53].

أما الغافلون من أهل الكتاب - وهم الغالبية العظمى منهم قديما وحديثا - فهم معرضون عن القرآن، ومشغولون بطلب الدنيا وشهواتها، كما قال تعالى: { {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} } [الحجر: 1 - 3]، وقال سبحانه: { {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}} [الأحقاف: 3].

ومن ظلمهم أنهم لم يكتفوا بالإعراض عن القرآن بل ويكذبون به قبل أن يقرؤه كما قال تعالى: { {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}} [البروج: 19 - 22]، وقال سبحانه: {{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}} [يونس: 36 - 39].

فما أظلم اليهود والنصارى لأنفسهم!! وما أشد كفرهم بربهم!!

ومن العجب أنهم يكذبون بالقرآن الذي لا اختلاف فيه ولا عوج، ويتحداهم المسلمون من قبل ألف وأربعمائة سنة أن يجدوا فيه خللا في لفظه أو معناه، ومع ذلك يصدقون بكتبهم المحرفة التي يقر كثير من علمائهم بأن فيها اختلافا وخللا!!

بل ولا ينكر أي يهودي بأن نسخ التوراة الموجودة بأيدي اليهود اليوم ثلاث نسخ: النسخة العبرية، والنسخة اليونانية، والنسخة السامرية! 

وكذلك لا ينكر أي نصراني سواء كان كاثوليكيا أو بروتستانتيا أو أرثوذكسيا بأن الإنجيل الموجود بأيدي النصارى اليوم ليس واحدا بل أربعة أناجيل مختلفة: إنجيل متى، وإنجيل يوحنا، وإنجيل لوقا، وإنجيل مرقس!

وهذه أمثلة على وجود الاختلاف والتحريف في نسخ التوراة والإنجيل:

1-      في النسخة العبرانية من التوراة أن بين خلق آدم إلى طوفان نوح عليهما السلام (1656) سنة, وفي النسخة اليونانية (2262) سنة, وفي النسخة السامرية (1307) سنة!!

2-      في النسخة العبرانية من التوراة أن من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه السلام (292) سنة, وفي النسخة اليونانية (1072) سنة, وفي النسخة السامرية (942) سنة!

3-    أما الخلافات في نسخ الأناجيل فكثيرة جدا لا تكاد تُحصر، ويكفيك أن تقابل بيان نسب المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام الذي في أول إنجيل متّى بالبيان الذي في إنجيل لوقا، فستجد اختلافات صادمة لكل نصراني!!

ففي إنجيل متّى (1/1-17): أن عيسى بن يوسف بن يعقوب، وأنه من نسل سليمان بن داود. وفي إنجيل لوقا (3/ 23-38): أن عيسى بن يوسف بن هالي، وأنه من نسل ناثان بن داود!!

وإن عددت الأسماء بين المسيح وداود فستجدها في إنجيل متّى ستة وعشرين أباً، بينما ستجدها في إنجيل لوقا واحدا وأربعين أباً!!

فويل لمن يقرأ مثل هذه الخلافات في نسخ التوراة والإنجيل المحرفة ويصر على أنها من عند الله!!

ومع تحريف اليهود والنصارى لكتبهم إلا أنه لا يزال فيها بشارات بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه بعض البشارات الموجودة إلى اليوم في التوراة والإنجيل:

البشارة الأولى: في سفر التثنية (18/17-18): " قال لي الرب: قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به " .

البشارة الثانية: في سفر التثنية (23/2): " فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم " .

وسعير اسم لجبال فلسطين، وفاران اسم مكة بالعبرانية، فمعنى مجيئه من سيناء إعطاؤه التوراة لموسى عليه السلام، وإشراقه من سعير إعطاؤه الإنجيل لعيسى عليه السلام، واستعلائه من جبل فاران إنزاله القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

والدليل من التوراة على أن فاران مكة ما جاء في سفر التكوين (21/20-21) في بيان حال إسماعيل عليه السلام: " وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فاران ".

البشارة الثالثة: في سفر التكوين (49/10): " فلا يزول القضيب من يهوذا والمدبَّر من فخذه حتى يجيء الذي له الكل وإياه تنتظر الأمم ".

وقد اختلف علماء أهل الكتاب في ترجمة هذا اللفظ، وسبب حيرتهم هو التعصب الأعمى، ومن أنصف منهم قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم بلا ريب، فقد أرسله الله للناس كافة.

البشارة الرابعة: في إنجيل يوحنا (16/7،12،13): " لكني أقول لكم: الحق إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط، فأما إن انطلقت أرسلته إليكم. وإن لي كلاماً كثيرا أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن. وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلمكم جميع الحق؛ لأنه لا ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي " .

البشارة الخامسة: في إنجيل يوحنا (16/12-13): " إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم, ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن, وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق".

{{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}} [المائدة: 77].

{{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}} [آل عمران: 64].