شكر الله بعد كل عبادة، عبادة

عبادة الشكر لله تعالى ملازِمةً للعبادات والطاعات ملازَمةً واضحة، وقد جاء الأمر من الله تعالى لعباده بشكره مطلقًا؛ فقال عز من قائل: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.

الحمد لله فاطر السماوات والأرض، أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، وبشر المؤمنين أن لهم أجرًا حسنًا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين؛ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]؛ أما بعد:

فيا أيها المسلمون والمسلمات، إن من أحب الأعمال لله تعالى بعد أداء عباداته والقيام بطاعته، ذكرَه وشكرَه وحمده، والثناء عليه بما هو أهله، وإذا عبدت خالقك، فاعلم أنه سبحانه هو الذي هداك ووفَّقك لأدائها، وهو الذي يتقبلها منك ليُثيبك عليها، وهو من يتجاوز عن كل تقصير أو نقص فيها؛ ولهذا يتكرر الشكر لله بشكل ظاهر عند نهاية وإتمام كل عبادة ودُبرَها.

 

فبعد آية أحكام الوضوء والطهارة؛ يقول سبحانه: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].

 

وبعد أداء كل صلاة يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا رضي الله عنه بقوله: «يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك... فقال: أوصيك يا معاذُ؛ لا تدعَنَّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك».

 

وبعد فريضة الصيام؛ يقول تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

 

وبعد أداء فريضة الحج؛ يأتي الأمر بذكره عز وجل: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].

 

وبعد تقديم الهديِ وذبح الأضاحي؛ في قوله سبحانه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36].

 

وبهذا تكون عبادة الشكر لله تعالى ملازِمةً للعبادات والطاعات ملازَمةً واضحة، وقد جاء الأمر من الله تعالى لعباده بشكره مطلقًا؛ فقال عز من قائل: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 66]، ومن فاته شكر المُنعم على نِعم الدنيا؛ كالعافية في البدن، وصلاح الذرية، والرزق الحلال، وغيرها، والشكر على نعم الدين؛ كالتوفيق للصدق والإخلاص مع الله، والمسارعة لفعل الخيرات، ومن كان من الشاكرين، كان من السعداء الذين يحظَون بزيادة النعم من الذي قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، وإن استحضار عبادة الشكر لمن أجَلِّ النعم التي تستوجب شكرًا، فيا من يتقلب في النِّعم، كن من الشاكرين.

 

ولنا جميعًا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، والذي إذا تأملنا حاله مع الشكر، ماذا نجد؟ الجواب عند أمنا عائشة رضي الله عنها التي تقول: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلى قام حتى تفطَّر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «يا عائشةُ أفلا أكون عبدًا شكورًا»؟، فهل ينتبه الغافلون عن عبادة شكر الله على نِعمه التي لا يحصرها العد؟ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]، فسبحان من قال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]! اللهم اجعلنا من الشاكرين، نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبكلام سيد المرسلين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال: آمين.

 

كم هو جميلٌ أن يرفع الله تعالى عنا الحرج، لنشعر بتيسير الدين، ليحالفنا التوفيق لأداء العبادات والطاعات بنشاط وإقبال ومحبة! وإن على كل من يمتلك هذا الشعور أن يلهَج لله بالحمد والشكر؛ كي يزيده الله تعالى توفيقًا لمواطن الخير والسَّكينة، وراحة البال، والانتصار على الضعف الذي يستغله شياطين الجن والإنس للكيد بالمؤمن، وإبعاده عن طاعة ربه، وكذا لتجنب سبيل الجحود والإعراض والعناد، بدوام شكر الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243]، فعلى كل مسلم أن يتخذ الحذر من عدوٍّ متربص ينتظر فرصة الضعف والغفلة عن الله تعالى، للإغواء بشتى أساليب الخداع والمكر؛ إنه إبليس اللعين الذي أقسم لرب العالمين بعزته، لَيُغوين بني آدم أجمعين؛ بقوله: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17]، فاللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه عنا.

 

الدعاء...

_____________________________________________________
الكاتب: الشيخ الحسين أشقرا