احترام كبار السن
و: ما يجب علينا تجاه كبار السن بيننا، فلقد منحهم الإسلام مكانة رفيعة، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: «إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم»
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وجعل الإحسان إلى الكبير من دلائل الإيمان، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، الداعي إلى البِرِّ والإحسان، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله- جلَّ وعلا- فإنها وصية الله للأوَّلين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
أيها الأحبة في الله، حديثي إليكم اليوم عن أمر مهم؛ ألا وهو: ما يجب علينا تجاه كبار السن بيننا، فلقد منحهم الإسلام مكانة رفيعة، قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: «إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم»؛ (حسن، رواه أبو داود).
فكبار السن الصالحون هم خير الناس، فعن عبدالله بن بسر- رضي الله عنه-: أنَّ أعرابيًّا قال: يا رسول الله، مَنْ خيرُ الناس؟ قال: «من طال عمره، وحسن عمله»؛ (صحيح الجامع/ 3297).
وكبار السن هم أهل التجربة والخبرة والمعرفة، دَرَّبَتْهم المواقف، وأنضجتهم الأحداث، ففي صحبتهم بركة، ولقد روى الطبراني في معجمه، والحاكم في مستدركه، وصححه، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه صلَّى عليه وسلم قال: «الخير مع أكابركم»، وفي رواية «البركة مع أكابركم». قال المناوي: فجالسوهم لتقتدوا برأيهم، وتهتدوا بهديهم.
وهنا أذكركم ببعض الممارسات العملية التي ينبغي الأخذ بها تجاه كبير السن بشكل مختصر:
أولًا: بدؤه بإلقاء التحية والسلام عليه؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «يسلِّم الصغير على الكبير …»؛ (رواه البخاري).
ثانيًا: تُقدِّمُهُ عندما تمشي معه في الطريق، وعند الدخول للبيت، ولا تسبقه بالجلوس وتُقدِّمُهُ في مقدِّمة المجلس، ولا تسبقه بالخروج من المجلس، وعند التحدُّث لا تقاطعه بل تستمع لحديثه بأدب، فعن سَمُرة بن جندب- رضي الله عنه- قال: "لقد كنت على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غلامًا، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلَّا أنَّ ها هنا رجالًا هم أسنُّ مني"؛ [رواه مسلم].
ثالثًا: من التوقير للكبير واحترامه عدم الأكل قبله من الطعام الذي يجمعك معه في إناء واحد.
رابعًا: مخاطبته بالعبارات اللطيفة التي تنبئ عن احترامك له، وسؤالك له عن صحته بلُطْف ولباقة، وتستشيره فيما أردت من أمورك، فذاك يشعره بمكانته وأهميته.
خامسًا: القيام بخدمته ما أمكنك ذلك، مع الدعاء له بطول العمر على طاعة الله.. وهذا يشمل كبير السن من الذكور والإناث.
ويزداد الأمر إلى أعلى درجات الوجوب في حق الوالدين؛ كما قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].
واسمع ما كان يقوله أبو هريرة -رضي الله عنه- لأُمِّه، إذا أراد الخروج من البيت، كان يقف على الباب ويقول لأُمِّه: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك السلام يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتِني صغيرًا، فتقول: رحمك الله كما بررْتَني كبيرًا، وإذا أراد أن يدخل صنع مثله؛ [التبصرة لابن الجوزي].
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأدوا لكبار السنِّ حقَّهم، واعرفوا لهم قدرهم، وأشعروهم بأنهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، أشركوهم معكم في الحديث والقرارات ومناقشة الأمور التي تهم الأسرة، في داخل البيت وخارجه، وكذلك فيما يهم المجتمع، واستمعوا إلى حديثهم باهتمام وإلى حكاياتهم وتجاربهم؛ فإن ذلك يعزز من راحتهم وسعادتهم، وتحظون بفوائد من تجاربهم وخبراتهم في الحياة، وتحفكم وإياهم الرحمة والبركة بإذن الله.
فلقد جاء عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا»؛ (رواه أبو داود).
وفي عالمنا اليوم: توجد مجتمعاتٌ تُظهِر اهتمامًا كثيرًا بكبار السن، وتوفر لهم الرعاية الصحية، والخدمات المتكاملة، ونحن بصفتنا مسلمين يجب أن نكون في المقدمة في مثل هذه الأمور الإنسانية، وأن نُظهِر للعالم أن تعاليم ديننا الحنيف تأمرنا برعاية كبار السن وتقديرهم، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ليس أحدٌ أفضل عند الله من مؤمن يُعَمَّرُ في الإسلام؛ لتسبيحه وتكبيره وتهليله»؛ (صحيح، رواه أحمد).
ألا فاتقوا الله- يا رعاكم الله- والتمسوا أسباب الخير والبركة بهذه الرعاية الواجبة لكبار السنِّ بيننا، لما حَظُوا به من سبقٍ في الوجود، وخبرةٍ في الموجود، وسالف عبادةٍ لربنا المعبود.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
_________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد إبراهيم الجوني