يا قوم، معركة الغرب على أمتنا أكبر!
يعمل المعسكر الصليبي–الصهيوني في هذه المرحلة على شل الأمة في كافة جوانبها، وتعطيل مجالات البناء والمقاومة فيها، وفي المقابل، هناك فرض لهويّاتٍ زائغة وبسط لمشاريعٍ مدمرة يريدها ذلك المعسكر للمنطقة بصورَةٍ من الصفاقة والإذلال لم تشهدها المنطقة من قبل.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
يعمل المعسكر الصليبي–الصهيوني في هذه المرحلة على شل الأمة في كافة جوانبها، وتعطيل مجالات البناء والمقاومة فيها، وفي المقابل، هناك فرض لهويّاتٍ زائغة وبسط لمشاريعٍ مدمرة يريدها ذلك المعسكر للمنطقة بصورَةٍ من الصفاقة والإذلال لم تشهدها المنطقة من قبل.
ولعل من جوانب تفريغ الأمة من عناصر قوتها: ما نشاهده يحدث اليوم في غزة، إذ نرى بجلاء تلك الممارسة البربرية والسلوك الوحشي الذي يأتي في طليعة أولوياته: تصفية المقاومة ونزع سلاحها بصورة كلية، وإرادةُ حصارِ مظاهر التدين وفرض حالةٍ من التغريب على أبناء غزة بدعوى «الانفتاح» أو «محاربة الإرهاب» أو دعوى «تعايش الأديان» في المنظور القريب.
ومثله، ما نراه من ممارسة بربرية في بلاد السودان؛ تشبه تمامًا ما يحدث في غزة، لكن بعيدًا عن كاميرات الإعلام. والتي أُزهِقت فيها النفوس، وانتهكت الأعراض، وسُبيت العفيفات، ودُمرت الأحياء باسم «حرب الكيزان» وتصفية الحركة الإسلامية، وتحت ذرائعٍ تفكيك الجيش السوداني بحجة كونه جيشا يسيطر عليه الإسلاميون. وهاتان الحالتان مجرد مثالٍ، والجامع في كلِّها تفريغ القدرة على المقاومةِ، ونزع السلاح، وكسر الإرادة في كل مكان.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل طالت الضغوط مظاهرَ التدين في كثير من مجتمعات المسلمين: ابتداءً بالمساجد وأنشطتها، وأصوات قرّائها وخطبائها، ومرورًا بالشعائر كالأضحية، وتعليقًا بالاحتساب، وتصدير بعض الفرق والشخصيات الزائغة في قائمة طويلة يسعى من خلالها إلى تبديل مظاهر الخير بالشر، والمعروف بالمنكر، والسنة بالخرافة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل حوصرَت الدعوةُ، فحُجِمَت الأنشطة الدعوية، وحوُصِرت الوسائلُ، واستُهدِفَ دعاةٌ مؤثرون بالقتل أو الاعتقال أو التهجير أو التضييق في مناطق متعددة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل تمَّ وأدُ التعليم الشرعي الرسمي والأهلي؛ إذ أُغلِقت جامعاتٌ، وأُقفِلَت أقسامٌ، وعُلِّقَت مراكز شرعية، وتغيَّرت مناهجٌ، وحُجِمَت أنشطة، وأُقصِيَ علماءٌ لهم تأثيرهم ومقامهم؛ فبات كثير من مراكز التعليم الشرعي المتبقية خاضعًا لأنصاف متعلمين، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تسطيح التعليم الشرعي والتزهيد فيه، وإلى أميةٍ شرعيةٍ ظاهرةٍ في وسط الأجيال، وبخاصة في تلك البلدان التي اعتمدت شعوبها تلقين الدين لأبنائها عبر المدارس العامة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل حوصر العمل الخيري؛ فأُغلِقت مؤسساتٌ، وجففت مواردٌ، وعُطِّلت مشاريعٌ، وصُودِرت أوقاف وأرصدة، ومُنِع كثيرٌ من العاملين في هذا القطاع، وشوِّه بعضهم بلا وجه حق، وضُيِّقَ عليهم بصورةٍ لم تخطر على بال؛ حتى صار ممارسة العمل الخيري وإتيان ضروب الإحسان في بعض البلدان جنحة يُعاقَب عليها النظام.
وهذا طبعًا غير البلدانِ التي أَشعلَ فيها الغرب وطلائِعه الحروبَ، فاستُهدِفت فيها الحياةُ، وأُريد فيها تصفيةُ الوجودِ فضلًا عن قمعِ الممارسةِ والنشاط؛ إذ أُسقِطت دولٌ، وصفيت مؤسسات، ونُهبت ثرواتٌ، ودُمِّرت مقدَّراتٌ، وهجرت شعوب، وفرضت طلائعُ احتلالٍ على شعوبٍ، وتحول المشهد إلى تقسيمٍ وتمزيقٍ على أسس مناطقيةٍ أو قبليةٍ أو مذهبيةٍ أو فئويةٍ — كلُّ بلدةٍ وما يناسبها — وإلى تفريغٍ لتلك البلدان من الكفاءات، وتعطيلٍ لمؤسساتها التعليمية والتنموية والسيادية، إضافةً إلى ما رافق ذلك من إفقارٍ وتجويعٍ وإضعافٍ وكسرٍ للإرادة وفرض للتخلف، وجعلِ أعزّةِ أهلها أذِلَّة.
هذا في جانبِ تفريغِ أمتنا وتخليتها من جوانب القوة والخير. أما في جانب «الملء والتحلية» فمشاريعُ التغريبِ والتسطيحِ وتغييرِ الهوية قائمةٌ على قدمٍ وساق: من مشاريع هدمِ الأسرة وفرضِ نسويةٍ مدمِّرة، إلى تمكين ما يُسمّى بـ: «الديانة الإبراهيمية» وتعديل المناهج الدينية والاجتماعية لتتلاءم معها، إلى تسهيل المخالفة وتقنين المنكر ومنع الاحتساب، إلى إغراقِ المجتمعات في بحارِ التفاهة ومهاوي الشبهات والشهوات، إلى مشاريع فرضِ التبعية، وإفقار الشعوب، ونهب الثروات، والاستيلاء على المقدرات.
فالاستهداف لهوية الأمة ودينها ومقدراتها كبيرٌ وضخمٌ. ومدخلُ الإصلاحِ كامنٌ بالوعيِ بحقيقةِ هذا المخطط الاستئصالي، وبالتوبة إلى الله والعودة إلى الكتاب العزيز، ومن ثم جمعِ الصفوف وامتلاكِ عناصرِ القوة، والتشميرِ وبذلِ الجهدِ، كلٌّ فيما يحسنُه ويقدِرُ عليه. فالله الله أن يؤتى الإسلام من قِبَل أحدكم.
جعلنا اللهُ هداةً مهتدين، داعين إلى الحقِّ وبه عاملين.
واللهُ الهادي.