رُبَّ معصية أورثت ذلاً و إنكساراً

إذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له بابًا من أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستغاثة به وصِدْق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمْكَن من الحسناتِ ما تكون تلك السيئة به سببَ رحمته

  • التصنيفات: التوبة -

إذا أراد الله بعبده خيرًا فتح له بابًا من أبواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستغاثة به وصِدْق اللجأ إليه ودوام التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمْكَن من الحسناتِ ما تكون تلك السيئة به سببَ رحمته، حتى يقول عدو الله: يا ليتني تركته ولم أُوقِعْه!

وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخُلُ به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار، قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه، خائفًا منه مُشفِقًا وَجِلًا باكيًا نادمًا، مستحيًا مِن ربه تعالى، ناكِسَ الرأس بين يديه، منكسر القلب له، فيكون ذلك الذنب سببَ سعادة العبد وفلاحه، حتى يكون ذلك الذنب أنفَعَ له من طاعاتٍ كثيرة بما ترتَّب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه، حتى يكون ذلك الذنب سببَ دخوله الجنة.

ويفعل الحسنة فلا يزال يمُنُّ بها على ربِّه، ويتكبَّر بها، ويرى نفسه، ويُعجَب بها، ويستطيل بها، ويقول: فعلتُ وفعلتُ، فيورثه ذلك مِن العُجْب والكِبْر والفخر والاستطالة ما يكون سببَ هلاكه.

فإذا أراد الله تعالى بهذا المسكين خيرًا ابتلاه بأمرٍ يكسره به، ويُذِلُّ به عنقه، ويُصغِّر به نفسَه عنده. وإن أراد به غير ذلك، خلَّاه وعُجْبَه وكِبْرَه، وهذا هو الخذلان الـمُوجِب لهلاكه؛ فإنَّ العارِفين كلهم مجمعون على أنَّ التوفيق: أن لا يَكِلَك الله إلى نفسك، والخذلانَ: أن يَكِلَك الله تعالى إلى نفسك.

فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الذل والانكسار، ودوامَ اللجأ إلى الله تعالى والافتقار إليه ورؤية عيوب نفسه وجَهْلِه وظُلْمها وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجُوْده وبِرِّه وغِنَاه وحَمْده.

فالعارف سائرٌ إلى الله تعالى بين هذين الجناحين، لا يمكنه أن يسير إلا بهما، فمتى فاته واحدٌ منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.