ألا أيها القلب اللاهث عطشاً
ألم تتعب بعد من تلبيسات الشيطان؟
عجباً لمن يداوي العذاب بعذاب!!
ومن يتقي الرمضاء بلهيب!!
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
كتب أ - محمد مزيردة
"ألا أيها القلب اللاهث عطشاً تركض في متاهات
الضلال بين جفاف وجفاف.
ألم تتعب بعد من تلبيسات الشيطان؟
عجباً لمن يداوي العذاب بعذاب!!
ومن يتقي الرمضاء بلهيب!!
فيا أيها الفتى اليائس المريض هذا بحر القرآن
العذب الفرات أمواجه لك مغتسل بارد وشراب
فادخل بصدرك في عبابه الثجاج واشرب"
فريد الأنصاري | مجالس القرآن.
هذه بالفعل قولة بليغة (مقولة أو نثر بليغ) وجامعة للدكتور فريد الأنصاري رحمه الله، وليست أبياتًا شعرية موزونة على البحر (الشعر العمودي التقليدي).
الأسلوب هنا هو أسلوب النثر الفني الرفيع أو الخطاب الوعظي العميق الذي يتميز بقوة الصورة والتناغم اللفظي والقافية الداخلية، مما يجعله قريبًا جدًا من وقع الشعر في الأذن والقلب.
تُعبّر هذه الكلمات عن صرخة روحانية عميقة ودعوة صادقة للعودة إلى معين القرآن الكريم، وهي تلخّص بعمق رؤيته لرحلة الإنسان في الحياة.
* "ألاَ أيُّها القَلبُ اللَّاهِثُ عَطشًا، تَركضُ فِي متَاهاتِ الضَّلالِ بينَ جَفافٍ وَجفَافٍ.. ألمْ تَتعَب بَعدُ مِن تَلبيسَاتِ الشَّيطان؟!"
القلب اللاهث عطشاً: يصور القلب الإنساني الذي أنهكته الدنيا، يلهث بحثًا عن السعادة والارتواء في غير موضعه.
متاهات الضلال: هي الدنيا وملذاتها الزائفة، التي لا تُزيد القلب إلا قحطًا وجفافًا روحيًا.
تلبيسات الشيطان: هي الخدع والأوهام التي يتبعها الإنسان ظنًا منه أنها ستجلب الراحة، بينما هي تزيد العناء.
* "عَجبًا لِمنْ يُداوِي العَذابَ بعَذابٍ! ومَن يتَّقِ الرَّمضاءَ بلَهيبٍ!"
* استفهام تعجبي استنكاري، يصف حال من يلجأ إلى الخطأ لمعالجة خطأ آخر، أو من يحاول اتقاء حرارة الرمل الشديدة {الرمضاء} بالنار المستعرة {بلهيب}، في إشارة إلى أن الحلول الدنيوية للأمراض الروحية لا تزيد إلا اشتعالاً.
* "فيَا أيُّها الفَتَىٰ اليَائٍس المَريضٍ، هَذا بَحرُ القُرآن العَذبٌ الفُراتٌ، أمَواجهُ لكَ مُغْتَسلٌ بَاردٌ وَشَرابُ.."
* دعوة للمتعب واليائس.
بحر القرآن العذب الفرات: تشبيه بديع للقرآن بالبحر المتدفق ماؤه العذب الشديد العذوبة {الفرات}، وهو مصدر الحياة والارتواء.
مُغتسلٌ باردٌ وشرابُ: يؤكد على وظيفته المزدوجة: تطهير للقلب والجوارح {مغتسل}، وشفاء وري للعطش الروحي {شراب}.
* "فَادخُل بِصَدْركَ فِي عَبابهِ الثَّجَّاج وَاشْرَب، لَا حُزن يَبقَىٰ والقُرآن يُتلَىَ"
ادخل بصدرك: دعوة إلى الغوص الكلي والعميق بالقلب والفكر.
عبابه الثجَّاج: عباب البحر هو أمواجه المتلاطمة، و{الثجَّاج} يعني (كثير الانصباب)، أي انغمس في أمواجه المتدفقة.
لا حزن يبقى والقرآن يتلى: خاتمة جامعة تؤكد على الوعد الإلهي بأن الطمأنينة والسكينة لا تزولان مع تلاوة وتدبر كلام الله.
تكمن قوة هذه القولة في استخدامها الاستعاري العميق والمنظم، حيث تنتقل من صورة الصحراء القاحلة والظمأ المهلك (الضلال، الجفاف، الرمضاء) إلى صورة البحر المرتوي والحياة المتدفقة (بحر القرآن، العذب الفرات، المغتسل البارد، العباب الثجاج).
إنها دعوة مؤثرة من ثلاثة محاور:
1. التشخيص الأليم: وصف دقيق لحالة القلب التائه والمرهق من صراعات الدنيا ({القلب اللاهث عطشاً}.
2. الاستنكار العقلاني: التعجب من محاولة علاج الألم بالمزيد من الألم (علاج العذاب بالعذاب واتقاء الرمضاء باللهيب).
3. الحل الإلهي: تقديم القرآن الكريم كـ ({البحر} و{الشراب} و{المغتسل} الوحيد الذي يحقق الشفاء التام والراحة الدائمة.
جمعت القولة بين أسلوب الوعظ المؤثر وعمق الفكرة، مما جعلها من أشهر وأجمل مقتبساته الروحانية.