فصول مهمة في التواصي بالحق

محمد بن علي بن جميل المطري

فوصية الله سبحانه للأولين والآخرين أن يتقوه، كما قال تعالى: {{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}} [النساء: 131]،

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -

 

المقدمة

الحمد لله الذي خلق فسوّى، وقدَّر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله هو خيرٌ وأبقى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله من اتَّبَعه اهتدى، ومن رغب عن سنته ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أُولي التُّقى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فوصية الله سبحانه للأولين والآخرين أن يتقوه، كما قال تعالى: {{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}} [النساء: 131]، والدين النصيحة، ولا نجاة من الخسران إلا بالتواصي بالحق كما قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}} [العصر: 1 - 3]، وهذه فصول مهمة في التواصي بالحق، أسأل الله أن ينفع بها المسلمين والمسلمات، وأن يكفينا شر الشهوات والشبهات، وأن يرزقنا الثبات على دينه حتى الممات.

كمال الشريعة الإسلامية وشمولها

الله سبحانه خلقنا وهو أعلم بما يُصلحنا في أمور ديننا ودنيانا، {{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}} [المائدة: 49، 50]، وقد ظهر بين المسلمين أقوامٌ يسعون إلى فصْلِ الدين عن الدنيا، فيزعمون أن الله يُشرِّع للدين، والإنسان يُشرِّع للدنيا، وهذا ضلال مبين، حيث جعلوا هناك مشرِّعين متعددين، والتشريع حق لله وحده، وخلاصة الإسلام شيئان:

عبادة الله وحده، وتحكيم شرعه في جميع الأمور الدينية والدنيوية، وأكثر الناس لا يعلمون ذلك، كما قال الله تعالى: {{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} } [يوسف: 40]، وكما لا يرضى الله بعبادة غيره لا يرضى بتحكيم غير شريعته كما قال سبحانه: {{وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}} [الكهف: 26]، والشريعة كاملة شاملة لجميع أمور الحياة، وافية بجميع الأحكام التي تحتاج إليها الأمم في تدبير شئونها وتنظيم حياتها، صالحة لمسايرة الحياة في جميع تطوراتها ومراحل تقدمها ورُقِيِّها، تزودها في كل عصر وكل جيل بما يكفل لها السعادة، ويسبغ عليها السلام والأمن، والشريعة تنظم الأحوال الشخصية والمعاملات المالية وكل ما يتعلق بالأفراد، وتنظم شئون الحكم والإدارة والسياسة وغير ذلك مما يتعلق بالجماعة، كما تنظم علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر في الحرب والسلم.

وما سكَتَ الوحيُ عن تفصيلِهِ فلأهلِ الاجتهادِ تفصيلُهُ؛ بشرط ألَّا يُصادِمَ حكمًا ثابتًا، فإن الشريعة الإسلامية جاءت بقواعد وأصول كلية تندرج فيها كل حادثة، وأتت بقواعد عامة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان بما يحقق مصالح الناس على اختلاف الأزمان والبيئات.

والأصل في الشريعة إباحة كل ما ينفع الناس في دنياهم، ما لم يكن هناك ضررٌ على النفس أو على الناس، فالأصل في المعاملات والعقود والسياسات أنها جائزة ما لم تخالف الشرع، وكل ما ينفع الناس ويدفع الضرر عنهم فإنه جائز في الإسلام وإن لم تنص الشريعة عليه خصوصًا، وهو داخل في عموم الأدلة الآمرة بالعدل وترك الظلم ودفع الضرر، نقل ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (ص: 12) عن ابن عَقيل الحنبلي أنه قال: "السياسة ما كان فعلًا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نزل به وحي، ما لم يخالف ما نطق به الشرع".

والشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الضرورات الخمس: الدين والنَّفس والعقل والمال والنسل، وهي شريعة صالحة لكل زمان ومكان، لم تأت لوقت دون وقت، أو لزمن دون زمن، وإنما هي شريعة كل عصر إلى قيام الساعة، ولم تأت الشريعة لجماعة دون جماعة، أو لقوم دون قوم، وإنما جاءت للناس كافة من عرب وعجم، على اختلاف عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم، فهي شريعة كل أسرة، وشريعة كل قبيلة، وشريعة كل جماعة، وشريعة كل دولة، ولا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وذلك بالتمسك بدين الله كما تمسك به أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان.

وقد ظهرت في بلاد المسلمين العديد من التيارات الفكرية والأفكار المنحرفة التي تدعو لفهم النصوص الشرعية من غير رجوعٍ إلى العلماء المتخصصين في علوم الشريعة، ولا يتقيدون بفهم القرآن والسنة على طريقة السلف الصالح من المفسرين والمحدثين والفقهاء، بل يتلاعبون بنصوص القرآن والسنة، ويُحرِّفون معانيهما بما يوافق أهواءهم، ويَدْعُون إلى الفوضى الفكرية التي يسمونها حرية الأفراد في الرأي والتعبير، ويخوضون في كل شيء ولو في غير تخصصهم، ويَدْعُون إلى حرية الاعتقاد والعمل ولو بالكفر بالقرآن والسنة، ورفض أحكام الشريعة أو بعضها!

وظهر لهؤلاء المتلاعبين بنصوص الشريعة أقوالٌ شاذةٌ، وضلالاتٌ شنيعة، مخالفين سبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين الذين أمرنا الله بالإيمان كإيمانهم، واتباع سبيلهم، ويتبع هؤلاء الزائغون المتشابهات ابتغاء فتنة الناس، وابتغاء تحريف شريعة الله سبحانه، وبعضهم وصل به الحال إلى الزندقةِ ومحاربةِ الشريعة، والخروج من الإسلام بدعوى الحرية! {{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}} [النور: 40].

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ... فأولُ ما يجني عليه اجتهادُه

والشريعة الإسلامية جاءت بما يُصلِح الناس في دينهم ودنياهم، وتبيح لكل فرد أن يجتهد في الأمور الدنيوية الخاصة والعامة بما ينفع، فله أن يبني بيته مثلًا بالشكل الذي يُناسبه، ويزرع مزرعته بما يفيده، ويصنع ويخترع ما ينفع الناس، ويصنع طعامه بالطريقة التي يريدها ولو لم يُسبق إليها، فأمور الدنيا لا حرج على من أحدث فيها ما ينفع نفسه وينفع الناس، ولا حرج شرعًا في الاختراعات الدنيوية النافعة، والأصل في المعاملات الدنيوية أنها مباحة، ولا يحرم منها إلا ما حرَّم الله ورسوله، والأصل في العبادات أنها توقيفية لا يجوز منها إلا ما أذِنت به الشريعة، روى البخاري (2697) ومسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ))» ، (في أمرنا هذا) أي: في ديننا، أما أمور الدنيا فلا حرج في فعل ما يُصلِحنا فيها مما لا يخالف الشريعة، روى مسلم في صحيحه (2363) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ))» ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ)) » رواه مسلم (2664)، فالشريعة الإسلامية تأمر الإنسان والمجتمع والدولة بالحرص على كل ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، بشرط أن لا يخالفوا الشريعة، ومن أجاز مخالفة الشريعة في الأمور الدنيوية فقد عصى الله ورسوله، {{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} } {} [الأحزاب: 36].

والأمور الدنيوية كالطب والزراعة والهندسة والصناعات المتنوعة ونحو ذلك الناس فيها أعلم بدنياهم، وهم مأمورون شرعًا أن يفعلوا ما يصلحهم وينفعهم مما لا يخالف الشريعة، فأمور الدنيا خاضعة لأحكام الشرع، ولا تجوز مخالفة الشريعة في الأمور الدنيوية بدعوى المصلحة أو تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان، فالمصلحة الحقيقية في اتباع الشريعة، وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان إنما هو في الأحكام الاجتهادية المبنية على المصلحة أو القياس أو العرف، كمقادير التعزيرات، واختلاف تقدير نفقة المطلقة الحامل بحسب مال الزوج، والأحكام الشرعية الثابتة لا تتغير أبدًا بتغير الزمان أو المكان، والواجب التسليم للنصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم تقديم شيء على طاعة الله ورسوله، كما قال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}} [الحجرات: 1]، وقال سبحانه: {{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}} [النور: 63]، فالله ورسوله لم يُحرِّما شيئًا مما يتعلق بأمور الدين أو الدنيا إلا لمصلحتنا، فيُحرِّمانه لما فيه من مفاسد خالصة أو راجحة، ولا يأمران إلا بما فيه صلاحنا في ديننا ودنيانا، والله أحكم الحاكمين، شرع لنا ما يُصلِحنا في أمور الدين والدنيا، وأطول آية في القرآن هي آية المداينة في أمر المال والتجارة، وذم الله سبحانه قوم النبي شعيب عليه الصلاة والسلام حين أرادوا أن يفعلوا في أموالهم ما يشاءون من غير مراعاة حكم الله فقال سبحانه: {{قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}} [هود: 87]، ومما حرمه الله ورسوله من أمور الدنيا: الربا والقمار والزنا والتبرج والغش في البيوع وموالاة الكفار، فلا يجوز أن نخالف الشريعة في ذلك بدعوى المصلحة!

ومما شرعه الله ورسوله في أمور الدنيا: أحكام الزواج والطلاق والمواريث والبيوع والإجارة والأطعمة والقضاء ونحو ذلك، فلا يجوز مخالفة شريعة الله في ذلك بدعوى المصلحة!

فالمصلحة في اتباع الشريعة، وكل الأمور الدنيوية التي لا تخالف الشريعة كالصناعات المتنوعة والزراعة والطب والهندسة والتكنولوجيا والتقنية وأنواع التجارات المباحة والتراتيب الإدارية وتنظيم مرور السيارات والملاحة الجوية والبحرية وغير ذلك نحن مأمورون بالاجتهاد في فعلها بما يُصلِحنا، ومأمورون بالتعاون في إنجاحها وتطويرها، ومن الواجبات الكفائية على الأمة تعلم العلوم الطبيعية وإتقان الأمور الدنيوية حتى لا تحتاج الأمة لأعدائها فيما تستطيع تعلمه وعمله، قال الله تعالى: {{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} } [المائدة:2]، وقال عز وجل: { {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}} [التوبة:105].

الوسطية المشروعة

جعل الله سبحانه الشريعة سمحة سهلة، ليس فيها حرجٌ على العباد، ولم يأمرنا الله سبحانه إلا بما نستطيعه، قال الله تعالى: {{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} } [البقرة: 286]، وقال سبحانه: { {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}} [التغابن: 16]، وقال تبارك وتعالى: { {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} } [الحج: 78]، وقال عز وجل: {{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}} {} [البقرة: 185]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «((يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا)) » رواه البخاري (69) ومسلم (1734) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا)) رواه البخاري (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ولا يعني التيسير ترك الاستقامة، فإن الله سبحانه يقول: {{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}} [هود: 112]، فعلى المسلم أن يستقيم كما أمره الله، لا كما تهوى نفسه، ويحرص على السداد بإصابة الكمال، فإن لم يستطع الكمال فليقارب بقدر استطاعته، وليحذر من الطغيان بالغلو والتشدد أو بالتميع وترك الاستقامة كما أمر الله، وخير الأمور أوسطها، والوسطية في الإسلام هي الوسطية بين باطل الغلو وباطل التميع، وليست الوسطية المشروعة الوسطية الباطلة التي يقع فيها المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيكونون بين أهل الحق وأهل الباطل، كما قال الله عنهم: {{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}} [النساء: 143]، فالوسطية المشروعة هي التمسك بالحق، واتباع الشريعة ليس تشددًا، بل هو تمسك مشروع، وهذه الوسطية هي الطريقة المرضية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، التي لا إفراط فيها ولا تفريط، وفيها الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، وفيها إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه، كما قال الله تعالى: {{وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} } [القصص: 77]، وعلَّمنا الله سبحانه أن ندعوه فنقول: {{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}} [البقرة: 201]، وروى البخاري (1974) ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ((إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)) » لزورِك أي: لضيفك.

فالإسلام جاء بمراعاة حاجة الروح والجسد، والجمع بين الدين والدنيا، مع تغليب الدِّين لأنه الأبقى، ومن القواعد الشرعية في التيسير على العباد:

لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة، ولا مكروه مع الحاجة، والمشقة تجلب التيسير، والحاجة لها أثرٌ في إباحة الرخص الشرعية.

فالحج مثلًا لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلًا، والقيام في الصلاة ركنٌ على القادر، فمن عجز عن القيام سقط عنه وجوب هذا الركن، والضرورات تبيح المحظورات بقدر الضرورة، كمن لم يجد طعامًا إلا ميتة، فليست الميتة حرامًا على المضطر، ويجوز له أن يأكل منها بقدر حاجته بلا زيادة، وتزول الكراهة بسبب الحاجة، فمثلًا يُكره الشرب قائمًا، لكن من احتاج إلى الشرب حال القيام لعدم وجود مكان مناسب للجلوس أو لزحمة الناس فليشرب قائمًا ولا كراهة، والسفر يُبِيح للصائم أن يفطر لأنه قد يشق عليه الصوم حال السفر، ويجوز الجمع بين الصلاتين عند الحاجة إلى الجمع كالمسافر أو المريض أو عند المطر كما ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، وهكذا يسر الله على عباده كما وعد رسوله بقوله: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى: 8]، فالحمد لله على تيسيره.

تتبع الرخص الاجتهادية

قال النبي صلى الله عليه وسلم « ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ))» رواه البخاري (52) ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث في كتابه جامع العلوم والحكم (1/ 194): "معناه: أن الحلال المحض بيِّنٌ لا اشتباه فيه، وكذلك الحرام المحض، ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس، هل هي من الحلال أم من الحرام؟ وأما الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك"، فعلى المسلم أن يسأل أهل العلم فيما يُشكِل عليه، وأن يحتاط لدينه فيما يختلف فيه العلماء من المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص صريح بلا معارض ولا إجماع، فيستفتي من يثق بعلمه، ويحرص على اتباع الدليل إذا ظهر له، ولا يتبع هواه، قال الله تعالى: { {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} } [النساء: 59]، فأمرنا الله أن نَرُدَّ جميع خلافاتنا الدينية والدنيوية إلى كتابه وسنة رسوله، ولا حرج على العامي أن يأخذ بقول عالم في المسائل الاجتهادية إذا لم يعلم أنه خطأ، من غير أن يقصد تتبعٍ رخص العلماء، ولا اتباع زلات بعضهم وشذوذاتهم المخالفة للأدلة، ويجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، وأن يحرص على رضا الله في جميع أموره، وقد جعل الله المسائل المختلَف فيها اختبارًا لعباده؛ لينظر كيف يعملون، وماذا يختارون، فمن اتقى الله فلا إثم عليه ولو أخطأ مجتهدًا أو مقلدًا لعالم مجتهد، كما قال الله تعالى: {{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} } [الأحزاب: 5]، وعلَّمنا الله  سبحانه أن نقول في دعائنا: { {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286]، قال الله كما في الحديث الصحيح: ((قد فعلتُ)) رواه مسلم (126) من حديث ابن عباس  رضي الله عنهما.

والرُّخص الشرعية الثابتة بالكتاب أو السنة لا بأس بالأخذ بها، فالله يحب أن تُؤتى رُخَصه كما يحب أن تُؤتى عزائمه، مثل القصر والفطر في السفر، والجمع بين المغرب والعشاء للمطر، وأما الأخذ برخص المذاهب الفقهية الاجتهادية لمجرد الأخذ بالأيسر، دون مرجح شرعي، ودون تقليد العامي لمن يثق بعلمه، بل على سبيل التشهي واتباع الهوى؛ فهذا النوع لا يجوز شرعًا، وقد ذم العلماء من يتتبع رُخَص العلماء بلا دليل، روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 927) بإسناده عن التابعي الجليل سليمان التيمي قال: (لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله)، قال ابن عبد البر: "هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا والحمد لله".

وقال ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (5/ 68): "قومٌ بلغت بهم رِقةُ الدين وقِلةُ التقوى إلى طلب ما وافق أهواءهم في قول كل قائل، فهم يأخذون ما كان رخصة من قول كل عالم مقلدين له، غير طالبين ما أوجبه النص عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم".

وقال أبو حامد الغزالي في المستصفى (ص: 374): "ليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده فيتوسع". 

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 90): "عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له، ومن تتبع رُخص المذاهب وزلات المجتهدين فقد رقَّ دينُه".

وقال الفتوحي في شرح الكوكب المنير (4/ 577): "ويحرم على العامي تتبع الرخص، وهو أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها، ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب. ويفسق بتتبع الرخص، لأنه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحدٌ من علماء المسلمين، قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا".

وجاء في فتاوى الشبكة الإسلامية (18/ 386، بترقيم المكتبة الشاملة): "عند اختلاف العلماء على المسلم إن كان له نظرٌ في الأدلة أن يتَّبع مِن أقوالهم ما كان أظهر صوابًا وأرجح دليلًا، مع ترك التعصب للأئمة وتقديم أقوالهم على نصوص الشرع، مع إنزالهم منزلتهم اللائقة بهم، والاستفادة من اجتهاداتهم في فهم نصوص الشرع، مع الحذر من تتبع رخص الأقوال، والترجيح بالتشهي بما يناسب هوى المستفتي، بحجة أن في المسألة أقوالًا، فمجرد الخلاف ليس دليلًا. أما إن كان عاميًّا ـ أي غير متخصص في علوم الشريعة، ولا له نظر في الأدلة ـ فإنه لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من اتفق له ممن هو من أهل العلم والورع من غير ترخص. قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: (فإن قال قائل فكيف في المستفتى من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عُقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقلٌ يقصر عن هذا، وفهمُه لا يكمل له، وسِعَه التقليد لأفضلهما عنده) انتهى. وقال النووي في روضة الطالبين: (وليس له التمذهب بمجرد التشهي، ولا بما وجد عليه أباه، والذي يقتضيه الدليل أن العامي لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتفق، لكن من غير تلقط للرخص) والله أعلم".

وصية قرآنية

قال الله سبحانه: { {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}} [يونس: 57، 58]، يبين الله لنا في هذه الآية الكريمة فضلَ القرآنِ الكريم، وعظيمَ أثرِه وبركتِه، فهو موعظة من الله، وهو كتاب حكم وهداية، وقد أمَرَنا الله بالإقبال على كتابه، قراءةً واستماعًا، وتعلمًا وتدبرًا، وعملًا وتحاكمًا؛ ليرحمنا الله في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: { {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}} [الأعراف: 203، 204]، وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، فكل ما نحتاج إليه بينه الله في القرآن العظيم نصًا أو دَلالةً أو استنباطًا، عَلِمه من علِمه، وجَهِله من جهِله، قال الله عز وجل: {{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}} [ص: 29] أي: ليتذكر أصحاب العقول بالقرآن ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.

وقد فصَّل الله آياتِ القرآنِ لعل الناسَ يتوبون إلى الله، ويرجعون إلى الحق، كما قال الله سبحانه: {{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}} [الأعراف: 174].

والقرآن يهدي من تدبره واتبعه إلى الحق، في جميع الأمور الدينية والدنيوية، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، كما قال الله تعالى: { {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}} [الإسراء: 9] أي: يهدي الناسَ لأحسن الخصال في كل الأمور، فهو هداية للأفراد والأسر، والمجتمعات والدول، في جميع الأحوال.

والناس من غير القرآن غرقى في الكفر والضلالات، ومن رحمة الله بعباده أن جعل كتابه حبلًا ممدودًا من السماء إلى الأرض، وأمرنا بالتمسك به تمسك الغريق، فإن تمسكنا به نجونا وسعِدنا، وإن تركناه هلَكْنا وخسِرنا، قال الله عز وجل: { {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}} [آل عمران: 103]، فيجب على المسلم أن يتمسك بالقرآن تمسك الغريق، فهو طريق النجاة، فالقرآن نورٌ وهدايةٌ ورحمةٌ في الدنيا والآخرة لكل من آمن به واتبعه، فيه السعادة والطمأنينة، فيه الخير والبركة، فيه الأمر بعبادة الله وحده، والأمرُ بطاعته وطاعةِ رسوله، والأمر بالتأسي به، وفيه الأمرُ بالعدل والإحسانِ، وفيه الأمر بالرحمة بالخلق، وفيه الحث على صالح الأخلاق ومحاسن الآداب، فبالقرآن الكريم تسعد البشرية، وتنجو من الضلالات والهلاك في الدنيا والآخرة، وهو طريق الفوز بالجنة.

والقرآن ليس كغيره من الكتب تكتفي بقراءته مرة أو مرتين، فلا بد أن تأخذه بقوة، وتقرأ كل يوم منه ما تيسر، فهو حياة القلوب، ونور الصدور، ولا استقامة إلا بالتمسك به، كما قال الله سبحانه: { {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}} [التكوير: 27، 28]، ولم يعذر الله أحدًا في تلاوة كتابه فقال عز وجل: {{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} } {} [المزمل: 20]، وقد أمر الله بترتيله فقال تعالى: {{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} } [المزمل: 4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ)) » رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أبو داود من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام: «((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)) » رواه البخاري من حديث عثمان رضي الله عنه، فتعلم القرآن تلاوة وحفظًا وتفسيرًا، واعلم أنك مهما عظَّمت القرآن فهو أعظم مما يخطر ببالك، فهو كلام الخالق سبحانه، فتمسك بالقرآن، وأقبل على تلاوته وتعلمه بقوة ونشاط، فالقرآن مشروع حياة، فكن مع القرآن حتى تلقى الله، فهو خيرٌ مما يجمعون من متاع الدنيا الفانية.

وصية نبوية

أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالأخذ بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده فقال: «((إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ))» رواه الترمذي وصححه من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.

وهذا الحديث يبين وجوب اتباع السنة النبوية؛ لأنها المبينة للقرآن الكريم، كما قال الله تعالى: {{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}} [النحل: 44]، أي: لِتُبيِّن للناس بالسُّنَّة القولية والفعلية معاني القرآن وأحكامه، وفي الحديث الأمر بالتمسك بما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله عنهم، فهم أعلم الأمة بدين الله، فقد علَّمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكتاب والحكمة، ففهمهم تطبيق عملي للقرآن والسنة؛ ولذا حرص العلماء على تدوين أقوالهم وفتاواهم، وكذا أقوال التابعين الذين أخذوا العلم عنهم، ولا يخفى على المسلم العاقل فضل علم السلف على علم الخلف، فهم أوسع علمًا بالشريعة، وأكثر ورعًا، وأقل تكلفًا، وقد أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) » رواه البخاري (2652) ومسلم (2533) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأفضل السلف علمًا وعملًا وفضلًا وتقى وشرفًا: الصحابة رضي الله عنهم الذين أمر الله تعالى من بعدهم بأن يستغفروا لهم، وأثنى على الذين يتبعونهم، قال الله سبحانه: { {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} } [الحشر: 10]، وقال عز وجل: { {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} } [التوبة: 100]، وأخبر الله سبحانه أنه لا هداية لغيرهم إلا بالإيمان كإيمانهم فقال سبحانه: {{فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا}} [البقرة: 137]، فمن سلك سبيل الصحابة واتبعهم بإحسان فقد اهتدى، ومن سلك غير سبيلهم، ودخل في الأهواء والبدع، والتنطع والغلو، وكثرة السؤال والجدال، والقيل والقال؛ فليس على الهدى، وإجماع السلف الصالح حجة قاطعة لا تجوز مخالفتهم فيه، واختلافهم رحمة واسعة يسوغ الاجتهاد في الترجيح فيه، والأمر الذي يذهب إليه أكثرهم في المسائل العلمية والعملية المختلف فيها هو الراجح غالبًا، فالعلم النافع هو المشهور الذي يتناقله العلماء فيما بينهم.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (اتَّبِعُوا ولا تَبتَدِعوا؛ فقد كُفْيتُم) رواه الدارمي في سننه (205).

وقال التابعي الجليل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله: (ليس من العلم ما لا يُعْرَف، إنما العلم ما عُرِف، وتواطأت عليه الألسن) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 376).

وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: (شرُّ العلم الغريب، وخيرُ العلم الظاهر الذي قد رواه الناس) رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (1292). 

من وصايا الصحابة والتابعين وأتباعهم

١- روى الدارمي في سننه (145) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «عليكم بالعلم قبل أن يُقبَض، وقبضُه أن يُذهَب بأصحابه، عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يُفتقَر إلى ما عندَه، إنكم ستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم! فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وإياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق» أي: الأمر القديم قبل حدوث البدع.

٢- روى الدارمي في سننه (220) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «يهدم الإسلام: زَلَّة العالِم، وجدال المنافق بالقرآن، وحكم الأئمة المضلين».

٣- روى اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (126) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: «كُلُّ بدعةٍ ضَلالةٌ وإن رَآها النَّاسُ حَسَنةً».

4- روى ابن بطة في كتاب الإبانة الكبرى (136) عن التابعي الجليل أبي العالية قال: (تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتم الإسلام فلا ترغبوا عنه يمينًا ولا شمالًا، وعليكم بالصراط المستقيم، وعليكم بسنة نبيكم، والذي كان عليه أصحابه، وإياكم وهذه الأهواء التي تُلقي بين الناس العداوة والبغضاء).

5- روى أبو نُعَيم في حلية الأولياء (6/144) عن الأوزاعي قال: (اصبِرْ نَفسَكَ على السُّنَّة، وقِفْ حَيثُ وقَفَ القَومُ، وقُلْ بما قالوا، وكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عنه، واسلُكْ سَبيلَ سَلَفِك الصَّالِحِ؛ فإنَّه يَسَعُكَ ما وَسِعَهم).

من وصايا العلماء

قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله المتوفى سنة 489 هـ في آخر كتابه الانتصار لأصحاب الحديث (ص: 81 - 83): "اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل؛ فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعًا للمعقول، وأما أهل السنة قالوا: الأصل الاتباع، والعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم، ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال مَن شاء ما شاء، ولو كان الدين بُنِي على المعقول وجب ألا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا شيئًا حتى يعقلوا، ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذِكر صفات الله عز وجل، وما تُعُبِّدَ الناسُ به من اعتقاده، وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم ونقلوه عن سلفهم إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذِكر عذاب القبر، وسؤال الملَكين، والحوض، والميزان، والصراط، وصفات الجنة، وصفات النار، وتخليد الفريقين فيهما؛ أمورٌ لا ندرك حقائقها بعقولنا، وإنما ورد الأمرُ بقبولها، والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئًا من أمور الدين وعقلناه وفهمناه فلله الحمد في ذلك والشكر، ومنه التوفيق، وما لم يمكِنَّا إدراكَه وفهمَه، ولم تبلغه عقولُنا؛ آمنا به، وصدقنا، واعتقدنا أن هذا من قِبَل ربوبيته وقدرته، واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته، وقال تعالى في مثل هذا: { {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}} {} [الإسراء: 85]، وقال الله تعالى: {{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}} [البقرة: 255] ... وإنما علينا أن نقبل ما عقلناه إيمانا وتصديقا، وما لم نعقله قبلناه تسليما واستسلاما".  

وقال ابن تيمية المتوفى سنة 728 هـ كما في مجموع الفتاوى (17/ 444): "العقل الصريح دائمًا موافقٌ للرسول صلى الله عليه وسلم لا يخالفه قط، لكن قد تقصُر عقولُ الناسِ عن معرفةِ تفصيلِ ما جاء به، فيأتيهم الرسولُ بما عجزوا عن معرفته وحاروا فيه، لا بما يعلمون بعقولهم بطلانَه، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم تُخبِر بمحارات العقول، لا تُخبِر بمحالات العقول، فهذا سبيل الهدى والسنة والعلم". 

وقال ابن حجر المتوفى سنة 852 هـ في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري (13/ 253): "ثبت عن مالك أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية، وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلًا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرهًا، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل! فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف".

منزلة العقل في الإسلام

شريعة الإسلام تحافظ على العقل، وتنهى عن كل ما يزيله ويؤثر فيه كشرب الخمر، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعو إلى استعمال العقل والتفكر والاعتبار كقوله تعالى: {{أَفَلَا تَعْقِلُونَ}} [الأنعام: 32]، والشريعة الإسلامية تهتم بالعقل، وترفع منزلتَه ومكانتَه، وتأمر باستعماله فيما يفيد العباد، وباجتماعِ النقلِ الصحيح من القرآن والسنة والعقلِ الصريح تُدْرَكُ الحقائقُ الشرعيَّةُ؛ فلا النقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ العَقْلِ، ولا العقلُ وحده يُفِيدُ فاقدَ النَّقْل، فلا بد من اجتماعهما، وبنقصِ واحدٍ منهما تَنْقُصُ المعرفةُ بالحَقّ، وليس في القرآن والسنة ما يخالف العقل أصلًا.

ويجب اتباع الوحي وعدم الاستغناء عنه بالعقل وحده، ومَنْ قال: إِنَّهُ يَهتَدِي إلى الله بعقلِهِ المُجرَّدِ بلا وحيٍ فهو كمَنْ قال: إنَّهُ يَهْتَدِي إلى طريقِهِ في الظلام بعينِهِ بلا نور! فلا ينتفع الإنسان بعينيه في الظلام، ولا ينتفع بعقله في ظلمات مخالفة الشريعة، فلا هداية إلا لمن اتبع الوحي، ومن لم يتبعه فقد ضل ضلالًا مبينًا.

واعلم - أيها المسلم وأيتها المسلمة - أن عقلك له حدود كما أن بصرك وسمعك له حدود، فلا تُكابِر الشرع بعقلك الناقص الضعيف القاصر، فمهما بلغ الناس من العلم فلم يؤتوا من علم الله الواسع إلا قليلًا، واعلم أن النقل الصحيح لا يعارضه معقولٌ صريح أبدًا.

أسباب الضلال

  1. عدم الاعتصام بكتاب الله، وترك تدبره واتباعه، قال الله تعالى: {{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}} [طه: 123].
  2. الإعراض عن السنة النبوية، قال الله تعالى: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}} [الأحزاب: 36].
  3. عدم الاعتصام بالله، والإعراض عن عبادته، وترك سؤاله الهداية بصدق وإخلاص، قال الله تعالى: { {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}} [آل عمران: 101].
  4. ترك التوحيد، وعدم الإيمان والإخلاص، والوقوع في الشرك والرياء، قال الله تعالى: {{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}} [النساء: 116].
  5. عدم الفهم الصحيح لنصوص القرآن والسنة، للجهل باللغة العربية التي جاءت بها الشريعة، وترك اتباع السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم ومن اتبعهم بإحسان في فهم الدين والعمل به، والابتداع وترك الاتباع، قال الله تعالى: {{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}} [النساء: 115].
  6. الاعتماد على أحاديث وحكايات موضوعة أو ضعيفة، كما قال تعالى: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24]، وقال سبحانه: {{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}} [البقرة: 111].
  7. اتباع الهوى، والتعصب الأعمى، كما قال تعالى: { {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}} [ص: 26].
  8. الإعجاب بالرأي، وادِّعاء تقديم العقل على الشرع، مع أن العقل الصريح لا يخالف الشرع أبدًا، قال الله تعالى: { {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}} [غافر: 83]، وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه. رواه أبو داود (162) بإسناد صحيح.
  9. اتباع الظن، ومن ذلك: ظن السوء بالله ورسوله وشرعه وحمَلةِ دينه من العلماء المفسرين والمحدثين والفقهاء، ومن ذلك: تأويل الآيات والأحاديث بغير ما أُريد بها، قال الله تعالى: {{وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} } [النجم: 28].
  10. كثرة السؤال تنطعًا وتكلفًا، والجدال بالباطل لرد الحق، والتنطع في الدين، والغلو في المتبوعين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ)) » رواه البخاري (7288) ومسلم (1337)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))» رواه النسائي (3057) وابن ماجه (3029) بإسناد صحيح على شرط مسلم.
  11. طاعة الكفار والظالمين والفاسقين، ومصاحبتهم ومحبتهم ومتابعتهم، قال الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} } [آل عمران: 149]، وقال تبارك وتعالى: {{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} } {} [هود: 113]، وقال جل شأنه: {{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} } [الممتحنة: 1].

وصية للرجال

بداية الاستقامة بغض البصر، قال الله تعالى: {{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}} [النور: 30]، وقال سبحانه: {{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} } [الأحزاب: 53].

قال السعدي في تفسيره تيسير الكريم الرحمن (ص: 566): " {{يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}} {} عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، وإلى المردان الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة، وإلى زينة الدنيا التي تفتن، وتوقع في المحذور. {{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}} عن الوطء الحرام في قبل أو دبر، أو ما دون ذلك، وعن التمكين من مسها، والنظر إليها. {{ذَلِكَ}} الحفظ للأبصار والفروج { {أَزْكَى لَهُمْ}} أطهر وأطيب، وأنمى لأعمالهم، فإن مَنْ حفظ فرجه وبصره، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، بسبب ترك المحرم الذي تطمع إليه النفس وتدعو إليه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن غض بصره عن المحرم أنار الله بصيرته، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته، مع داعي الشهوة، كان حفظه لغيره أبلغ، ولهذا سماه الله حفظا، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه، لم ينحفظ، كذلك البصر والفرج، إن لم يجتهد العبد في حفظهما، أوقعاه في بلايا ومحن".

والآية تشمل غض البصر عن الأشياء التي تفتن الإنسان كالنظر برغبة واستحسان إلى الكفار والفسقة وما هم فيه من زهرة الحياة الدنيا، قال الله تعالى: {{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}} [طه: 131]، وقال سبحانه: {{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}} [آل عمران: 196، 197].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ))» رواه مسلم (2963). 

قال ابن القطان الفاسي في إحكام النظر في أحكام النظر (ص: 102): "يُنهى عن النظر الذي يجلب حب الدنيا والغنى".

وقال القرطبي في تفسيره (12/ 223): "البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكل ما يخشى الفتنة من أجله".

فلنتواصى بالحق، ولنتواصى بالصبر، ولنحذر من فتن الشهوات، وما أكثرها في هذا الزمان في القنوات والجوالات! وقد صار كثير من المسلمين والمسلمات ضائعين تائهين غارقين في بحار الإنترنت ووسائل التواصل والبرامج والألعاب والأفلام والمسلسلات، ولا يشعرون أنهم مفتونون، يُبعثرون أوقاتهم في التفاهات، ولا يدرون أنهم سيُسألون عن أعمارهم وشبابهم! ولا يعلمون أنهم يُفتنون فتنة عظيمة بالنظر إلى الكفرة والفسقة الذين يدعونهم إلى النار بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، كما قال الله تعالى: {{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}} [البقرة: 221].

والله سبحانه يختبر كل واحد منا في هذه الدنيا الفانية، وقد أمرنا أن نعبده ونتقيه، وأن نخافه بالغيب، كما قال تعالى: {{لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ}} [المائدة: 94]، وهو المسلم الصالح الذي يخاف الله في خلواته مع تيسر الحرام، فيترك الحرام خوفًا من الله؛ لأنه يعلم أن الله يراه، وقد وعده الله بالمغفرة لذنوبه وقبول حسناته، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك: 12].

ولنتواصى بالثبات على الاستقامة، ولا ننسى أن الدنيا دار ابتلاء واختبار، قال الله تعالى: {{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}} [الكهف: 7]، ولا ينجح في هذا الاختبار إلا من خاف الله واستقام على الهدى، ونهى نفسه عن الهوى، كما قال الله سبحانه: {{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} } [النازعات: 40، 41].

وصية للنساء

عبادة الحجاب وإخفاء زينة المرأة سببٌ لطهارة القلوب والعفاف، فلا طهارة للقلوب ولا سلامة من فِتَن الشهوات إلا بغض الأبصار، وامتثال ما شرعه الله للنساء من حجاب لمصلحة العباد، ولا سعادة للإنسان إلا بالتوبة وطاعة ربه، والحجاب عبادةٌ تؤجر عليه المرأة لامتثالها أمر الله سبحانه، سواء الحجاب الساتر للعورات والمفاتن دون الزينة حال القرار في البيوت، أو الحجاب الساتر للعورات والمفاتن والزينة عند الخروج من البيوت، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله: {{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}} [النور: 31] شققن مروطهن فاختمرن بها) رواه البخاري (4758)، وروى ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2575) عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقًا بكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، لما أُنزلت سورة النور {{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}} [النور: 31] انقلب رجالُهنَّ إليهنَّ يتلون عليهنَّ ما أُنزِل إليهنَّ فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابته، ما منهنَّ امرأة إلا قامت إلى مِرْطِهَا الْمُرَحَّلِ فَاعْتَجَرَتْ به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه)، والمِرْط المرحَّل كِساءٌ فيه نقوش، ومعنى اعتَجَرت به أي: لبسته على رأسها وتخمَّرَت به، وظاهر قول عائشة هذا أنَّ الصحابيات عمِلن بهذه الآية بتغطية صدورهن في البيوت ولو بالكِساء الذي فيه نقوش؛ ولذلك ترحمت عليهن أم المؤمنين عائشة وأثنت عليهن لكمال انقيادهن لأمر الله سبحانه.

ولا يجوز للمرأة أن تتبرج في بيتها أمام النساء والرجال المحارم بإظهار محاسنها ومفاتنها كأعالي الصدر والمنكبين والظهر والبطن والإبطين والجنبين والفخذين، وإنَّ إظهار الشابة مفاتنها لأرحامها أو للنساء ولو في الأعراس إثم كبير، وفتنة عظيمة، وباب شر يجب إغلاقُه، ومنكرٌ عظيم يجب إنكارُه، وقد كان بعض العلماء يمنعون المرأة أن تُظْهِر شعرها لغير زوجها، فكيف بإظهار ما هو أشد فتنة من الشعر؟! قال يحيى بن سلَّام في تفسيره (1/ 441): (حدثنا الحسن بن دينار عن الحسن البصري قال: لا تضع المرأة خمارها عند أبيها ولا ابنها ولا أختها ولا أخيها. وعن ابن عباس قال: لا ينبغي أن يبدو من المرأة لذوي المحرم إلا السِّوار والخاتم والقُرط)، وجاء نحو هذا عن الشعبي والضَّحَّاك وطاووس والزهري، يُنظر: الحجاب في الشرع والفطرة للطريفي (ص: 79، 80، 82)، وأكثر العلماء يجيزون للمرأة في بيتها أن تُظهِر شعرها لأبيها وابنها وإخوتها ونسائها، وهو الأصح، قال ابن القطان في إحكام النظر في أحكام النظر (ص: 239، 240، 380): "الذي تبديه المرأة بمقتضى الآية للأب: الشعر والوجه والكفان والقدمان، أما الزيادة على ذلك فلا أرى لها دليلًا، ... ومَن أجازت الآية التبسُّط بحضرتهم والتكشُّف لهم ليسوا سواء، فابنُ بَعْلِها مِن غيرها ليس كابنها، وأبو بَعْلِها ليس كأبيها، وإخوتها وبنيهم ليسوا كأبيها وابنها ... والبطن والصدر والظهر لا يجوز لأحد ممن ذُكِر في الآية النظر إليه إلا البَعْل" انتهى باختصار.

فلا يجوز للمرأة أن تَظهَر أمام محارمها وأمام النساء بلباس ضيِّق يُحجِّم ثدييها أو يُظهِر أعلى صدرها، ولا تلبس بنطلونًا من غير أن يكون عليه فوطة أو لباس يستر مفاتنها، ولا تلبس لباسًا قصيرًا يُظهِر محاسنها، فمن صفات لباس المرأة الشرعي أن يكون واسعًا فضفاضًا لا يُحجِّم جسمها، ولا يكون شفَّافًا، ولا يكون زينة في نفسه، ولا يكون فيه تشبُّهٌ بالرجال، ولا تشبُّهٌ بالنساء الكافرات والفاسقات.

فلباس المرأة يجب أن يكون شرعيًا، وهو الحجاب الساتر للعورات والمفاتن مع إظهار بعض الزينة حال القرار في البيوت كما في سورة النور: 31، أو الحجاب الساتر للوجه والعورات والمفاتن وجميع الزينة عند الخروج من البيوت كما في آية الجلابيب في سورة الأحزاب: 59، فيجب على المرأة أن تتقي الله سبحانه، وتلبس ما يرضي ربها سواء كانت في بيتها أو خارج بيتها، سواء كانت أمام النساء أو أمام محارمها من الرجال، وتغطية المرأة مفاتنها عند محارمها وعند النساء عبادةٌ تؤجر عليها المرأة، وهو من الحياء، والحياء من الإيمان، وعلى هذا الحياء استمر نساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان، ولم يكن من عادة نساء المسلمين إبداء أعلى صدورهن أو شيءٍ من بطونهن أو ظهورهن أمام الرجال المحارم، ولا أمام النساء إلا لعذر وحاجة كأن تُرضِع طفلها عند النساء، بل إنَّ بعض المرضعات يحرصن على ستر صدورهن عند إرضاع أولادهن أمام النساء، وهذا من الحياء والإيمان، والحياء كله خير.

والواجب على المرأة المسلمة الصالحة أن تتمسك بدينها وحجابها الشرعي، وذلك أطهر لقلبها، وأكمل لأخلاقها، ومن أفضل أخلاق المرأة الحياء، فلا يجوز للمرأة اللباس الضيق أو المقطَّع أو البنطلون من غير لبس ثوب عليه إلا عند زوجها، ولبس الثياب الضيِّقة والمقطَّعة والبناطيل عند المحارم أو عند النساء منكرٌ عظيمٌ انتشر مؤخَّرًا بين كثير من النساء بسبب مشاهدة النساء الكاسيات العاريات في قنوات التلفاز وشاشات الهواتف، وبسبب قلة العلم الشرعي وضعف الإيمان وغُربة الإسلام انتشر هذا المنكر في البيوت، وفي صالات الأعراس والأفراح، وربما في الشوارع والأسواق، والواجب على المسلمة أن تلبس اللباس الساتر لمفاتنها ولو أمام النساء أو أمام أبيها وإخوانها وأعمامها وأخوالها ونحوهم من المحارم الذين يجوز للمرأة أن تُظْهِر لهم الزينة الظاهرة التي تكون في وجهها وكفيها كالكحل والخضاب والخاتم ونحو ذلك من غير إظهار الزينة الباطنة والمفاتن التي لا يجوز إظهارها لغير الزوج.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (17/ 291، 292): "كانت نساء المؤمنين في أول الإسلام يلبسن الثياب الساترة، ولا يُعرَف عنهن التكشف والتبذل عند اجتماعهن ببعضهن أو بمحارمهن، وعلى هذه السُّنَّة القويمة جرى عمل نساء الأمة- ولله الحمد- قرنًا بعد قرن إلى عهد قريب، فدخل في كثير من النساء ما دخل من فساد في اللباس والأخلاق لأسباب عديدة، والواجب على المرأة أن تتخلق بخُلُق الحياء، ومن الحياء المأمور به شرعًا وعُرفًا: تسَتُّر المرأة واحتشامها وتخلقها بالأخلاق التي تُبعِدها عن مواقع الفتنة، ومواضع الرِّيبة، وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تُبدي للمرأة إلا ما تُبديه لمحارمها، مما جرت العادة بكشفه في البيت، وهو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول ونساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا، وتوسعُ المرأة في التكشف عند النساء أو عند محارمها لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة، وهو طريقٌ لفتنة المرأة والافتتان بها، وفيه تشبهٌ بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن" انتهى باختصار وتصرف. 

كتب ورسائل للمؤلف

  1. التسهيل في تدبر جزء عم
  2. التسهيل في تدبر جزء تبارك
  3. فصول مهمة في تاريخ التفسير
  4. فصول مهمة في السنة النبوية
  5. الأحاديث القِصار من الصحيحين
  6. بداية المحدِّث
  7. سيرة أبي هريرة رضي الله عنه والأحاديث الصحيحة التي تفرد بروايتها
  8. مائة آية في فضل الصحابة
  9. عشرون دليلًا من القرآن على إثبات عذاب القبر ونعيمه
  10. عشرون آية قرآنية تدل على إثبات القضاء والقدر
  11. آيات من القرآن الكريم تدل على المرور على الصراط
  12. تدبر آية الأخلاق (70) هداية قرآنية مستنبطة من آية الأخلاق
  13. الخلاصة في تفسير آية الجلابيب والزينة
  14. تقريب الهدايات القرآنية
  15. بيان أسباب النصر والتمكين من القرآن الكريم
  16. مقدمة في علوم القرآن
  17. الآيات الثمان المنسوخة في القرآن
  18. الخطأ في نسبة الأقوال في كتب التفسير (دراسة نظرية وأمثلة تطبيقية)
  19. مقدمة في تخريج الحديث ودراسة الأسانيد
  20. حث الطلاب على الجمع بين علم التفسير والحديث والفقه
  21. من أخطاء بعض طلاب العلم
  22. نصائح مهمة للمبتدئين في طلب العلم
  23. تيسير حفظ أسماء الله الحسنى
  24. تفسير آيات إفساد بني إسرائيل في الأرض مرتين
  25. الكبائر المائة الثابتة في القرآن والسنة
  26. أخلاق المسلم والمسلمة
  27. شخصية المرأة المسلمة
  28. خلاصة أحكام الطهارة
  29. الكفاية في تلخيص أحكام صلاة المسافرين والجمع بين الصلاتين
  30. الكفاية في تهذيب أحكام الزكاة
  31. خلاصة أحكام الصيام
  32. الخلاصة النافعة في أحكام الحج والعمرة
  33. إتحاف الطلاب بتلخيص أحكام الطلاق
  34. فقه الخُلْع
  35. بيان الربا وأحكام بيع الذهب والفضة وصرف العملات النقدية
  36. قصة ذي القرنين
  37. الخلاصة في سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة
  38. قصة نشأة المذاهب الفقهية
  39. قصة نشأة الفرق في الإسلام وأسباب الضلال
  40. ثقافة الطفل المسلم
  41. أشهر العلماء المؤلفين في الإسلام وأشهر كتبهم المطبوعة
  42. الحُفَّاظ الأربعون (تراجم مختصرة لأشهر حفاظ السنة النبوية)
  43. الرد الجميل الـمُجمَل على شبهات المشككين في السنة النبوية
  44. حكم العذر بالجهل
  45. فقه الخطأ وأنواع الخلاف
  46. جامع الدعوات من القرآن والسنة وأدعية الصحابة
  47. خمسون خطبة منبرية
  48. نصيحة صادقة للمتوسعين في التبديع والتضليل
  49. نصيحة صادقة لإخواننا الأشاعرة
  50. اتباع السلف الصالح بإحسان بلا طغيان
  51. هل كل عالم دوَّن طلابُه جميع أقواله ومروياته في العلم؟
  52. لماذا دوَّن العلماء السابقون الأحاديث والآثار الضعيفة؟
  53. الفوائد الصحيحة من الأحاديث الضعيفة
  54. تهذيب كتب الزهد المسندة
  55. الزهد الصغير
  56. متن التاريخ
  57. الورقتان في علم الأنساب
  58. مختارات شعرية من المعلقات السبع
  59. مختارات من لاميتي العرب والعجم
  60. مختارات من مقصورة ابن دُريد

* غالب هذه الكتب والرسائل منشورة في شبكة الألوكة وغيرها من مواقع الإنترنت، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

المحتويات

المقدمة 1

كمال الشريعة الإسلامية وشمولها 2

الوسطية المشروعة 8

تتبع الرخص الاجتهادية 11

وصية قرآنية 15

وصية نبوية 18

من وصايا الصحابة والتابعين وأتباع التابعين. 20

من وصايا العلماء. 21

منزلة العقل في الإسلام 23

أسباب الضلال. 24

وصية للرجال. 27

وصية للنساء. 30

المحتويات.. 39