البيـان الخليجـيّ

حامد بن عبد الله العلي

قال الحقُّ سبحانه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْه توكَّلتْ وإليْهِ أُنِيـبْ} [هود: ٨٨].

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -



قال الحقُّ سبحانه: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْه توكَّلتْ وإليْهِ أُنِيـبْ} [هود: ٨٨].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فنحن الموقّعون على هذا البيان، بعد أنْ رأينا:
1- الموقع البالغ الأهميـّة للخليج العربي، للعالميْن العربي والإسلامي، ثمّ العالم أجمع، ومع ذلك فلا تزال أنظمته السياسية متخلّفـة عن ركب التطوّر البشري، كما لا تزال هويته مهدَّدة، وشعوبه مهمّشة، ومقدّرات أوطانه تضيع أكثرها سُدى، والبونُ شاسع جداً بين ما يمكنه تحقيقه من إنجازات حضارية عظمى لشعوبه خاصّة ولأمّته عامـّة، وبين ما هو عليه من تراجـع كبير على شتّى المستويات!

2- التهديدات الإقليمية: لا سيما من أطماع النظام الإيراني التي بلغت مرحلة الخطورة البالغـة، كما العالمية من المشروع الصهيوغربي، والتي تستوجب التحرُّك السريع لإنقاذه عبر إصلاح شامل داخليّ يُشرك شعوبه في مواجهة التحديّات، ويحفظ مكتسباته لرصيد قوّته الذاتيـة، ويعـزّزها كـي بها يستغني عن الأجنبيّ، لئلاّ يبقى ميدانا مفتوحا دائماً للغرب يستخدمه في لعبـة إدارة الإزمات!

3- التطوُّرات الهائلة التي طرأت على العالم العربي في سياق الربيع العربي، الذي أطلق إرادة الشعوب، وأعاد الاعتبار لثقة الأمّة بذاتها، ووضع حـدّا لتردّي النُظُم السياسيّة في العالم العربي، ذلك التردِّي المتمثّل بمربـَّع: الإستبداد، والتبعيّة للخارج، وانتهاك الحقوق، وهتـك الكرامة الوطنية، وإذلال كرامة المواطنين، وإهدار المقدرات.

مما يستوجب علينا في الخليج أن نسارع بالتحرّك للّحاق بركب التغيير الإيجابي الذي تشهدُهُ أمّتنـا، بل نكون سبّاقين بهذا التحرك؛ لما تتمتّـع به منطقتنا من احتضان لمهد الحضارة الإسلامية، وانطلاق إشعاع نورها للعالم، إضافة إلى ثرواتها التي تتمكن بها من قيادة العالمين العربي والإسلامي نحـو التفوُّق الحضاري العالمي.

نعلـن:
أنـّه قـد آن الأوان لتطوير أنظمة الخليج سياسيّا؛ بحيث تتأهّل لإتحاد يزيدُها قـوّة، ويكون نواة لوحدة عربية أكبـر.

وذلك:
بإطلاق مشروع يقوم على ثلاثة أسس:
أحدها: إصلاح سياسي جذري يجعل الشعب هو مصدرُ السُّلطات، ويقوم على فصْلها، ويتبنَّى مبدأ الشفافية الكاملة بين الشعب والسلطة، ونهج الرقابة على السلطة، في دستور متطوّر يحقـّق كلّ طموحات شعوب الخليج، في إطار يجمع بين الهويّة الإسلامية، ومنجزات العصر.

ثانيا: عدالة إجتماعية يعيش في ظلّها الشّعب كلُّه كريماً، مستفيداً من ثروات وطنه، بإستحقاقات يستمدُّها من اعتزازه بهويّته، وإنتمائه لوطنه.

ثالثا: حقوق مُصانة، وحريّات محترمة، تبدأ من حريّة النقد للسلطة، وتنتهي بحرية الشراكة السياسية الكاملة، وفي بناء الدولة، وتمـرُّ بالسماح بجميع مؤسسات المجتمع المدني، ووسائلها، التي تمنح الشعوب أدوات حماية حقوقها، وحرياتها، وتحميها من الظلم والجور والطغيـان وانتهاك الكرامـة.
وذلك كلُّه تحت مظلّة تكافؤ الفرص التي يتساوى أمامها جميعُ أبناء الوطن الخليجـي.

كما نؤكـّد أنـّه كلّ يوم يتأخـَّر فيه الخليج عن إطلاق هذا المشروع الحضاري الشامل، وعن المسارعة في تحقيقه، يعني اقترابه من السقوط في هاوية الضياع فالدمار، وقد يزول من الخارطـة تماما، ويصبـح نهبـاً للقوى الإقليمية، والدولة المتربّصة بـه.

كما نعلـن أنـّه لا معنى للدعوة لإتحاد أنظمة الخليج بما هي عليه بتفاوت فيما بينها من استبداد سياسي مأساوي، واحتكار وتوريث للسلطة، وتبديد كارثي للثروة، وضياع للهوية، وتهميش للشعوب، وتخلُّف ثقافي، وظلم اجتماعي، وتضييق على الحريّات، فإنّ هذا الإتحاد ليس سوى (تكثير تراكمـي كمّي وكيفي) لكلّ هذه المصائب على شعوب الخليج!

ونحن إذ ندعو إلى إطلاق هذا المشروع تحت عنوان: "نحـو خليج متحدّ حرّ دستوريّ"، فإننا نتطلَّع إلى هدف: تحرير الخليج من جميع صور التخلّف الداخلي، والهيمنة الخارجية، وإخراجه من حالة الإرتهان لخارجه، وإنقاذه من تحويله إلى ميدان دائم للتنافسين الإقليمي والدولي، وإرجاعه إلى دوره الريادي في الأمَّة: رصيداً أساسيا لقضاياها، وقلعةً حصينة لهويّتها، ومنطلقاً قائدا لأهدافها الحضارية العالمية.

وإنَّنـا لندعو إلى حشد الطاقات لإنجاح هذا المشروع، بدءا من اجتماع رموز الإصلاح الداخلية إضافـةً إلى تلك التي أُجبرت على الخروج من الوطن، إجتماعها عليه.

وانتهاءً بتأسيس المؤسَّسات التي تضطلع بوضع أهدافه موضع التنفيذ، ومروراً بمنابر الإعلام التي تنشر هذه الفكرة النيّرة، وترفع مستوى الوعي السياسي لدى شعوب الخليج، وتحشد الدعم لهذا المشروع الحضاري، حتى يُكتب له النجـاح بإذن الله تعالى.

والله وليّ التوفيق، وهو سبحانه حسبنا عليه توكّلنا، وعليه فليتوكّل المتوكّـلون.


تنبيه: ليس إشغال المشهد الثقافي في الخليج سواء الإسلامي وغيره بصراعات جانبية، ومعارك جزئيّة، وملاحقات على مواقف مجتزأة، وإلقاء القضايا الساخنة للجدل والجدال حتى تلك الدينية منها، وإلهاء الساحـة السياسية، والثقافيـة بهـا، إلاّ لإبعـادْ النخـب الفاعلـة، والحالـة الثقافية، عن مشاريع التغييـّر التحريرية التي تُلحق شعـوب الخليج بالربيع العربـي.

وما لم يطلـق الإصلاحيـُّون مشاريع تشكِّل قوالب عظمى، تنصهر فيها الطاقات الإصلاحيّة، لتُحدث تغييرا جذريـّا لا هامشيّا ولا تجزيئيـّا، وليحشدوا لها كلّ القـوى، وليتجاوزوا الإنشغال الدائم بالمعارك الجانبية، فسوف يبقون في دوامة الإلهاء المفتعـل، أو الموظَّف سياسيا، ممن لا يريد بهذه الأمـة خيـراً، إلى أن يورّثوا كلّ تخلّف الحالة الخليجية للأجيال القادمـة.. والله المستعان.


24/02/2012 م