{قال إن فيها لوطًا}

"أهميّة تآزر العلماء والمصلحين فيما بينهم، واهتمامهم بشؤون بعضهم بعضًا، وأن يكون أصحاب الرسالة الواحدة على قلبِ رجلٍ واحد حتى في أحلك الظروف".

  • التصنيفات: القرآن وعلومه -

من الأفكار التي تخرج بها في سورة العنكبوت فكرة أهميّة تآزر العلماء والمصلحين فيما بينهم، واهتمامهم بشؤون بعضهم بعضًا، وأن يكون أصحاب الرسالة الواحدة على قلبِ رجلٍ واحد حتى في أحلك الظروف.

فإبراهيم عليه السلام حين جاءته الملائكة تخبره بحلول العذاب على قوم لوط قال لهم مباشرة {إن فيها لوطًا}، والذي يقرأ هذه الجملة لأول وهلة ستبدو له غريبة، فالملائكة يعلمون أن فيها لوطًا، وإبراهيم يعلم أنهم يعلمون، فما فائدة هذا التساؤل؟

الحقيقة أنه تساؤل آسرٌ في لطفه، وبادرة عظيمة في مقصدها، فإبراهيم ولوط عليهما السلام يشتركان في هم واحد عظيم، وهو همُّ حمل الرسالة الإلهية للناس أجمعين.

هذا الهم المشترك الذي عاش إبراهيم ولوط لأجله هو الذي جعل إبراهيم لا يتمالك نفسه حين سمع خبر إهلاك قوم لوط، فبادر الملائكة بالسؤال: إنَّ فيها لوطًا! لا شك أنه يعلم أنهم يعلمون، لكن لكمال حرصه على لوط الذي يشاركه همَّ الرسالة بادرهم بالسؤال دون تردد.

فأين المسلمون اليوم من كمال شفقة الخليل؟ هل الدعاة والعلماء والمصلحون يحرصون على سلامة بعضهم كحرص الخليل على لوط؟ لقد شاع الحسد والتنافس بين الدعاة مع أنهم أصحاب رسالة واحدة، كلهم يسعون إلى تبليغ الرسالة الإلهية وتجسيدها في المجتمعات الإنسانية، لكن الشيطان ينجح كثيرًا في النزغ بين العلماء والمصلحين، فتجدهم لا يهتمون بمد جسور التعاون فيما بينهم، ولا يسألون عن حال بعضهم بعضًا، وربما يعيش بعض العلماء في ظروف صعبة وتحديات كبيرة ومع ذلك لا تكاد تجد من يلتفت إليه ويسانده من إخوانه العلماء والمصلحين، وبعضهم يأخذه الشيطان إلى أبعد من ذلك فيسعى للإضرار بزملائه من الدعاة والمصلحين بغية أن يتفرّد بشيء من مكاسب الدنيا.

لقد أمرنا القرآن باتباع ملة إبراهيم، وهذه اللفتة الإبراهيمية العظيمة هي بلا شك من ملة إبراهيم، والواجب على المسلمين جميعًا، وبخاصة العلماء والمصلحين، أن يهتدوا بهدي إبراهيم عليه السلام، فيكونوا كالجسد الواحد، فكما أن أهل الباطل أولياء بعض، فالواجب على المصلحين أن يكون أولياء بعض، وقد جعل الله تعالى أول خصائص المؤمنين أنهم يوالون بعضهم بعضًا {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.

______________________________________
الكاتب: نايف بن نهار