حكم بيع السلع في متجر أمازون (أمازون FBA)
أما أخذ الأجرة على التخزين، فهو مقابل منفعة التخزين، فالعقد صحيح إذا كانت كلٌّ من المنفعة والأجرة معلومة...".
- التصنيفات: فقه البيع والشراء -
بيع السلع في متجر أمازون (أمازون FBA).
صورة المسألة: يتيح متجر أمازون للعملاء عرض سلعهم في موقعه[1]، وتخزينها في مخازنه، مقابل أجرة ثابتة، ثم عند طلب المشتري سلعة ما يقوم متجر أمازون بشحنها إليه، مع أخذه أجرة على التغليف والشحن، وزيادة على ذلك يأخذ نسبة من الثمن تختلف بحسب نوعية السلعة.
التخريج الفقهي:
يختلف التخريج باختلاف نوع المعاملة، فوضعُ العميل السلعَ في مخازن متجر أمازون عقدُ إجارة ينتفع العميل منه منفعةَ التخزين، ثم إذا جاء طلبٌ على السلعة، يقوم متجر أمازون بتغليفها وشحنها وهذا عقد وكالة بأجرٍ يُوكل فيه العميل متجرَ أمازون في قضاء حقٍّ ثابت عليه، فتختلف فيه الأجرة تبعًا لاختلاف حجم السلعة.
فإذا باع العميل سلعته من خلال عرضها عن طريق متجر أمازون، فإنه يأخذ نسبة من ثمن السلعة يختلف بحسب نوعية السلعة، وهذا مقابل الدلالة والسمسرة عليها؛ إذ تُعرض هذه السلع في متجره وعلى عملائه.
الحكم على التخريج:
أما أخذ الأجرة على التخزين، فهو مقابل منفعة التخزين، فالعقد صحيح إذا كانت كلٌّ من المنفعة والأجرة معلومة، وإذا نظرنا لحقيقة المعاملة، فإن الأجرة تختلف باختلاف المساحة التي تغطيها سلع العميل؛ إذ تُحسب الأجرة باعتبار حجم تلك المساحة، وهي معلومة عند التعاقد.
أما توكيل متجر أمازون في توصيل السلعة للمشتري يشكَل عليه أنه ليس هناك اتفاق صريح بالوكالة، إنما هو مجرد تفاهم في توصيل سلع العميل لمن يطلبها.
يُجاب عن ذلك: أنه لا يُشترط علم الوكيل بالوكالة كما نصَّ عليه بعض الفقهاء؛ قال في (مغني المحتاج): "ولا يشترط القبول من الوكيل لفظًا؛ لأن التوكيل إباحة ورفع حَجرٍ، فأشبه إباحةَ الطعام، وعلى هذا لا يُشترط في صحة الوكالة علم الوكيل بها"[2]، وقال (كشاف القناع): "وتصح الوكالة ... ولو لم يعلم الوكيل بها"[3]، أو يُقال: إن اشتراك العميل في هذه الخدمة، وعلمه أن الذي سيشحن السلع هو المتجر نفسه، هو تصريح منه بالوكالة، أما بالنسبة لتغليف السلع، فيُشترط أن يكون ما يغلفه المتجر معلومًا وجهة الشحن أيضًا معلومة؛ لأن الجهالة في الإجارة يبطل العقد.
أما ما يأخذه متجر أمازون من نسبة من الثَّمن مقابل عرض السلعة في متجره ولعملائه، فهو أجرة سمسرة جائزة، لكن يشكل عليها أنها بالنسبة وليست أجرًا مقطوعًا، وقد اختلف العلماء في جواز أخذ الأجرة بالنسبة على قولين:
القول الأول: أن الأجرة بجزء شائع (النسبة) لا تجوز.
وهو مذهب الحنفية[4]، والمالكية[5]، والشافعية[6]، ورواية للحنابلة[7].
دليل القول الأول:
وجود الجهالة في الأجرة، ومن شرطها أن تكون معلومة، وهنا تزيد الأجرة بزيادة الثمن، وتنقص بنقصانه، فلم يكن قدرها معلومًا قبل العمل[8].
ونُوقش: لا يُسلم بجهالة الأجر؛ إذ مآل الأجر إلى العلم، فالبيع لا يكون إلا بثمن معلوم، والأجر معلوم نسبته من الثمن، فلا يكون هناك نزاع، وهذا المقصود من شرط العلم بالأجر[9].
القول الثاني: أن الأجرة بجزء شائع (النسبة) جائزة.
وبه قال بعض المالكية[10]، وهو مذهب الحنابلة[11].
دليل القول الثاني:
حديث ابن عمر رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَلَ أهلَ خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع))[12].
وجه الدلالة: أنه عاملهم بجزء مما يخرج من الأرض وهو الشطر – النصف - ومثل ذلك الأجرة بجزء من الثمن[13].
ونُوقِش: بأن عقد النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر كان عقدَ شركة لا إجارة، والشركة عمل في عين تنمَّى بالعمل؛ فيجوز اشتراط العوض كجزء من النَّماء، بخلاف الإجارة[14].
الراجح:
يترجح - والله أعلم – القول بجواز أن تكون الأجرة بالنسبة، وذلك لأمور:
1- دلالة حديث معاملة أهل خيبر، فإنهم لا يعلمون مقدار الخارج، لكن يعلمون ما لهم من الخارج إن زاد، أو نقص.
2- ولأن مآل الأجرة إلى العلم، فالجهالة التي تؤول إلى العلم لا تمنع صحة العقد[15]؛ جاء في المعايير الشرعية: " يجوز أن تكون الأجرة بجزء شائع مثل 10% من الإنتاج، أو من الشيء المكلف بصنعه"[16].
[1] في غالب الأحيان العملاء يأتون بالسلع من متاجر تبيع بالجملة؛ كمتجر علي بابا الصيني.
[2] الشربيني، شمس الدين، (2/ 222).
[3] البهوتي، منصور بن يونس، (3/ 461، 462).
[4] ينظر: ابن مَازَةَ، أبو المعالي، المحيط البرهاني، (7/ 485)، ابن عابدين، محمد أمين، حاشية ابن عابدين، (6/ 63).
[5] ينظر: ابن رشد، أبو الوليد، البيان والتحصيل، (8/ 464)، المواق، محمد بن يوسف، التاج والإكليل، (7/ 518).
[6] ينظر: الهيتمي، أحمد بن حجر، تحفة المحتاج، (6/ 129)، الشربيني، شمس الدين، مغني المحتاج، (3/ 445).
[7] ينظر: ابن مفلح، شمس الدين، الفروع، (7/ 132)، المرداوي، علاء الدين، الإنصاف، (5/ 468).
[8] ينظر: ابن عابدين، محمد أمين، حاشية ابن عابدين، (6/ 63)، ابن رشد، أبو الوليد، البيان والتحصيل، (8/ 464)، الشربيني، شمس الدين، مغني المحتاج، (3/ 445).
[9] ينظر: الأطرم، عبدالرحمن بن صالح، الوساطة التجارية في المعاملات المالية، (ص347).
[10] ينظر: التُّسُولي، أبو الحسن، البهجة في شرح التحفة، (2/ 299).
[11] ينظر: ابن قدامة، موفق الدين، المغني، (7/ 117)، البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات، (2/ 246).
[12] أخرجه البخاري في "صحيحه"، كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه، (3/ 104/ 2328)، ومسلم في "صحيحه"، كتاب المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، (5/26/ 1551) جميعًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، بلفظه.
[13] ينظر: البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات، (2/ 228)، الرحيباني، مصطفى بن سعد، مطالب أولي النهى، (3/ 543).
[14] ينظر: الكثيري، طالب بن عمر، الموارد المالية لمؤسسات العمل الخيري المعاصر، (ص536).
[15] ينظر: الشبيلي، يوسف بن عبدالله، الجهالة التي تؤول إلى العلم، (ص160).
[16] معيار إجارة الأشخاص، رقم (34)، (857).
__________________________
الكاتب: د. عدنان رويشان محمد سويدان
المصدر: الألوكة
