الوصية الجامعة النافعة لأهل القرآن
كلُّ أحاديثِ فضلِ تلاوةِ القرآنِ وحفظِه لا ينالُ العبدُ معناها وثوابَها إلّا بالإخلاص، فإنَّ الله لا يقبلُ من العملِ إلّا ما كان خالصًا لوجهِه الكريم.
- التصنيفات: طلب العلم -
كتب: يزن الغانم
بِسْمِ الله، والصلاةُ والسلامُ على خيرِ مَن تلا كتابَ الله، محمدٍ بنِ عبدِ الله، وعلى آله وصحبِه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
فإنَّ أعظمَ ما يُوصى به حافظُ القرآن أمرانِ جليلانِ جامعانِ:
الأول: الإخلاصُ لله تعالى، ومتابعةُ نيةِ الإخلاصِ وتجديدُها، والإخلاصُ هو ألّا تريدَ بعملِك وتلاوتِك وحفظِك إلّا وجهَ الله ورضاه والجنةَ.
وتلاوةُ القرآنِ وحفظُه من أعظمِ العباداتِ وأجلِّ القُرُبات.
قال الله تعالى: {﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾} [البينة: ٥].
وقال سبحانه: {﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾} [الزمر: ٣].
وتعلمون الحديثَ الطويلَ الصحيحَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثةً أوّلَ مَن تُسعَّرُ بهم النارُ – عياذًا بالله تعالى – وذكر منهم قارئًا للقرآن، فقد قرأه ليُقال: قارئ، وقد قيل.
أراد بذلك الرِّياءَ والسُّمعةَ، وهذا يُنافي الإخلاص.
وأيضًا، كلُّ أحاديثِ فضلِ تلاوةِ القرآنِ وحفظِه لا ينالُ العبدُ معناها وثوابَها إلّا بالإخلاص، فإنَّ الله لا يقبلُ من العملِ إلّا ما كان خالصًا لوجهِه الكريم.
الأمرُ الثاني: المتابعةُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فحاملُ القرآنِ حاملُ رايةِ الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع اللاهين، أو يسهو مع الساهين، بل عليه أن يقتدي برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام خُلُقُه القرآنَ، يُمثِّلُ القرآنَ في حياتِه، لا بمجردِ الحفظِ، وإنّما بحفظٍ وعملٍ.
فلا يُقيمُ حروفَ القرآنِ فقط، بل يُقيمُ حدوده، ويلتزمُ بأوامرِه ونواهيه.
فأنتَ يا حافظَ القرآن، كُن من أحفظِ الناسِ للقرآنِ بالتقوى، بمعرفةِ معانيه، والعملِ به،
فتكونَ من الذين قال الله فيهم:
{﴿ٱلَّذِینَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُو۟لَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾} [البقرة: ١٢١].
وفي تفسيرِ الطبري عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ أي: يتبعونه حقَّ اتباعِه.
وقال: يُحلُّون حلالَه، ويُحرِّمون حرامَه، ولا يُحرِّفونه.
وعن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:
«والذي نفسي بيده، إنَّ حقَّ تلاوته أن يُحلَّ حلالَه، ويُحرَّم حرامَه، ويُقرأ كما أنزله الله، ولا يُحرَّف الكَلِمُ عن مواضعه، ولا يُتأوَّلُ منه شيءٌ على غيرِ تأويلِه».
وختامًا: حافظْ على مراجعةِ ما حفظتَه وسردِه دائمًا، ولا تملَّ من القرآن، فإنَّ القرآنَ لا يُمَلّ.
قال عثمانُ رضي الله عنه: «لو طَهُرَتْ قلوبُنا ما شبعتْ من كلامِ الله عزَّ وجلَّ».
فإنَّ القرآنَ كلامُ الله، وخيرُ كلامِ الله على سائرِ الكلامِ كفضلِ الله على خلقِه.
فلا تملَّ من مراجعته وتكراره، فإنَّ تكرارَه والإكثارَ منه عبادةٌ وقُربةٌ، فكلُّ حرفٍ لك به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، كما في الصحيحِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
أسألُ اللهَ بعزّتِه وجلالِه وعظمتِه وكمالِه أن يجعلَنا من المُخلِصين في القرآن، المتابعين لرسولِه الكريم صلى الله عليه وسلم، وممَّن يتلونه حقَّ تلاوتِه.
وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
