الموت ساجدا
عبد الله بلقاسم الشهري
من المسائل العلمية الدقيقة التي تحتاج إلى تأمل ومزيد عناية من أهل العلم فضلا عن غيرهم، مسألة التفاضل بين العبادات وذلك لتنوع النصوص والأحوال فيها.
- التصنيفات: فقه العبادات -
من المسائل العلمية الدقيقة التي تحتاج إلى تأمل ومزيد عناية من أهل العلم فضلا عن غيرهم
مسألة التفاضل بين العبادات وذلك لتنوع النصوص والأحوال فيها.
والقواعد التي فيها قواعد أغلبية لا تعم كل أفرادها وبعضها فيه نزاع.
ومن ذاك قول بعضهم إنه يتمنى أن يموت وهو يعالج بالمجان ولا يموت ساجدا
ويستشهد بأن الفعل المتعدي أفضل من اللازم
وهذه القاعدة ليست على إطلاقها.
وإلا لكان لازم هذت أن يكون قيام النبي صلى الله عليه وسلم ونوافله وتسبيحه وذكره وصيامه وقراءته القرآن من الاشتغال باللازم المفضول، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الهدي وأحسنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
«النفع المتعدي ليس أفضل مطلقا، بل ينبغي للإنسان أن يكون له ساعات يناجي فيها ربه، ويخلو فيها بنفسه ويحاسبها، ويكون فعله ذلك أفضل من اجتماعه بالناس ونفعهم، ولهذا كان خلوة الإنسان في الليل بربه أفضل من اجتماعه بالناس» انتهى.
ومن ذلك حالة الموت فإن اجتماع القلب فيها على الله وذكره أنفع لصاحبه من عمل يساعد غيره فيه
ولذلك من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة، ولم يكن ذلك لكل فعل متعد.
وأقرب ما يكون العبد من الله وهو ساجد
وموته في أقرب المواضع خير له من عمل صالح ينفع به غيره.
والأمة في مجموعها تعظم الموت حال السجود وترجو لصاحبه حسن الخاتمة
بينما كثير من الناس يموت في طريق طاعة لصلة رحم أو بر والدين أو إكرام ضيف أو سعي على أهله وعائلته.
ولا يجعلون ذلك كالموت ساجدا.
ومن مات متلبسا بالحج
بعث ملبيا
ولم يأت مثل هذا في المتصدق أو الساعي على الأرملة لو مات متلبسا بفعله.
فحال الموت أخص من عموم التفضيل
ثم إن الموت على حال يكون فيها بهذا القرب من ربه هبة من الله تعالى واصطفاء
والسجود أسلم للعبد في نيته من المتعدي إذ لا يخالطه خواطر من ينفعه وذهوله بحال المعالجة والتطبيب ودقائقها عن مناجاة ربه بينما السجود في غالبه أقرب للإخلاص والصلة بربه.
فالسجود أفضل في هذه الحال.
والمسألة تحتاج إلى تفصيل وإحاطة وضبط للقواعد
ولو أن المتكلم قال أتمنى لو مت وأنا أعالج مريضا دون ذكر السجود لكان خيرا له وأبعد من إدخال اللبس على الخلق ودخول الفهم بتهوين حال الموت في السجود.
وفي الصحيح:
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ، فَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: فَتَوَجَّعْنَا لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ مِنَ الرَّمْضَاءِ، وَيَقِيكَ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ قَالَ: أَمَ وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي مُطَنَّبٌ بِبَيْتِ مُحَمَّدٍ ﷺ. قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا حَتَّى أَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ يَرْجُو فِي أَثَرِهِ الْأَجْرَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ».
فانظر كيف استعظم أبي قول الأنصاري مع حسن نيته
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه وسأله
وفي شرح النووي لمسلم في قول أبي بن كعب
فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا
قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَظُمَ عَلَيَّ وَثَقُلَ وَاسْتَعْظَمْتُهُ لِبَشَاعَةِ لَفْظِهِ وَهَمَّنِي ذَلِكَ.
