لماذا التشدّد في الدين؟
منصور بن محمد المقرن
تخيّلوا -أيها السادة- هذه الحالة: دخل رجلٌ متجراً فرأى شاباً مُسلِماً يشرب الخمرَ، فحدّثه عن حُرمة الخمر وأنها من الكبائر، فاستغرب الشابُ من كلامه، بل وصفه بالتشدّد والتنطع في الدين. أصاب الرجلَ الذهولُ لكون الشاب لا يعرف حكم شرب الخمر. فلمّا سأل عن سبب ذلك، قيل له: إن والد هذا الشاب يصنع الخمر، وأمه تبيعه، وقد تعلموا هذه الصنعة من أجدادهم!.
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
تخيّلوا -أيها السادة- هذه الحالة: دخل رجلٌ متجراً فرأى شاباً مُسلِماً يشرب الخمرَ، فحدّثه عن حُرمة الخمر وأنها من الكبائر، فاستغرب الشابُ من كلامه، بل وصفه بالتشدّد والتنطع في الدين. أصاب الرجلَ الذهولُ لكون الشاب لا يعرف حكم شرب الخمر. فلمّا سأل عن سبب ذلك، قيل له: إن والد هذا الشاب يصنع الخمر، وأمه تبيعه، وقد تعلموا هذه الصنعة من أجدادهم!.
أيها الأكارم .. إذا مضت أعوامٌ وعقودٌ على مجتمع يُجاهَر فيه بالمعاصي، ويرتكبها جيلٌ بعد جيل، ويتولى المبطلون شرعنتها والتهوين منها، ويسودُه الجهل والتجهيل، فلا تسل عن كثافة السحب التي تحجب المجتمع عن معرفة شرع الله تعالى، فضلاً عن الاستقامة عليه. ولا تستغرب حينئذ من وصف المصلحين بالتخلف والجهل، بل والتنطع في الدين، وبأنهم لا يعرفون سماحة الإسلام ووسطيته.
لقد واجه الأنبياء عليهم السلام مثل هذه الحالة وأشدّ منها؛ فقد استنكر قومُ شعيبٍ عليه السلام دعوتَه لهم بالتوحيد وتركَ التطفيفِ في الميزان، وتعجبوا: كيف يتدخل الدين في حياتهم الاقتصادية؟ فقالوا: { (یَـٰشُعَیۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَاۤ أَوۡ أَن نَّفۡعَلَ فِیۤ أَمۡوَ الِنَا مَا نَشَـٰۤؤُا)} ، واستغرب مشركو قريش دعوتهم إلى عبادة الله وحده، فقالوا لنبيهم: { (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)} ، وتعلّل قومٌ آخرون على فعلهم الفواحش بفعل آبائهم، بل تمادوا في تبجحهم فقالوا إن الله تعالى هو الذي أمرهم بها!: {(وَإِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةࣰ قَالُوا۟ وَجَدۡنَا عَلَیۡهَاۤ ءَابَاۤءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)} .
إن أي مجتمع يشيع فيه الجهل، وتعمّ فيه الغفلة، لا يكفي معه الحديث عن حكم الدين فيما يكثر من المعاصي فحسب، بل لا بد من بيان أصول شرعية، وقواعد عقلية، وأدوات ذهنية، تمهد لقبول المدعوين للأحكام الشرعية والالتزام بها؛ مثل الغاية من الخلق، وصفات الله تعالى، واليوم الآخر، ومحاسن الدين، ومصادر ومنهجية التلقي، والاعتزاز بالهوية، ومهارات التفكير ونحو ذلك. ومن دون هذه المقدمات الأساسية، والتمهيدات الضرورية؛ قد تضعف النتائج، ويطول الأمد، وتضيع الجهود.
كتبه/ منصور بن محمد الـمقرن
