التكاليف ليست متساوية بل متفاوتة الصعوبة

أبو الهيثم محمد درويش

عرض الله تعالى الأمانة أمانة التكليف على السماوات والأرض والجبال فأشفقن، فأمانة التكليف تعني الثواب لو أحسنت والعقاب لو أخفقت، ثم قبلها الإنسان فالله المستعان.

  • التصنيفات: الطريق إلى الله -

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

عرض الله تعالى الأمانة أمانة التكليف على السماوات والأرض والجبال فأشفقن، فأمانة التكليف تعني الثواب لو أحسنت والعقاب لو أخفقت، ثم قبلها الإنسان فالله المستعان.

قال تعالى:

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) }  [الأحزاب]

قال الإمام السعدي في تفسيره:

يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن اللّه عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، [ولم تؤديها] فعليك العقاب.
{{ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا }}  أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها اللّه على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:
منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.أ هـ

التكاليف ليست متساوية بل متفاوتة الصعوبة:

قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر:

تفكرت يوماً في التكليف، فرأيته ينقسم إلى سهل، وصعب.
فأما السهل، فهو أعمال الجوارح، إلا أن منه ما هو أصعب من بعض، فالوضوء والصلاة أسهل من الصوم، والصوم ربما كان عند قوم أسهل من الزكاة.
وأما الصعب فيتفاوت، فبعضها أصعب من بعض.
فمن المستصعب، النظر، والاستدلال، الموصلان إلى معرفة الخالق. فهذا صعب عند من غلبت عليه أمور الحس، سهل عند أهل العقل.
ومن المستصعب غلبة الهوى، وقهر النفوس، وكف أكف الطباع عن التصرف فيما يؤثره، وكل هذا يسهل على العاقل النظر في ثوابه، ورجاء عاقبته، وإن شق عاجلاً.
وإنما أصعب التكاليف وأعجبها، أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل، ثم نراه يفقر المتشاغل بالعلم، المقبل على العبادة، حتى يعضه الفقر بناجذيه، فيذل للجاهل في طلب القوت.
ويغني الفاسق مع الجهل، حتى تفيض الدنيا عليه.
ثم تراه ينشيء الأجسام ويحكمها، ثم ينقض بناء الشباب في مبدأ أمره، وعند استكمال بنائه، فإذا به قد عاد هشيماً.
ثم تراه يؤلم الأطفال، حتى يرحمهم كل طبع.
ثم يقال له: إياك أن تشك في أنه أرحم الراحمين.
ثم يسمع بإرسال موسى إلى فرعون، ويقال له: أعتقد أن الله تعالى أضل فرعون واعلم أنه ما كان لآدم بد من أكل الشجرة وقد وبخ بقوله: " وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ " .
وفي مثل هذه الأشياء تحير خلق، حتى خرجوا إلى الكفر والتكذيب.
ولو فتشوا على سر هذه الأشياء، لعلموا أن تسليم هذه الأمور، تكليف العقل ليذعن، وهذا أصل، إذا فهم، حصل السلامة والتسليم.
نسأل الله عز وجل أن يكشف لنا الغوامض، التي حيرت من ضل، إنه قريب مجيب.أ هـ

وما يسبق يجعل المسلم حريصاً على بذل قصارى جهده لحمل الأمانة على وجهها المرضي وتحمل التكاليف الشرعية وأدائها بما يرضي الله وسؤاله تعالى التوفيق والثبات حتى الممات.

أبو الهيثم