مقبرةُ القرارات

التعليق لونٌ من التعب الداخلي؛ لأنه يجمع شهوة الفعل مع عجز الحركة، ورغبة الإنجاز مع غيم الرؤية، وحتى الإنسان في صراعاته الداخلية يعلّق فكرة هنا.."

  • التصنيفات: نصائح ومواعظ -

في حياة الإنسان لحظاتٌ يتثاقل فيها القلب؛ لحظاتٌ يقف فيها المرء بين طريقين، يمدّ كل منهما يده إليه، فيتردد الفكر وتضطرب النفس، وصف القرآن هذا الحال ببلاغة حين قال: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}؛ فالمعلّقة لا تسكن إلى بيت الزوجية، ولا تعود لمنزلها الأول، ولا تجد ظلًّا تستريح فيه، والتعليق في التجربة الإنسانية يتجاوز المرأة إلى أي فكرة تُترك مشدودة بين الأفق والأرض.

فالشاب الذي يخطو نحو الزواج ثم يعود أدراجه يجرّ خلفه مشاعر معلّقة. وطالب العلم حين يبدأ المنهج ويترك تتمته يخلّف في روحه علومًا معلّقة. والمصلح الذي يطلق مشروعًا ولا يحكم بنيانه يترك أثرًا معلّقًا في قلوب الناس. بل إن الإنسان في ذاته يعلّق أمنياته بين خوفٍ وتردد، وأعماله بين عزيمةٍ وفجوةٍ في الإرادة، فيتولد عنه قلقٌ يقظ، يلاحق الفكر، ويدفعه إلى استنزافٍ ذهني صامت.

والتعليق لونٌ من التعب الداخلي؛ لأنه يجمع شهوة الفعل مع عجز الحركة، ورغبة الإنجاز مع غيم الرؤية، وحتى الإنسان في صراعاته الداخلية يعلّق فكرة هنا، ورغبة هناك، وخيارًا يتأرجح بين عزمه وتقواه، والتعليق صورة من صور الألم؛ فهو يحمّل النفس أثقال الترقب، ويزرع في الذهن مساحات واسعة من التخيل المجهد، ويُبقي القلب مشغولًا بآفاق لا تكتمل.

خطواتُ التعافي:
١- تصحيح الوجهة وإحالة القلب إلى الله؛ فمتى صفا المقصد نزلت السكينة، وانكشفت مداخل القرار، وتضاءلت مساحات التردّد، مع تذكير النفس بأن التردّد يستنزف أكثر مما يستنزفه القرار نفسه، فالبقاء في منتصف الطريق أثقل من المشي.

٢- تجميع شتات النفس وتبسيط الخيارات عبر تقليل الاحتمالات وترتيب الأولويات؛ فقلّة الطرق تُكثرُ التركيز، وتمنح الذهن قدرة على رؤية الأصلح.

٣- تحويل الحيرة إلى خطة عمل بكتابة البدائل، وتحليلها، وتحديد مدة زمنية تحكم كل خيار، فالمؤقت يمنع الاستنزاف ويُقرب من الحسم، مع كسر ثنائية (صح/خطأ) وفتح مساحة (أفضل/أصلح الآن)؛ فالحياة درجات وليست أحكامًا قطعية.

٤- إتمام ما يُبدأ واعتماد قاعدة الوضوح رحمة؛ فالمشاريع المكتملة تطفئ قلق التعليق، والقرار الواضح — مهما كان صعبًا — يفتح باب الطمأنينة.

٥- تحويل الطاقة الذهنية من الاحتمالات إلى الخطوات؛ فالتركيز على التنفيذ لا على الهواجس يحرّر العقل من الدوران ويقرّب النفس من قرار يُنهِي الالتباس.

__________________________________________
الكاتب: علي آل حوّاء