الواقع العملي يطغى دائمًا على الجدل النظري
كل النقاشات النظرية تتبخر أمام وقع الأقدام الثقيلة في أي ميدان؛ أذكر تمامًا كم بُحت الأصوات في قضايا عُقدت عليها ألوية الولاء والبراء ثم نُسيت كأن لم تكن.
- التصنيفات: - ثقافة ومعرفة -
- كل النقاشات النظرية تتبخر أمام وقع الأقدام الثقيلة في أي ميدان؛ أذكر تمامًا كم بُحت الأصوات في قضايا عُقدت عليها ألوية الولاء والبراء ثم نُسيت كأن لم تكن.
- لا تبالغ في هدر طاقتك بمحاولات إقناع رموز الضلال وعمائم السوء وعامة الغثاء بعدالة موقفك؛ انتصر أولًا، وسينتقلون فورًا مع من غلب.
- للناس أمد تناصر فيه القضايا ثم تملّ، وتشغل، وتيأس، إلا من رسخت في نفسه بمعتقد، والموفّق من استثمر هذه الهبّة، وحرّكها إذا سكنت، فهي تدرأ عن فكرتك ما لا تطيق دفعه.
- مما تعلمنا الأيام والأحداث أن الصبر الجميل -في كل الحياة- ليس بمعنى الكفّ والاستكانة واستمطار تعاطف الناس، الصبر الجميل امتناع عن اليأس، وعمل بالمستطاع، وهدوء في التحسين حتى تحين اللحظة المناسبة؛ فالنصر مع الضحية المقاومة، لا الضحية المستسلمة.
- حالة الإجماع الفكري مع الانتصار طبيعية، فالناس تخضع للقوة، وتسلّم للمنتصر، قبل أسبوع فقط من التحرير لو ناقشت أحدهم في بعض أفكار من دخلوا دمشق لرأيت الاعتراضات. وهذا يفسر لك كيف يكون الفتح بالسيف رحمة وسببًا لاقتناع الخلق بدين الله دون إكراه؛ هكذا يُفسر التاريخ.
فالإسلام انتشر بالسيف في بعض البقاع، ولكن دون إكراه فردي، وسقوط جيشٍ يكسر هيبته في النفوس، ومن ثَم أفكاره ومعتقداته، والناس يربطون النصر الميداني بصواب الأفكار التي يحملها المنتصر.
يقول تعالى: {ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا}أي: لا تسلطهم فيعتقدوا بانتصارهم علينا صحة دينهم، فالمنتصر يسلم الناس له أمرهم ماديًا ومعنويًا.
- إذا أردتَ ألا تُفتن وتتغير فلا تعلّق موقفك بالتفاصيل؛ كن شرعيًا في ولائك، تفرح فرحًا عامًا لسعة إخوانك، وتحزن لضيقهم، دون أن تتدخل بما ليس لك، انزع شخصية من يضع قدمًا على أخرى ويحمل قلمًا أحمر ليصوّب ويخطّئ، أما من يبالغ في الأوهام حتى يظنّ أن معه أداة توجيه لأهل الميدان من حسابه التواصلي فحديثي ليس معه، حديثه مع معالج نفسي.
- للنصر سلّم لا يخذل معتليه؛ فمن شاء الدنيا والجاه والأضواء والثناء والتفاعلات تسلّقَهُ ووصل، ومن عرَج به إلى مقامات الشكر لله، والتبصّر بسننه وصل؛ ولكلٍ وجهة.
- وظيفة السياسي منع المنكر المقدور عليه حينها، وتهيئة الأجواء لأهل اللسان والبيان ليصلحوا بكل طريق، فيطلق أيديهم، ويحمي حوزتهم، ويدعم مسيرهم؛ فالإصلاح زراعة متأنية لا جراحة عاجلة.
- أفضل استثمار لمن هم خارج الميدان أن يوظفوا معاني النصر لترسيخ المعاني الإيمانية بالموقف المحسوس؛ فيحدثوا اليائسين عن الفرج، ويعظوا الظلمة بعاقبة صنيعهم، ويثبتوا المربين على دفن البذور التي ستنبت يومًا ما.
- علينا أن نفرح بالنصر لمعانيه الواسعة، فرفع الظلم، وتحسين المعايش معانٍ حسنة؛ ونؤمن أن الله قال: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا} فربط النصر والفتح بدخول الناس في دين الله، النصر يزيل العدو المتسلط، ويزيل معه أفكاره وعوائق الهداية التي بناها.
- لسنا في سباق طفولي لإثبات عبقرية تحليل فيأتي كل منا بكلامه الماضي فيقول: ألم أقل لكم.
واجبنا الدعاء بالسداد وحسن التدبير، ومن لم يكن له أثر مباشر على الميدان فليحفظ عمره وأعمار من يثقون به من طوفان التحليل التفصيلي، فالأضواء تصنع كائنات دوبامينية تتغذى على المخدرات اللفظية.
اللهم أبرم للشام وأهله أمر رشد، واكفهم شرّ كل ذي شر، ودبّر لهم تدبيرًا لا يفتن الناس إن كُسروا، ولا ينسيهم حمدك إذا نُصروا.
__________________________________________
الكاتب: بدر آل مرعي
