طلاب العلم والبصلة
في بواكير الطلب ومع حماسة المبادئ كنت ألوم (في نفسي) الشيوخ وطلاب العلم تلك الأيام كيف لا يجلسون للتدريس والتعليم كما كان الأسلاف، ولم لا يقبلون إقبال طلاب العلم عليهم؟ وهذه الدروس الأسبوعية ما جدواها إن لم تكن يومية أو شبه يومية!
- التصنيفات: طلب العلم -
في بواكير الطلب ومع حماسة المبادئ كنت ألوم (في نفسي) الشيوخ وطلاب العلم تلك الأيام كيف لا يجلسون للتدريس والتعليم كما كان الأسلاف، ولم لا يقبلون إقبال طلاب العلم عليهم؟ وهذه الدروس الأسبوعية ما جدواها إن لم تكن يومية أو شبه يومية!
وكنت أحدث نفسي إذ ذاك أنه إن قدّر لي تعليم الناس فسأجلس لهم كل يوم أو غالب أيام الأسبوع!
حديث نفس كان يعاودني مرّة بعد أخرى، والحمدلله أن الله عفا لأمته ما حدثت به أنفسها .
فلما مضت السنون وصرت أجالس الطلاب وجدت الكلام أسهل من الفعل، وأن الواقع ليس كما يشتهى ويتمنى، وأن صورة العالم المتفرغ للعلم والتعليم، الذي يجلس إلى الطلاب صباح مساء نادرة، ولم تعد موجودة إلا ما شاءالله!
فالمرء -في عصر السرعة- مطالب بإنجاز أعمال كثيرة في أيام قليلة، فلا يكاد يصفو له وقت، ولا يخلو له ذهن، يتشعب قلبه في شعب الحياة، يدافع القواطع والشواغل والصوارف مدافعة .
فالوقت يتنازعه العمل الرسمي وحاجات وواجبات ومسؤوليات ودراسات عليا وأمور كثيرة يتفاوت فيها الناس، والمشايخ وطلاب العلم من الناس!
ودروس العلم تحتاج إلى إعداد وتحضير واستعداد، مع ما يحتاجه طالب العلم من مراجعة لمحفوظاته ومقروءاته، فما عسى يصفو لها ؟
ومما يروى عن الشافعي أنه قال: «لو كُلّفتُ شراء بَصَلة ما فهمت مسألة!»
فما عسى أن نقول اليوم!
فراجعت نفسي، وعاد لومي للمشايخ حمدًا لهم على ما بذلوا قدر وسعهم وطاقتهم في ذلك الحين حتى حصّلنا ما كتب لنا عنهم، وعلمت أن التماس العذر لهم كان هو الواجب، فجزاهم الله عنا خير الجزاء .
وليس هذا اعتذارًا لما وقع ويقع من تقصير وخلل نسأل الله العفو والصفح عنه، ولا تسويغًا للكسل والعجز، ولكن أرجو أن يكون فيه حث لنفسي ولإخواني طلاب العلم على اغتنام الأوقات وبذل الوسع في التعلم والتعليم متى سنحت لهم فرصة، وهم بعد ذلك معذورون مأجورون إذا حسنت النيّة .
والمشايخ وطلاب العلم المخلصون يكمل بعضهم بعضًا، وهم أولى الناس بالتعاون على البر والتقوى، إذا ما شُغِلوا يرشد بعضهم إلى بعض، ويدلّ بعضهم على بعض، ليعم نفعهم، ويستفيد الطلاب، ولا يتوقف البذل، فهم بين أجر فاعل الخير والدال عليه .
اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت
