في الواقعة السورية.. لن تتحرر القدس دون دمشق

محمد العبدة

إن دعم الثائرين في الداخل أصبح واجبا شرعيا لأنهم يدافعون أعداء الله، يدافعون الاحتلال الداخلي وهو أشد سوءا من الاحتلال الخارجي، ولعل هذه المدافعة تبرز القيادات الحقيقية التي عانت وجربت واكتوت بنيران الظلم والإجرام ..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


(1)
وما النصر إلا من عند الله

قلت في مقال سابق إن المعركة على أرض الشام هي معركة فاصلة، وهي من معارك التاريخ الكبرى، لأنها تواجه مشروعا صفويا له أطماع كبيرة في المنطقة العربية، ولذلك نقول لإخواننا في فلسطين الذين لم يعيروا هذه القضية أهميتها المطلوبة: لن تتحرر القدس إلا بعد أن تتحرر دمشق، بل لن يصفو الجو للبلاد العربية الأخرى ولتركيا أيضا إلا بعد أن تتحرر دمشق.


وإن معركة بهذا الحجم وهذه الخطورة لا بد فيها من تضحيات وحشد كبير ووضع كل الامكانات بأفضل مما هو واقع الآن. إن الشعب السوري في الخارج يملك من الإمكانات الشيء الكثير ويجب عليه أن يقدم أقصى ما يستطيع من دعم لهذه الثورة المباركة إن شاء الله، وقبل كل هذا يجب أن يعلم هذا الشعب أن النصر من عند الله، ويجب أن تبقى القلوب معلقة بالله، فهو الذي يزرع الرعب في قلوب الأعداء، وهو الذي يرمي الخلاف بينهم، وهو الذي يثبت قلوب أوليائه. وقد قال الله سبحانه وتعالى لأهل بدر {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [الأنفال: من الآية10] حتى لا يصيبهم داء الغرور، وأهل بدر هم خيرة الصحابة، فنحن أولى أن نستجيب لوعد الله ونتوكل عليه وحده.


إن دعم الثائرين في الداخل أصبح واجبا شرعيا لأنهم يدافعون أعداء الله، يدافعون الاحتلال الداخلي وهو أشد سوءا من الاحتلال الخارجي، ولعل هذه المدافعة تبرز القيادات الحقيقية التي عانت وجربت واكتوت بنيران الظلم والإجرام وعرفت من العدو أكثر مما تعرف بعض القيادات في الخارج.

*******

(2)
عندما تغور الأخلاق

جاءت أحداث سورية وقد غارت الأخلاق عند كثير من الزعماء السياسيين في الغرب والشرق كما يغور الماء في الأرض، وذهبت الشجاعة الأدبية عند صناع القرار ولم يلتفتوا إلى النواحي الإنسانية والأخلاقية ليقفوا في وجه وحشية النظام السوري، ولم يلتفت آخرون إلى الأخوة الدينية فالذين نجحوا في الانتخابات المصرية لم نسمع منهم كلاما قويا في الشأن السوري، ولم نر قرارا تضامنيا عمليا مع حق الشعب السوري في العيش بحرية وكرامة، وفي مؤتمر تونس تحولت المشكلة السورية إلى قضية إغاثية وأهملوا ما يعانيه الشعب من القتل والسجن وتدمير المدن، يصر الأمين العام للجامعة العربية على المناورات الدبلوماسية التي تعطي مزيدا من الوقت للنظام السوري ليقتل ويدمر، وإن أمثال كوفي أنان لا يعلمون طبيعة النظام في سورية وهو يتحدث سلفا عن وقف العنف من الطرفين، فهذا دليل على أن الصورة غير واضحة أمامه.


جاءت أحداث سورية في الوقت الذي يحرص رئيس أمريكا على أصوت الناخبين فيبدأ النفاق والتقرب من المنظمات الصهيونية، وهذه الانتخابات وأصوات الناخبين أصبحت معضلة في الغرب، وسنجد بعض الحكومات هناك من يخترع شيئا أسمه الإرهاب ويسجن أناسا ظلما ليقول رئيس الوزراء لشعبه: انتخبوني لأني أحارب الإرهاب، بل وصل الحرص على أصوات الناخبين أن يتدخل هؤلاء السياسيين في شؤون التعليم والمدارس، فهم يراعون أولياء الطلبة لكسب أصواتهم وذلك على حساب المدرس ودوره في التربية والتعليم، وهكذا حصل التلاميذ على سلطة لم يطالبوا بها.


لم نعد نسمع في هذا العصر من السياسيين مواقف شجاعة كما كان بعضهم سابقا، فوزير خارجية ألمانيا تراجعت لهجته الحادة ضد النظام السوري وكذلك نظيره الفرنسي، ما الذي يجري وراء الكواليس من ضغوط؟ هل كل ذلك من أجل إسرائيل أم أن السياسة أصبحت تابعة ذليلة للاقتصاد ورجال الأعمال وللشركات الكبرى؟ كما هي أسيرة لأصوات الناخبين.


هل هذا يضعف من عزيمة الشعب السوري، لا أعتقد ذلك أبدا فقد عرف هذا الشعب طريقه، إنه يعتمد على الله سبحانه وتعالى أولا ثم على تضامنه وتضحياته في مقاومة الشر، وله أيضا حق النصرة من الشعوب العربية والإسلامية.

*******

(3)
أوهام مرعبة

هناك أوهام سياسية ترعب بعض الناس فيصدقونها أولا ثم يحاولون التهرب منها وإبعادها عن الأذهان، ففي الواقعة السورية تتردد كثيرا مقولة: نحن نخشى الحرب الأهلية ويقصدون الحرب الطائفية، ولذلك لا بد من كذا وكذا من التطمينات والضمانات، والحقيقة أن هذه المقولة هي وهم أو كلام مغرض، فهذه الحرب لن تقع لأن الشعب السوري عنده من الوعي ما يكفي ولن ينجر إليها أبدا، ولكنه الآن يدافع عن نفسه، والذين يتكلمون ويسمونهم (محللون سياسيون) لا يعرفون طبيعة الشعب السوري، إنه أرقى من أن يدخل في هذه المزالق، ولكنه في الوقت نفسه عرف أعداءه على حقيقتهم وعرف أصدقاءه.


ومن الأوهام الذي ترعب بعض الناس القول أنه لا بد من ضمانات للأقليات فيبدأ الحديث عن المواطنة والوطن والحقوق والواجبات، ويقال لهؤلاء: هل هذه الأقليات وجدت الآن أم لها مئات السنين تعيش مع الأكثرية ولم يقع ولو لمرة واحدة أي نوع من الظلم عليها، ثم لنرجع قليلا إلى التاريخ القريب ونسأل: مَن الذي حمى اللبنانيين أثناء فتنة (1860م) بين الدروز والنصارى أليس هو الأمير عبد القادر الجزائري الذي استقر في دمشق بعد ثورته في الجزائر، وهذه هي روح الحضارة العربية الإسلامية.


إن إثارة موضوع الأقليات ما هي إلا حيلة يرددها من لا يريد تقديم أي دعم للشعب السوري الذي تقع عليه المجازر الأسدية كل يوم.


(يتذكر الأستاذ محمد الميلي من أحداث الحرب العالمية الثانية أن يهود تونس خافوا من الاضطهاد النازي بعد دخول الألمان إلى القطر التونسي، فهاجر عدد كبير منهم إلى الشرق الجزائري بينما لجأ آخرون ممن كانوا يقطنون الريف إلى جيرانهم من الأسر التونسية التي آوتهم وأخفتهم عن سلطات الاحتلال، وفي الشرق الجزائري طلب اليهود أن يتولوا هم ذبح الأغنام والأبقار فأفتى لهم عالم البلدة لهم بذلك وقال للمسلمين: يجوز أكل ما ذبحوا لأنه حلال)(1).


إنها الحضارة الإسلامية التي اتسعت للجميع، فهل يجازى المسلمون الذين عاشت معهم هذه الأقليات بسلام ووئام أن يقف بعضهم مع الظلمة الطغاة كما صرح أخيرا بطريرك الطائفة المارونية في لبنان.


20/4/1433 هـ

_______________________

(1) حق المعرفة وحق الأمل / ص199.