أفكر في الانتحار!

استشارة نفسية لطالب يفكر في الانتحار

  • التصنيفات: قضايا الشباب -
السؤال:

والله إني أعجز عن قولها لكم؛ فقلبي يقطر دمًا و حزنًا، وأنا بأشد الحاجة إليكم الآن أكثر من أي وقت مضى... عمري سبع عشرة سنة، كنت في الماضي تلميذاً نجيبًا، والأول في المدرسة، ولكن بدأت بالتغير لما انتقلت إلى الثانوية، وجاءني خبر قبل قليل أني سأعيد السنة، والله انفطر قلبي وجرح. ماذا أفعل؟! فكرت في الانتحار ولكن أخاف الله، وقد بدأت في ذلك فجلبت السكين وجرحت يدي. أنا لا أتابع أصحاب السوء، ولا أتعامل مع البنات، ولكن سأعيد السنة ماذا أقول لأبي؟! ماذا أعمل أخاف أن يذبحني!. أرشدوني ماذا أفعل؟

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فيا أخي الكريم، اصبر، واحتسب، ولا تقل إلا ما يرضي الرب، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى، {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء من الآية:29]. ولتستن بما أحب الله في مثل هذه المواطن، من الاسترجاع والحمد، فعن أم سلمة أنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»، قالت فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمةَ؟ أول بيت هاجر إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخرجه مسلم [1525]).

واستبشر بالابتلاءات، ففي ثناياها أجر، وفي أعقابها خير، وهي على كل حال ماحيةٌ للذنب،  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» (أخرجه البخاري [5209]).

ولا ينبغي للمؤمن أبدًا أن يعتريه شعورُ الوهن، فقد أعلى الله شأنه بالإيمان، وإن كان شيء من قرحٍ مسه «حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» فإنما هو في سبيل الله، يكافؤه عليه، ويُمحَّصه به... وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]

فلا تضعف أيها الأخ الكريم لمجرد أنك رسبت في مادة، ولا تحزن على ما أصابك من هم في ذلك.

ولا يليق بك الوهن؛ إذ أنت الأعلى بالإيمان، فما بالك وأنت تفكر في الانتحار لمجرد أنك رسبت في سنة دراسية... هذه ليست نهاية الدنيا!

فلا يتسربن الحُزنُ إلى قلبك، وأنت الأكرم، إن كنت مؤمنًا!

ولا يتسللنَّ اليأسُ إلى نفسك، وأنت الأعز، إن كنت موقنًا!

واعلم أنه لابد من خطأ لنتعلم، وأحيانًا نظن أن هزيمتنا لا انتصار بعدها، وأن فشَلنا لا نجاح بعده، وأن عثرتنا لا قومةَ بعدها... وقد تكون بداية النصر من حيث كانت الهزيمة، وقد يكون النجاح مرهونًا بفشل لابد أن يكون، كمن يُجري تجربةً علمية، لابد من خطأ مبدئي، كيما يتجاوزه إلى الصواب تدريجيًا.

لقد ملأتنا قوةً تلك الضربة التي لم تقصم ظهورنا!

ولا بد من ألم، فحبة جوز الهند، لا سبيل لتذوق لبها اللذيذ؛ إلا بعد مقاساة قشرها السميك الغليظ.

المسافة طويلة بينك وبين المصيف؛  إذن لا بد من التعب حتى تشم الهواء النقي.

شهادة التخرج، لا تكون إلا بعد أربع سنوات؛ إذن لا بد من المذاكرة.

وللحصول على وظيفة كريمة لا بد من مشقة في البحث والطلب.

لا تنظر إلى مرارة الدواء، ولكن انظر إلى جوهر الخير الذي يحمله لك على ما به من مرارة.

لا تظنن أن الفشل شيء سيئ...

بل الفشل في ميزان حسناتك، إن احتسبت وصبرت، والفشل هو خبرة فوق خبرة في ميدان الحياة، وخطوة بعد خطوة نحو الخير والفرج:  {سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق من الآية:7].

ألا يكفيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ»! (أخرجه البخاري [5213]).

فأبشر فقد أراد الله بك خيرًا.

أسأل الله أن يفرِّج كربك.

 

محمد مسعد ياقوت