زوجتي لم تتغير حتى بعد الطلاق
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - استشارات تربوية وأسرية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مُتزوجٌ ولديَّ أطفالٌ - ولله الحمد - ولكني رغبتُ في الزواج الثاني؛ لأنَّ زوجتي رغم صلاحها وطيبتها تفتقر إلى الأسلوب، والتعليم، مع انشغالها بالأولاد، وأنا في بلد يموج بالفتنِ، فتزوجتُ فتاةً مُطلقة أعجبني أسلوبها جدًّا، لكني لم أهتم بالناحية الدينية والأخلاقية، وعشتُ معها في البداية لحظاتٍ رائعةً، رغم أني سمعتُ مِن أقاربها أنَّ فيها صفاتٍ مذمومةً؛ مِن غرورٍ، وكبرٍ، وعدم احترامٍ، وأن هذا كان سبب طلاقها مِن زوجها الأول، لكن أحد أقاربها نفى ذلك؛ رغم أنه يعلمه تمامًا، والله المستعان.
رزقتُ منها بطفلٍ، ثم عانيتُ مِن الصفات آنفة الذِّكر؛ الغرور، والكبر، وعدم احترام أقارب الزوج، كما أنها غيورٌ، وصاحبة كيد؛ فطلَّقتُها، والآن مرَّت سنواتٌ، وما زالتْ لدي رغبةٌ في الزواج، وأبحث عن امرأةٍ ذات دينٍ، وأحيانًا أُحدِّث نفسي بالرجوع إلى طليقتي مِن أجل ابني، ثم أصرف النظر؛ لأني ما زلتُ أسمع أن أخلاقها هي هي، فما رأيكم؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فأسأل الله - أيُّها الأخُ الكريمُ - أن يُلهِمَك رُشدك، ويُيَسِّر لكَ زوجةً صالحةً، وبعدُ: فقد لَفَتَ نظري في رسالتك العبارةُ الأخيرةُ منها؛ وهي في ظني أهم ما ذكرتَهُ في رسالتك، وعليه يتحدَّدُ قولُ المستشير، فقد ذكرتَ أنك ما زلتَ تسمع أن أخلاقها هي هي، وهذا قد يكون في الحالات الطبيعية أمرًا يسيرًا، فإن الطبع يغلب التطبع، فالطبع أغلب، وما أجمل ما قال الشاعر:
يا أيها المُتَحَلِّي غيرَ شيمَتِه ومِن خلائقِه الإِقْصارُ والْمَلَقُ
ارْجِعْ إلى الحقِّ إما كنتَ فاعِلَهُ إنَّ التخلُّقَ يأتي دُونَه الخُلُقُ
وَلا يُواتيك فيما ناب مِن حَدَثٍ إلا أخو ثقةٍ فانظرْ بِمَنْ تَثِقُ
وقد يزول بعضُ الخُلُق الذميم، كالغرور - مثلًا - بتكلُّفٍ، وتَخَلُّقٍ بخُلُقِ التواضُع، ولكن هذا يحتاج لجُهْدٍ جهيدٍ مِن صاحبه، ولكن ما يُقْلِقُ في أمر طليقتك حقًّا - ولا يُبَشِّر بخيرٍ - أن أكثر النساء إذا طُلِّقَتْ تَضَعْضَعَتْ، ولان جانبها؛ حتى إنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ضَرَبَ مثلًا لطلاق المرأة بذلك؛ ففي الصحيحين - واللفظ لمسلم -: "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ على طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا".
فبعدَ هذا الكسرِ الذي تَكَرَّرَ مرتين، ولا يُحْدِثُ في نفسها تصدُّعًا، ورُجُوعًا لرشدها، ولا كسرًا لخاطرها، ولم تأخذْ منه عِبْرَةً فتتوب عن سبب طلاقها لمرتين، فغالبُ الظَّنِّ أنه ليس عندها استعدادٌ داخليٌّ لإصلاح نفسها، والاستقامة في عِشْرَتِهَا؛ إنه المعدِنُ الذي يَظهَر مِن صاحبه، مهما حاول التجمُّل، والناسُ مَعَادِنُ؛ كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فتارة يكون نفيسًا، وتارة يكون خسيسًا؛ فكذلك الناسُ.
أَعْلَمُ أنه ما مِن امرأةٍ؛ بل ما مِن إنسانٍ خالٍ مِن العيوب، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يَفْرَك مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَر" (صحيح مسلم)، ولكن - بلا أدنى شكٍّ - أنَّ هناك عيوبًا قاصمةً؛ كتلك التي ذكرت، نعم لو كنت استشرتَنَا قبل طلاقها، لأوصيناك بالصبر عليها والتحمُّلِ، واحتساب ذلك عند الله، ما لم تصل الحياةُ لطريقٍ مسدودٍ، أَمَا وقد طلقتَها لتلك العيوب، وهي ما زالت متصفةً بها، فانجُ سَعْد فقد هَلَكَ سُعيدٌ، ولا تُسْلِمْ نَفْسَكَ؛ كي تُلدَغَ من نفس الجحْرِ مرة ثانيةً؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِن جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ"(متفقٌ عليه)، والمعنى أن المؤمن ينبغي أن يكون حَذِرًا؛ بحيثُ لا يُخْدَعُ من جهةٍ واحدةٍ مَرَّتَيْنِ.
فابحثْ عن امرأةٍ أخرى ذاتِ دينٍ وخُلُقٍ؛ فالله تعالى يقول: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}[النساء: 130].
واللهَ أسألُ أن يغنِيَكَ بزوجةٍ خير لك منها، وأن يغنيَها - من فضْلِهِ - بزوجٍ خيرٍ لها منك.