شابٌّ عرَف عنوان بيتي، وأخاف من أهلي!

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الشباب - العلاقة بين الجنسين - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

قصتي بدأتْ منذ ثلاثة أسابيع - تقريبًا - عندما حَمَّلْتُ برنامجًا على جوالي خاصًّا بالدردشة، فيه الكثيرُ مِن الشباب والشابات، وكنت أضع صورًا إسلاميَّةً، وأذكارًا أريد مِن ذلك الأجرَ، ولا أتحدَّث - كثيرًا - مع أحدٍ، وفي يوم تحدَّثَ معي شابٌّ يكبرني بـ (6) سنوات، وكان يدعو لي بالخير والجزاءِ الكثير، والسعادةِ في الدنيا والآخرة.

أبدَى لي إعجابه بصلتي بربي، فشعرتُ بالسعادة وقتها، وبدأتُ أدعو له أنا أيضًا، ثم سألَني عن دراستي وأحلامي، وأنا أُجيبه عن كلِّ تساؤُلاته، وبعد أسبوعٍ - تقريبًا - سألني عن لقب عائلتي، تردَّدتُ في البداية، ثم أخبرتُه؛ فأخبرني أنه يتشرَّف بالارتباط بي!

وقال لي: إنه لا يريد ردًّا الآن، بل يُريدني أن أفكِّر، ثم أخبره بِرَدِّي، وفي هذه الفترة لاحظتُ زيادة اهتمامِه بي! وبدأ يُبادلني بعضَ كلمات الغزَل، إلى أنْ رقَّ قلبي له، وأخبرتُه بمُوافقتي على طلَبِه، فقال لي: إنه يشعر بالسعادة، ولكنه لم يسألني عن أيِّ شيء يخص الزواج، وبعد ٤ أيام - تقريبًا - شعرتُ بتأنيب الضمير؛ لعصياني ربي؛ بمحادثة شابٍّ أجنبيٍّ عني، فأخبرته أن محادثتي له ومحادثته لي لا تجوز، ظننتُ أنه سيغضب، ولكنه أخبرني أن كلامي صحيحٌ، وأنه - أيضًا - يشعُر بتأنيب الضمير، ثم سألني عن عنوانِ بيتي قبل أن أتركَ محادثته، فترددتُ كثيرًا، ولكني وصفتُ له العنوان، وأخبرتُه بأني لا أريد الزواج الآن، ولكن يُمكنه التقدم لخطبتي بعد سنةٍ، فوافَق على ذلك، وحذفتُ ذلك البرنامج مِن جوالي.

الآن أنا أشعر بالراحة؛ لأني لا أعصي ربي، ولكني خائفةٌ مِن قُدوم ذلك الشاب لخطبتي، ومعرفة أهلي بأمر مُحادثتي معه؛ علمًا بأني مِن عائلةٍ ملتزمةٍ، وسيغضبون جدًّا إنْ عَلِموا بأني كنتُ أتحدَّث مع شبابٍ في برنامج الدردشة.

الإجابة:

فالحمد لله رب العالمين أنْ وفَّقك للانتباه مِن تلك الغفوة مبكرًا، وأنكِ شعرتِ بالندمِ.
ولْتَحْذَرِي -أيَّتُها الصغيرةُ- مستقبلًا مِن التعرُّض للفتن؛ فقد تضعفين أن تملكي نفسَكِ، وتمسيكها عن الدخول بعد أن فتحتِ لها الباب؛ فعن النوَّاس بْنِ سَمْعَانَ -رضي الله عنه– أن النبي -صلى الله عليه وسل- قال: "ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سُوران، فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب ستورٌ مرخاةٌ، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرجوا، وداعٍ يدعو مِن فوق الصراط، فإذا أراد يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه، تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلمٍ"(رواه أحمد والترمذي)، وزاد: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[يونس: 25]، وليس وراء ما حدَّ الله من المأذون فيه، إلا ما نَهَى عنه؛ ولهذا مدح -سبحانه- الحافظين لحدوده، وذمَّ من لا يعرف حدَّ الحلال من الحرام؛ كما قال –تعالى-: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 97].

قال العلامة ابن القيم في ''إعلام الموقعين'' (1/ 233):
''فليتأملِ العارفُ قدرَ هذا المثلِ، ولْيَتَدَبَّرْهُ حقَّ تدَبُّرِهِ، ويَزِن به نفسه، وينظر أين هو منه؟ وبالله التوفيق''.

وحذَّرَنَا رسولُ اللهِ مِن الانتصابِ للفتنِ، والتطلُّع إليها، والتعرُّض لها، وبيَّن عظيم خطرِها، وحثَّ على تجنُّبِها والهربِ منها، وترْكِ التشبُّث بشيءٍ مِن أسبابها، وأن شرَّها وفتنَتَها يكون على حَسَبِ التعلُّق بها، وأن كلَّ مَن نَظَرَ إليها، تَغلبُه، وتَصْرعُه، وتُهلِكُه، وأن الفتنَ لا يصلح معها إلا الفرارُ، والاحتماءُ منها؛ ففي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ستكون فتنٌ، القاعد فيها خيرٌ مِن القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومَن وجد ملجأً أو معاذًا، فليعذ به"(متفقٌ عليه).

وفي لفظ لمسلم: "النائمُ فيها خيرٌ مِن اليقظان، واليقظانُ فيها خيرٌ مِن القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الساعي"... الحديث.

ومِن أعجبِ ما تقرئين في الفتن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع بالدجال فلْيَنْءَ عنه، فوالله إنَّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمنٌ فيتبعه، مما يبعث به مِن الشبهات"، "أو لما يبعث به مِن الشبهات"(رواه أحمد، وأبو داود).

فهل يُظَنُّ بمؤمنٍ يَرَى مسيحَ الضلالة بصفتِه القبيحة التي لا تخطئها عينٌ؛ فهو قصيرٌ، أفحجُ، جعْدٌ، أعورُ، مطموسُ العين، ليس بناتئةٍ، ولا جحراءَ، يَدَّعِي الربوبية، والمؤمنُ يُدرك أن ربه ليس بأعورَ، وفوق هذا مكتوبٌ بين عينيه: ''كافرٌ''، ومع هذا من تَطَلَّعَ إليه فُتِنَ؛ لأن معه دنيا، فكذلك فتنة المرأةِ بالرجلِ، والرجلِ بالمرأة، مِن أشد الفتن، وكم مِن شابٍّ وفتاةٍ كانوا مِن الصالحين، فلمَّا دَخَلُوا في تلك الفتنة، ضلُّوا، وضاعُوا! فاحمدي الله على العافية، ولتأخذي العبرة - مستقبَلًا - مما حَصَلَ، واحذري أن تفتحي على نفسِكِ أبواب الشر.

أما خوفُكِ مما ذكرتِ، فلا تشغلي بالك بهذا، وأقبلي على دراستكِ، وعبادتِكِ، ولا تلتفتي لهذه الأشياء، ولا تستعجلي نصيبَكِ، ولا أظن أن هذا الشابَّ من السَّذَاجَةِ أن يذكر لأهلِكِ كيف تَعَرَّفَ عليكِ، وهذا إن جاء، فليست مواقعُ التعارُفِ ولا الدردشةِ وغيرها، مِن الأماكن المناسبة لاختيار الزوج، وكلُّ ما يُقال فيها أكثَرُهُ كَذِبٌ، وخداعٌ، والحمد لله الذي نجَّاكِ، واحذَري العودةَ.