أبي معه المال ويبخل علينا، فما العمل؟!

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق - الأدب مع الوالدين - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبي بخيل جدًّا، ومبَذِّر جدًّا في الوقت نفسه! مبذر فيما يرضيه ويريده هو، وبخيل فيما لا يقتنع به؛ حتى لو كان رخيصًا وتافهًا.

لا يعطي أمي مصروفًا، وإذا أعطاها وعَلِم أنها أنفقتْه احْتَدَّ عليها في الكلام، وهدَّدها بقطع المصروف، فتحزن أمي وتشعر بالذُّل والإهانة، فتوقَّفتْ بسبب ذلك عن طلب أي مصروف منه! كذلك يأخذ مالي ومال أمي الخاص، بحجَّة أن البيت يحتاجه.

أبي الآن يبني بيتًا، ويضيِّق علينا جدًّا في المصروف، بحجة الظروف السيئة، أرجو أن تنصحوني؛ فأنا أشعر بالذل، أما أمِّي فقد استسلمتْ للواقع.

الإجابة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأتُ مشكلتكِ التي ذكرتِها وتفهمتُها، وشعرتُ بمدى معاناتكم، ومشاعر الضِّيق التي تُراوِدكم. والآن سوف أساعدكِ ببعض النصائح، على ألَّا تتوقعوا الوُصُول إلى علاجٍ في أيام أو شهور!

مبدئيًّا عليكم بالتعايُش مع هذه المشكلة، مع الوضع في الاعتبار صفات والدكِ الأخرى الإيجابيَّة، وأنصحكِ - كما كرهتِ فيه البخل - أن تُذَكِّري نفسكِ بمُمَيِّزاته التي يفتقدها آباء آخرون، وذكِّري نفسكِ بأنه قد تكونون ممن ابتلاهم الله ابتلاءً - لا أقلِّل مِن حجمِه - ولكن قد يكون أقلَّ من الذين ابتلاهم الله بآباء يضيِّعون المال في المحرَّمات!

أريد أن أوضحَ أولًا نقطةً مهمة، ألا وهي: أن تلتمسي العذر لوالدكِ، وألَّا تتسرعي في الحكم عليه، بل وإعطاؤُه فرصًا أخرى؛ فقد يكون هذا نتيجة ضغوط عصبية، ويفعل ذلك وقت الغضب فقط، وهذا ما فهمتُه من كلامك، أو من الممكن أن يكون حاملًا همَّ مسؤوليات البناء، أو تجهيزات المنزل الجديد، أو قد يكون مدينًا، ويرى أنه لا مجال للرَّفاهيات، وهذا ما نسميه: اختلاف نظرة الأمور بين الجنسين (الرجل والمرأة).

فإن تفسير المرأة للبُخل يختلف عن تفسيره عند الرجل:
فالمرأة: تفسِّر البخل من الرجل عندما لا يحقِّق لها الكماليَّات، وأدوات الزينة، وهي ترى أنها مهمة! إذًا المرأة تنظر إلى المال على أنه موجود للصرف أكثر منه للتخزين!

وبما أنه يبني لكم منزلًا جديدًا، فمن البدهي أنه يدَّخِر من راتبه لذلك، وأيضًا يكون اعتراضُه الدائم على أنكم تصرفون المال في تفاهاتٍ، فأنا أتوقَّع أنَّ ما حدث هو اختلاف تفسير معنى: تدبير المال بين الجنسَيْن.

والرجل ينظر إلى أن تدبير وجمع المال وحفظَه وترشيدَ صرفه هو الحزمُ، وليس هو من البخل، فعلى كلٍّ من المرأة والرجل أن يفهما نظرةَ كلٍّ منهما إلى المال والبخل؛ لكي يعيشوا في سلامٍ، وبدون تصادُمات، هذه النُّقطة الرئيسية.

أيضًا عليكِ بالاقتراب من والدكِ في وقت صفاءٍ نفسي له، وأخبريه بمدى حُبكِ له، وصارحيهِ بأنك تتألَّمين بعض الوقت بسبب أخذِه المصروف منكِ، ثم رده أحيانًا، وأن ذلك سوف يدفع الجميع للهروب منه، بشرط أن يكونَ أسلوبكِ كله احترام وحُب وتقدير، وأخبريه باحتياجاتك المادية، وأن لا سبيل للصرف في غيره، وعبِّري له عن مدى سعادتك عندما يُعطيكِ أي مبلغ، حتى ولو كان قليلًا، ومشاعرك تجاه ذلك، وأخبريه بأنه كريم وأنكم تحتاجون منه دعمًا ماديًّا دومًا، وقولي له: حفظك اللهُ لنا دومًا، وأيضًا أثني عليه أمام الناس، وخُصوصًا أهله؛ لكي تُشجعيه على الابتعاد عن البُخل، والمحافظة على تلك الصورة التي رسمتها له أمامهم، وأظهري له دائمًا امتنانكِ وتقديركِ لتحمُّلِه أعباء الأسرة.

اصنعي علاقةً طيبةً معه، واكسبيه كصديقٍ، بدلًا من أن تشحني مَشاعركِ ضده, فابتعدي تمامًا عن وصفه بالبخل، وأيضًا تقبَّلي بصدرٍ رحب رَفْضَه لبعض الطلبات في البداية، خصوصًا (مرحلة التغيير)، فعلى الأقل سوف يلبِّي جزءًا منها، ولكن من الخطأ جدًّا أن تتوقَّفي عن أي طلبات ماديَّة منه، ما دمتِ تحت رعايتِه، ولم تتزوَّجي بعدُ، فابتعدي عن أسلوب الهروب الذي انتهجَتْه والدتُك، ولْتنصحيها أيضًا بالابتعاد عنه؛ فإنَّه يزيد من نسبة عدم العطاء لديه، ولا تجعلي رفضه لطلبٍ ما يُشعركِ بالذل، بالعكس أقنعي نفسكِ أن ذلك وضعٌ طبيعيٌّ في هذه المرحلة.

أيضًا من الممكن أن تذكِّري والدكِ وقت غضبه - وبكل احترامٍ - بأن خيرَ النفقةِ النفقةُ على أهل بيتِه, وقابِلي غضبَه بابتسامةٍ خفيفة، أو مِزاحٍ، أو تعليق لطيفٍ, وأنصحكِ إذا تأكدتِ من أنه بخيل ألَّا تخبريه بذلك، ولتبتعدي تمامًا عن طلب المال منه وقت غضبه، أو تعبه، أو أي وقت يعكِّر مزاجه.

وأختم كلامي بـ: لا تنسَيْ جانب الدُّعاء والابتهال إلى الله؛ عسى أن يتقبل اللهُ دعاءك.

وفَّقك الله، وأسعدك في الدنيا والآخرة.