أحب زميلي في المدرسة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: العلاقة بين الجنسين - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أُحِبُّ زميلًا لي في المدرسة، اعترفتُ له بحبي عن طريق رسالة، وبعدها أحس بأنه يحبني، فبدأ ينظر لي، ويلمِّح بأشياء، ثُم اعترف لصديقتي بأنه يحبني، وقال لها: أرجو أن تقولي لها: لا تبعث لي برسالات مرة أخرى! ولا أريد أن يعلم أحدٌ! فرحتُ، فقد كان في غاية الروعة، ولكنه غامضٌ جدًّا، يعرف كيف يجعلني أحبه بدون أن أشعر!

بعد فترة انتقل الأولاد مِن المدرسة، وأصبحوا يدرسون في نفس المدرسة صباحًا، فأرسلتُ صديقتي لتسأله: هل ما زال يحبني أو لا؟ فأجاب بنعم! أعطيتُه رقم هاتفي، فلم يتصلْ، وقال: إنه لا يقدر على أن يتصلَ؛ لأن إخوته يُراقبونه!

أنا خائفة من هذا الحبِّ، وهذا يؤثِّر على مستواي الدراسي، فهل أنا مخطئة أو لا؟

أرجو ألا تقولوا لي: إنني صغيرة، أو أن أنساه؛ لأنني أحبه كثيرًا!

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فمرحلةُ المراهقةِ في المجتَمَعات المفتوحة؛ أعني: التي تبيح الاختلاط في التعليم وغيره، تتميَّز بتطلُّع الفتاة إلى مَن تحبه، وتحب الحديثَ معه، وهذه صفةٌ مِن صفات تلك المرحلة، يجبُ تهذيبُها، والتعامُلُ معها بما يُناسب الدينَ، والخُلُقَ، والعاداتِ الاجتماعيةَ الصحيحةَ.

ولكن - يا ابنتي الغالية - احذري كلَّ الحذرِ مِن هذا كُلِّه، فهو مجرد كلامٍ، وتنفيسٍ لا حقيقةَ له، ولا أُنكِرُ أنك صادقةٌ في مشاعرك، وإنما أعني: ماذا ستستفيدين؟ وأي شيء تجنين مِن هذا الكلام؟ اللهم مجرد التعلُّقِ، وزيادة التفكير، وشغل القلب الذي قطعًا سيؤثِّر على دينك، ومستقبلك، وتحصيلك الدراسي، وقد يشغلك عن طاعة ربِّكِ، وكلُّ هذه الخسائر بلا طائل، ولا فائدة!

فاسألي نفسك: ما الهدفُ المنشودُ مِن وراء هذا الحب المبكِّر، فالجوابُ - في ظني -: إما الزواج، وهذا شيءٌ سابقٌ لأوانه جدًّا؛ فحتى لو قلنا: إنكِ تتزوجين بعد خمس سنوات، فالفتى على الأقل أمامه خمس عشرة سنة، فهل يُقِرُّ عاقلٌ هدفًا كهذا؟ ولو قلنا: هو حبٌّ مِن أجل الحُبِّ وحسب، أو لِلَّهو، أو لتشعري أنكِ صرتِ فتاة، أو ما شابه، فهل ترضَيْنَ لنفسك مثلَ هذا المصير؟ وهل المجتمعُ سيرحَمُكِ؟ ألا تعلمي أنَّ ديننا لا يَعْرِفُ ذلك الحب ولا يبيحه - ولو كان في النية الزواج ؟ فليس في الإسلام ما يُعْرَف بالحبِّ والتعارُف والصداقة بين الجنسَيْنِ!

فأشعري نفسك - أيتُها الصغيرةُ - باليأس من هذا الأمر، ولا تتعجَّلي نصيبك؛ فإن النفس متى يئستْ مِن الشيء، استراحتْ منه، ولم تلتفتْ إليه. واحذري - يا بنيتي - أن تطلبي أو يَطْلُبَ منك هذا الفتى أن يتكلمَ معك، ويخرج معك، فهذا كله - يا ابنتي - حرامٌ شرعًا؛ لأنه لا يجوز للمسلمة الفاضلة أن تُكَلِّمَ رجلًا أجنبيًّا عنها أي كلامٍ خاصٍّ، ومِن ثَم لا يجوز لها أن تجلسَ معه، أو أن يمسك يدها، فهذا كله حرامٌ، والحبُّ الذي يكون في هذه المرحلة وفيما يليها مِن مراحل المراهقة، وما بعدها، وفي الجامعة، وما يترتب عليه من كلامٍ، وسلامٍ، وخلوةٍ - لا يجوزُ مُطْلَقًا، ولا تستفيدُ منه الفتاة إلا تلويثَ سمعتها، ثم إذا أرادَ حبيبُ القَلبِ أن يتزوَّجَ، بَحَثَ عن أخرى لم يرتبطْ بها عاطفيًّا؛ لعدم ثقته بمَن سبق لها أن رافقتْ أجنبيًّا عنها، ولو كان هو، فمَن رافقته يومًا لا يبعد أن ترافقَ غيره!

وأفضلُ ما يعينُك على نسيان الأمر، وأسلمُ طريقةٍ، ألا تعطي نفسك فرصةً للتفكير في أي شابٍّ، وإذا شعرتِ بالضعف أو الميل، فاشغلي نفسك بأيِّ شيء آخر، وأن تُكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، الذي يحرص على أن يُزيِّن لك هذه العلاقة، ويقول لك: كل البنات لهن أصدقاء، ويخرجْن معهم، وهذا ليس فيه شيء، وأنت فقط المُعَقَّدة والمتخلِّفة، وهذا يحبك، وسيكون فارسَ أحلامك، وشريك عُمُرِك، وهذا كله وهْمٌ وكذبٌ، لا أساس له مِن الصحة، يا ابنتي الصغيرة.

يا سبحان الله! كيف لطفلةٍ مثلكِ لم تتجاوز الصف الأول الإعدادي - المتوسط - أن يغلب عليها الوَهْم وتعيش قصة حب! فتَفَرَّغي لدراستك، ولا تلتفتي لهذه الأكاذيب، واجتهدي في طاعة مولاك، وحاولي أن تضعي لك برنامجًا لحِفْظ القرآن الكريم؛ ليحفظك الله به مِن حالة التمزُّق النفسيِّ التي تصيب الفتيات إذا قاموا بمغامرة عاطفيةٍ.

وقد رأيتُ بنفسي؛ ومما علمته علم اليقين أن معظم الشباب ينظرون إلى هذه العلاقات على أنها مجرد تسلية لتضييع الوقت، بخلاف الفتاة - التي بحكم تكوينِها العاطفي الفطري - سُرعانَ ما تُصدِّقُ ذلك، وتتعلقُ بقصص حبٍّ وهميةٍ، وتتألم إذا ابتعد عنها الشابُّ، أو قاطَعَها، ولا تستطيع النوم، وتهمل دراستَها، وعملَها، وتتأثر علاقتها مع الله؛ جرَّاء التفكير المستمر، ثم يلي ذلك الصدمةُ النفسيةُ التي تصيبها عندما تكتشف غدْرَ هذا الإنسان، وخِداعَه لها، وتظل الفتاة تسدِّد ضريبة هذه المغامرة من نفسيتها المدمَّرة، ومن كرامتها، وسُمعتها، وسمعة أهلها، ومن إحساسها الديني بالذنب، ثم إحساسها أنها كانتْ مجرد لُعبةٍ، أو تسليةٍ، في يدِ شخص عديمِ الدينِ، والخلقِ، فاحذَري، بنيتي الصغيرة.

وفي الختام أدعوك لوقفةِ مناقشةٍ علميةٍ ذاتيةٍ مع نفسك؛ مفكرةً فيما كتبتُه لكِ بعيدًا عن العواطف؛ لأن الغالب أن المشاعر والأحاسيس تكون جيَّاشةً في فترة المراهقة، وأنت في المرحلة الأولى منها، ثم ما تلبَثُ أن تزولَ، ويبقى العقلُ، والِاتزانُ، والنظرُ في الأمورِ، وعواقبها، وأنا على يقينٍ أنَّ مَن سَوَّقَ عندك كلمات الحبِّ هي المسلسلاتُ، والأفلامُ العربيةُ التي أفسدتْ كل شيء، والله المستعان.

احرصي على عدم اللقاء به، ولا الكلام عنه، وتخلَّصي مِن التفكير فيه، بإشغال النفس بالتفكير في الأمور المفيدة في الدين والدنيا. وأكثري مِن الدعاء بصدقٍ؛ فاللهُ - سبحانه - يجيب مَن يدعوه فقولي: "اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي، اللهم طهِّر قلبي، اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سَمْعي، ومِن شر لساني، ومِن شر بصري، ومِن شر قلبي، ومِن شر منيِّي، اللهم طهِّرْ قلبي، وحصِّن فرجي.

هذا، ولا تترددي في مُراسلتنا - في المستقبل - كلما احتجتِ إلينا.