خاطبي مسلم ليبرالي! فهل أقبله أو أرفضه؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: مذاهب باطلة - مذاهب فكرية معاصرة - استشارات تربوية وأسرية -
أنا طبيبةٌ في بداية الثلاثينيَّات مِن عمري، مطلقة منذ 7 سنوات، مِن عائلةٍ مُتدينةٍ، ومحترمةٍ، ومرموقةٍ - والحمد لله. تقدَّم لخطبتي طبيبٌ في نهاية الأربعينيات، مُقيمٌ في دولة أجنبية، لم يسبقْ له الزواج، ومِن عائلة مرموقة. كنتُ أسأل نفسي: كيف لم يتزوجْ حتى هذا السن؟ ترددتُ في الجواب؛ خوفًا مِن أن يكونَ مِن أصحاب العلاقات غير الشرعيَّة!
أخشى ألا نتفقَ مُستقبلًا لكبر سنِّه، فهو مدخِّنٌ، وأنا أُعاني مِن حساسيةٍ صدرية مِن الدخان، كذلك قال لي: إنه لم يكنْ يتخيل أنه سيرتبط بواحدةٍ محجبةٍ؛ لأنَّ والدته لم تتحجبْ حتى منتصف الخمسينيات مِن عمرها، ولا يُمانع أن أكونَ أنا محجَّبة!
لم أتمكَّن مِن معرفةِ كلِّ شيءٍ عنه؛ إذ تقابَلْنا مرةً واحدةً أثناء الرُّؤيةِ، أما هو فقد عرَف كل شيء عني. أخبرني وقت الرُّؤية أنه يعتبر نفسه مسلمًا ليبراليًّا! بمعنى: متحرِّر، وأنا نسيتُ أن أسأله لأي مدى؟
فهل أقبله - مبدئيًّا - حتى أعرفَ عنه أكثر، وبعد ذلك أتخذ قراري النهائي؟ أو أرفضه بناءً على شكوكي وتردُّدي؛ خوفًا من أن يكون من أصحاب العلاقات غير الشرعية؟ ولأنه أكبر مني فربما لا نتفق مستقبلًا؟ وأيضًا مسألة التدخين عندما أخبرتُه بأن لديَّ حساسية صدرية من الدخان، لم يُبدِ أي نية في التوقف عن التدخين؛ إضافة إلى أنه مُحَرَّمٌ شرعًا.
أنا خائفة مِن أنْ أظلمَه، وأظلم نفسي باتخاذي قرار رفض، أو موافقة. استخرتُ الله، ومترددة جدًّا جدًّا! أرجو مساعدتي، وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا يخفى عليكِ -أيتها الأختُ الكريمةُ- أنَّ مِعيارَ اختيارِ الزَّوجِ يكونُ على أساس الدين والخُلُق، وليس على أيَّةِ اعتباراتٍ أخرى، وهو ما يجب أن تَحرِصَ عليه المرأةُ العاقِلةُ وأولياؤها، أمَّا غير ذلك مِن مَتاع الدنيا فظلٌّ زائلٌ، فصاحبُ الدين والخُلُق لا تعدم منه المرأةُ خيرًا؛ إنْ أعجبَتْه أَمسَكَها، وإن كَرِهَها لم يَظلمْها، ويكون مُبارَكًا عليها، وعلى ذريَّتها، بخلاف غيرِه.
ومِن ثَمَّ حثَّ الشارعُ الحكيمُ المرأةَ وأولياءَها على الظَّفَر بصاحب الدِّين، مَرضيِّ الخُلُق؛ قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور: 32]. وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "إذا أتاكم مَن ترضَوْن دينه وخُلُقه فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا، تكن فتنةٌ في الأرضِ، وفسادٌ عريضٌ" (رواه الترمذي). فالحديثُ بِمَنطُوقِه يَحُثُّ على ارتِباط المرأة بصاحب الدِّين، وبمفهومه يدلُّ على أنَّ غيرَ مَرضيِّ الديانة لا يُزوَّجُ، كما هو الحال بالنسبة للشابِّ المذكور.
ولمَّا كان الدِّينُ الإسلاميُّ نظامًا حياتيًّا مُتكامِلًا، نظَّم الارتباطاتِ الزوجيَّةَ بشريعةٍ محدَّدة أقام فيها نِظام البيت على أُسُسٍ راسخةٍ مَتِينةٍ؛ تمنع الفَوْضَى والاضطرابَ والنِّزاعَ، وَرَبَطَ هذه العلاقةَ كلَّها بتقوى الله ورقابته، وَحَثَّ كُلًّا مِنَ الزوجين على أن يُحسِن اختِيار صاحِبِه، وبيَّن المواصفات المطلوب توافُرُها في كلٍّ مِن الرجل والمرأة؛ لأن الدين والخُلُق القويم يمنَع صاحِبَه مِن الإساءة للآخر، ويجعَلُه مبقيًا عليه بالمعروف، وإن كره منه خُلُقًا رَضِيَ غيره، وَصَبَرَ على ما لا يستَقِيم من اعوجاج أخلاقِ صاحبِهِ.
وقد ذكرتِ -رعاكِ الله- أن الرجل المتقدمَ لك مسلمٌ ليبراليٌّ، وهذا جَمْعٌ بين النقيضين كما لا يخفى؛ فالليبراليةُ -كمنهجٍ وتصوُّرٍ وفكرٍ- تتعارَضُ مع الإسلام، ولا يَخْتَارُ شخصٌ هذا الفكر إلا وهو يرى -ضرورةً- أنه أفضلُ من الإسلام، أو على الأقل يزيد عليه في أشياء، ويستحيل أن ينتحلها وهو يعتقد أن المنهج الإسلامي كافٍ لجميعِ أُمُورِ الحَيَاةِ.
فحقيقةُ الليبرالية عزْل الشريعة وتنحيتها عن نواحي الحياة، وإبعاد الدين عن حيِّز التأثير الاجتماعي، وإثبات الحاكمية للمناهج الأرضيَّة؛ ولا يشكُّ مسلمٌ في كُفرية تلك المبادئ.
والحاصلُ: أن الرجُلَ غيرُ مناسبٍ؛ لا مِن الناحية الدينية، ولا مِن حيثُ الفارقُ العمريُّ الكبيرُ بينكما، وإن كان قد أعجبك مِن نواحٍ أخرى، فَدَعِيهِ لله؛فإنه مَن تَرَكَ شيئًا لله عَوَّضَهُ اللهُ خيرًا منه؛ كما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله نسألُ أن يَرْزُقَكِ زوجًا صالحًا.