هل أرفض الخاطب بسبب أمراض الوراثة؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال:

أنا فتاةٌ مُطلَّقة في منتصف الثلاثينيات مِن عمري، تقدَّم لي رجلٌ يكبرني بـ(10) سنوات محترم، وذو دين وخُلق ومال، إلا أنَّ في نسلِهم أمراضًا خطيرة؛ مثل: الأنيميا المنجلية، أو البحر المتوسط، ومرض الجلوكوما، أو المياه الزرقاء؛ وأخشى إن قبلتُه أن أُرزقَ بطفل فيه إحدى هذه الأمراض المخيفة، وأنا لا أتحمَّل ذلك؛ أن يُصاب طفلي مثلًا بمرض الجلوكوما، ويكون مصيرُه العمى لا قدَّر الله! فما الفائدة من الزواج إذًا؟!

أريد أطفالًا أصحاء، وأُحب الأطفال جدًّا، وقد تكون هذه آخر فرصة لي في الزواج، وأخاف إن تأخرتُ عن ذلك ألا أتزوج!

الرجلُ المتقدِّم وَدُودٌ وطيب وكريم، وعندما جلستُ معه للرؤية الشرعية أحببتُه؛ فهو شخصٌ لطيفٌ جدًّا وحنون، لكني أخاف مِن مُستقبل مُظلم لأبنائي؛ فهذه أمورٌ تُقلقني جدًّا.
 

فهل أقبله مع هذه المخاوف؟ أو أرفضه وأبقى وحيدةً؟

أما سؤالي الثاني:

هناك أمرٌ أخفيه عن الجميع، وهو كتلةٌ بارزةٌ أسفل البطن، قُرب عظمة الحوض على الجهة اليسرى، وعند النوم على الجهة اليمنى تذهب هذه الكتلة إلى الجهة اليمنى، ولم أتجرأْ وأذهب لطبيبة ولن أذهب؛ حتى لا يعلم أحد بها ويكون هذا سببًا في عدم زواجي، أو خوف الخاطب مِن مستقبلي المظلِم، ولا أعلم ما هذا؟

 

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فأنا لا ألومكِ -أيتها الأخت الكريمة- على تخوُّفاتك التي تذكرينها، ولكن جاهدي نفسك في عدم المبالغة في هذا الأمر؛ فعلمُ الوراثة حقٌّ، وقد جاءتْ به الشريعة، إلا أنه قد يوجد أصل المرض في الأسرة، ولا يتنقل للأبناء؛ لأنَّ كل هذا مجرد أسبابٍ، وهي مهما قويتْ لا تستقلُّ بالتأثير، حتى يشاء الله تعالى، ولا يخفى عليك أن كل شيءٍ في هذه الحياة مُقدَّرٌ بقدَر الله قبل خلق السموات والأرض، وأنه لا يقع في مُلك الله إلا ما أراد الله؛ قال تعالى:  {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38].

والكتابُ هنا: هو اللوحُ المحفوظ، في أصح قولي أهل العلم، ومِن أقدار الله القديمة مسألةُ الصحة والمرض، ولقد شاء الله أن يجعلَ بعض الأمراض تنتقل بالوراثة، وأن نتأثر بها؛ ولذا فإن العلماء نصوا على أنه لا مانع مِن إجراء أي فحوصاتٍ طبيةٍ قبل الزواج؛ لمعرفة مدى تأثر أي طرفٍ بالوراثة، أو غيرها.

فأنصحك -أيتها الكريمة- أن تصطحبي خطيبك مع بعض محارمك؛ لإجراء الكشْفِ الطبي اللازم والتحاليل؛ للتأكُّد مِن مدى تأثير الوراثة عليكم، أو على أولادكم في المستقبل، وهذا أمرٌ جائزٌ شرعًا، ولا شيء فيه، فاعرضي عليه ذلك، واشرحي له وجهة نظرك: أن إجراء الفحوصات اللازمة لا حرج فيها، بل هو أفضل مِن أن تعيشَ الأسرة وأطفالها حالةً مِن المعاناة التي قد تصاحب الأسرة إلى نهاية حياتها، فإن رفض ذلك فحاولي إقناعه!
 

كما أوصيك بصلاة الاستخارة، فإن وجدتِ ارتياحًا فامضي في الأمر؛ خاصة أن مسألة إصابة الأولاد بهذا المرض لا يمكن حسابها.

وأنبهك -بارك الله فيك- بالابتعاد عن عبارة:''مستقبلي المظلم''، فمِثْلُ هذه الكلمات قد تبعث على التشاؤم، وقد نهانا الشارعُ الكريم عنه؛ فعن أبي هريرة، قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا طيرة، وخيرها الفأل»، قيل: يا رسولَ الله، وما الفأل؟ قال: «الكلمةُ الصالحة يسمعها أحدُكم» (صحيح مسلم)، والتطيُّر التشاؤُم.

أما العيبُ الذي يجب إخبار الخاطب به، فهو ما عدَّه الناسُ عيبًا، وهو كلُّ عيب ينفر الزوج، ولا يحصل به مقصود النكاح مِن المودة والرحمة، فإن كانتْ تلك الكتلة كذلك فيجب عليك إخباره، أما إن كنتِ ترين أنها غير مُؤثِّرة عليك في شيءٍ، ولا تمنع الزوج حقه مِن الاستمتاع وغيره، فلا يجب عليك إخباره.
 

والله أسأل أن يقدِّرَ لك الخير حيث كان.