بيئة الدراسة الجامعية وعدم حب التخصص

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الشباب - طلب العلم -
السؤال:

أنا شابٌّ أدرس الهندسة، وُلِدْتُ لأبوين كريمين ملتزمَيْن، وتربيتُ على الالتزام منذ صِغَري في مجتمعٍ فاسدٍ جدًّا؛ حتى إنني مِن الصعب أن أجدَ مُلتزمًا! التَزمتُ الصلاة في المسجد منذ صِغري -ولله الحمد-، وحفِظْتُ أجزاءً مِن القرآن الكريم - ولله الحمد-.

بعد تفوُّقي في الثانوية العامَّة دخلتُ الجامعة؛ كلية الهندسة، وكان تخصصي الهندسة المعلوماتية الطبية الحيوية، وفي الجامعة واجهتْني مشكلاتٌ عديدةٌ؛ كان أولها كرهي للتخصُّص؛ بسبب أنه يحمل في طياته الطب؛ وأنا مهندس، والدراسةُ فيها أجزاء في الطب، وأنا أكرهه لكثرة الحِفظ فيه، وبسبب اللغة الإنجليزية التي أنا ضعيف فيها!

استمررتُ في هذا التخصُّص ولم أَعُدْ مُتفوقًا؛ فلقد كرهتُ الدراسة بعدما كنتُ أحبها، وأصبحت أحاول التهرُّب منها بأية وسيلة، وانْخَفَض مستواي، حتى إنني رسبتُ في بعض المواد!

قررتُ فتْحَ صفحةٍ جديدةٍ، وكانت النتائجُ رائعةً في الامتحان الأول، ولكن بعد الامتحانِ الأول تراجَع مُستواي، وصِرتُ أهرب مِن الدراسة، وخاصة أن مُعظم موادِّنا مبنيةٌ على الحفظ، وتحتاج إلى دراسةٍ في البيت، ولم أفعلْ؛ فأرشدوني - جزاكم الله خيرًا-.

أما مشكلتي الأخرى التي واجهتني: فقد ذكرتُ -سابقًا- أني نشأتُ على الالْتِزام في بيئةٍ فاسدةٍ، ولقد اتَّسَع هذا الفسادُ في الجامعة، وأهم ما واجَهَني فيها هو التبرُّج والاختلاط ووقاحة البنات، وأنا شابٌّ غيرُ متزوجٍ، ولا أستطيع الزواج في الوقت الحاضر، وقد أغرتني النساءُ كثيرًا بجمالهنَّ؛ فأصبحتُ أُفَكِّر فيهنَّ كثيرًا حتى إنني قمتُ بإنشاء حسابٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، وأتحدَّث مع بعض البنات، مجرد كلام فقط، والحمدُ لله تَوَقَّفْتُ عن ذلك، وتُبتُ إلى الله، لكن بَقِيَتْ فتنةُ النِّساء والنظَر، فلا أطيق غض البصر أحيانًا، علمًا بأني لم أقعْ في الحرام، أو حتى التكلُّم مع فتاةٍ وجهًا لوجه كما يفعل أغلب الطلاب، أو حتى الجلوس معهنَّ، فأنا بعيدٌ عن ذلك -ولله الحمد-.

تبقى وساوسُ الشيطان ونفسي تجرُّني إلى فِعْل ذلك، وأبقى أفكِّر فيهنَّ، حتى إذا نظرتُ إلى فتاةٍ أتخيَّل أني أتزوَّجها، وأفعل كما يفعل الزوجُ! كما أنني أُعاني مِن الشهوة الجنسية الزائدة أحيانًا، ربما نتيجة هذا الفعل، والله أعلم.

فأرجو مساعدتي فيما طرحتُ مِن مشكلاتٍ - وجزاكم الله خيرًا-.

 

 

 

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فحلُّ مشكلتك الدراسية -أيها الابن الكريم- يسيرٌ- إن شاء الله تعالى وإنما يتطلَّب منك إعادة نظرٍ، وليس إعادة النظر في أن يكونَ القرارُ أن تتركَ دراسةَ الهندسة المعلوماتية، ولكن إذا رأيتَ الاستمرارَ فيها، فلا بد أن تُؤكِّدَ على نفسك أن الأمرَ يتطلَّب منك عزيمةً أكبر، ومجهودًا أكبر، فإذا كانتْ لديك القدرةُ لهذا الجهد، فنقول لك: واصِلْ، وإذا رأيتَ أنك لن تستطيعَ أن تسيرَ في هذا المسارِ، فأنا حقيقةً أنصحك بأن تذهبَ إلى أحد التخصصات الأخف، والتي تتماشى مع مُيولك، وإن كنتُ أعتقد أنه بمَقْدُورك الاستمرار في تخصصك، بل والتفوُّق؛ بدليل أنك لما عزمتَ وقرَّرتَ -في بداية هذا الفصل- فتْحَ صفحةٍ جديدة كانت النتائجُ رائعةً في الامتحان الأول؛ إذًا فأنت لا تنقصك الإمكاناتُ والمؤهلات الشخصية والعقلية، وكذلك الاستعداد، فسَلْ نفسك: ماذا حصَل بعد الامتحان الأول كي يهبطَ مُستواك مرةً أخرى؟ وستعرف السبب إن طلبتَه بصِدْقٍ، وبحثتَ عنه في نفسك، وتذكَّر -دائمًا- أن كثيرًا من الأمور تُواجهنا في الحياة الدنيا -ومنها الدراسة- ونحن لا نريدها، ولا تُوافق ميولنا... إلى غير ذلك، ولكن نتعامَل معها؛ والإنسانُ القوي إذا واجه هذه الأمورَ بقوةٍ وعزيمةٍ ماضيةٍ، واسْتَمَدَّ العون مِن الله، يُوَفَّق بلا شك.

وتذكَّرْ -أيها الابن الكريم- وذَكِّرْ نفسَك بذلك دائمًا: أنَّ وُصولك إلى هذا المستوى العلمي يَدُلُّ على أنَّ الله وَهَبَكَ قدراتٍ عاليةً على الفَهْم تُؤَهِّلك للنجاح، وتُوَصِّلك -بإذن الله- إلى الخير والفلاح، فاشكر الله على ما أولاك، وأشْغل نفسك بعبادتِه ورضاه، ونَظِّم وقتك، واحرِصْ على المذاكَرة والاجتهاد، ثم توَجَّه لرَبِّ العباد، واستعذْ بالله مِن الشيطان الذي يكبر في نفسك مَسائل الميول والاستعداد وغيرها؛ ليصدَّك عن التوفيق، فلا يخفى عليك أن الإنسان إذا أراد النجاح في أي ميدانٍ فإنه يمكن أن ينالَ ذلك بتوفيق الله، ثم بحِرْصه على بَذْل الأسباب، بعد التوكُّل على الكريم الوَهَّاب، بدليل ما حصَل معك في الامتحان الأول، وقد وُجد مَن أبدع في غير مجال تخصصه، والهمةُ العالية توصل أصحابها إلى المعالي، فعليك بالآتي:

  1.  اللجوء إلى الله.
  2. - مُصادقة ومُسايرة الصالحين أصحاب الهمة العالية.
  3.  تنظيم الوقت.
  4.  إعطاء الجسم حقه مِن الغذاء وحظه مِن الراحة.
  5.  بذْل أسباب النجاح.
  6.  الابتعاد عن المعاصي؛ فإنها تُنسي العلم؛ لا سيما النظَر للفتيات.
  7.  الصبر؛ فاصبرْ، وصابرْ، وتصبَّرْ؛ فذاك مفتاحُ النجاح والفلاح والفرَج.
  8.  تقوى الله -عز وجل- فإن الله وعَد أهلها بتيسير الأمور؛ فقال -سبحانه-: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، نسأل الله لك التوفيق والنجاح.

 

أما تعلقك بالنظر للنساء، فعلاجُه بإغلاق أبواب الشرِّ، كما أمرتنا الشريعةُ بالابتعاد عن قربان أو الاقتراب مِن الفواحش والزنا؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]، وقال -أيضًا-: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام: 151]. فحرَّم النظرةَ والكلمةَ والخلوةَ، وسدَّ الأبواب الموصلة، ونحن في زمانٍ القابضُ فيه على دينه كالقابض على الجمر، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يحفظَ علينا ديننا، وفي الحديث قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليعجب من الشاب ليستْ له صَبْوةٌ» (إسناده حسن‏‏، رواه الهيثمي في مجمع الزوائد)؛ أي: ليستْ له زلاتٌ، أو ليستْ له مَعاصٍ مِن المعاصي الكبرى التي يقع فيها كثير مِن أقرانه، ممن هم في مِثْل سنِّه؟

ذكِّرْ نفسك -دائمًا- بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سبعةٌ يُظلهم الله في ظلِّه، يوم لا ظل إلا ظله»، ومنهم: «شابٌّ نشأ في عبادة ربِّه»، ومنهم: «رجلٌ طلبته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخاف الله» (رواه البخاري ومسلم).

وهذا الإكرامُ الإلهي يكون عند كثْرة الفِتَن، وانتشار المعاصي، وشيوع التبرُّج، والفجور، فيكون الشابُّ الذي يحافظ على دينه، ولا يقع فيما يغضب مَوْلاه - مِن أعظم الناس أجرًا، ومِن أعلى الناس درجة، حتى إنه ليأتي في ظل العرش يوم القيامة، وهذه منزلةٌ عظيمةٌ؛ فاحرصْ على تلك الإرشادات دائمًا:

  1.  أن تختار لنفسك أبعد الأماكن عن النساء في قاعة الدراسة، فخَيرُ صفوف الرجال أولها حتى في الصلاة، والعلة في ذلك هو بُعدها عن النساء.
  2.  غض بصرك؛ فإنما لك الأولى، وعليك النظرة الثانية، وهو في استطاعتك، لا كما تظن أنك لا تستطيع؛ فإنَّ الخالقَ سبحانه قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]؛ أي: أمرًا تسعه طاقتنا، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78]، أي: مشقة وعُسْر، بل يَسَّرَه غاية التيسير، وسَهَّلَه غاية السهولة، فما أمر وألزم إلا بما هو سَهْل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، فأصلُ الأوامر والنواهي ليس مما يشق على النفس، بل هي غذاء للأرواح، ودواء للأبدان، وحمية عن الضرَر، فالله تعالى أمَر العباد بما أمرَهم به رحمةً وإحسانًا، ومع هذا إذا حصل بعضُ الأعذار التي هي مظنة المشقَّة حصَل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم.
  3.  أرجو أن تجدَ مَن يُعينك على تحصين نفسك بالزواج.
  4.  أشغل نفسك بكثرة الذِّكْر، واجعلْ همك الاجتهاد؛ لتحافظَ على تفوقك.
  5.  اجعلْ علاقتك مع الصالحين مِن الزملاء، واجتهدْ في نُصح الآخرين بأسلوبٍ حسنٍ لطيفٍ.
  6.  اعلمْ أن التزامك بآداب الإسلام يجلب لك احترام الجميع، وسوف يدفع الله بك الشرور.

وفقك الله لكل خير