أبي يمنعني من اصطحاب زوجتي أثناء السفر

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - الأدب مع الوالدين -
السؤال:

أنا طالبٌ جامعي أدرس في أمريكا، متزوجٌ منذ سبعة أشهر، ذهبت إلى بلدي وتزوجتُ، ثم رجعتُ لأكمل الدراسة، وتركتُ زوجتي في بلدي مع أهلي.

مشكلتي أني افتقدتُ زوجتي لدرجة أنَّ خيالها لا يُفارق ذهني طوال الوقت، خصوصًا أننا لم نمكثْ معًا فترة طويلة بعد زواجنا، وقد قررتُ العودة لبلدي؛ لِأَخْذِ زوجتي معي إلى أمريكا؛ حتى أرتاح نفسيًّا، وهي أيضًا.

أخبرتُ والدي وأهلي، لكنهم رفضوا قراري، وقالوا: أنت عاصٍ ولا تحترمنا باتخاذك قرارًا مثل هذا.

أنا أريد أخْذ زوجتي لتُعينني على أن أَعُفَّ نفسي وأعفها، فأنا أُحِب زوجتي وهي تحبني، ولا نريد الافتراق لسنوات، والمشكلةُ الكبرى أن الدراسة ستستمر أربع سنوات حتى تنتهي. حالتي الاقتصادية جيدة، وتسمح لي بالعيش مع زوجتي، بالإضافة إلى مصروفات الدِّراسة.

المشكلة تكْمُن في أهلي، ورفْضِهم قراري بأخْذِ زوجتي للعيش معي، وأنا أُحِبُّ زوجتي وأهلي، ولا أريد أن تكونَ هناك مشاكل داخل الأسرة، فهل يجوز لي أخْذ زوجتي وعدم إطاعة أهلي؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:

فجزاك الله خيرًا -أيها الابن الكريم- على بِرِّك بأهلك، وحِرْصِك على عدم إغضابهم، والسعي في رضاهم، وبعدُ:

فلا يتوقف عالمٌ بأحكام الشريعة ومقاصدها العظيمة في أنَّ مِن حق زوجتك عليك ألا تغيبَ عنها مدةً يحصُل التضرُّر بها إلا بإذنها، وقد حدَّد ذلك كثيرٌ مِن أهل العلم بستة أشهر؛ واحْتَجُّوا بما رواه عبدالرَّزَّاق وسعيدُ بن منصور وغيرهما عن الفاروق عمر أنه خرج ليلةً يحرس الناس، فمَرَّ بامرأةٍ وهي في بيتها، وهي تقول:

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهْ *** وَطَالَ عَلى أَلَّا خَلِيلَ أُلَاعِبُهْ

فَوَاللهِ لَوْلَا خَشْيَةُ اللهِ وَحْدَهُ *** لَحرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرَيرِ جَوَانِبُهْ

فلما أصبح عُمَرُ أرسل إلى المرأة، فسأل عنها، فقيل: هذه فلانة بنت فلانٍ، وزوجها غازٍ في سبيل الله، فأرسل إليها امرأةً، فقال: كوني معها حتى يأتي زوجُها، وكتب إلى زوجها، فأقفله، ثم ذهب إلى حفصة بنته، فقال لها: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالتْ له: يا أبه، يغفر الله لك، أمثلُك يسأل مثلي عن هذا؟ فقال لها: إنه لولا أنه شيءٌ أريد أن أنظرَ فيه للرعية ما سألتك عن هذا، قالت: أربعة أشهرٍ، أو خمسة أشهرٍ، أو ستة أشهرٍ، فقال عمر: يغزو الناس يسيرون شهرًا ذاهبين، ويكونون في غزوهم أربعة أشهرٍ، ويقفلون شهرًا، فوَقَّت ذلك للناس مِن سنتهم في غزوهم.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني": "وسُئِل أحمدُ: كم للرجل أن يغيبَ عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهرٍ".

وقال صاحب "كشاف القناع" من فقهاء الحنابلة: "(وإن لم يكن) للمسافر (عذرٌ مانعٌ من الرجوع، وغاب أكثر مِن ستة أشهرٍ، فطلبتْ قُدومه، لِزَمَه ذلك)".

والذي يظهر أن هذا التأقيت مِن عُمَرَ -رضي الله عنه- ومن العلماء بعده يجري مجرى الاجتهاد؛ لعدم وُجود نَصٍّ صريحٍ في ذلك؛ فالمسألةُ تتغير بتغيُّر الزمان والمكان والأحوال، ولا شك أنَّ زمان الصحابة -رضي الله عنهم- ليس كزماننا؛ فإنه كان زمان تقوى، وديانةٍ، وعفةٍ، وصيانةٍ، وكان هناك داعي التقوى والتدين، وكذلك المعين على الحق مع انعدام الفتن والشرور إلا ما ندر، وهذا بخلاف زماننا الذي كَثُرَتْ فيه الفِتَن والشهوات؛ حتى إنها لتَمُوجُ كموج البحر، ولا يكاد يسْلَمُ منها أحدٌ.

ويَتَقَرَّر من هذا أنك وزوجتك أعلم الناس بأحوالكما؛ فإن كان لكما طاقةٌ بالصبر، فلا حرج أن تَتَّفِقَا على مدةٍ معينةٍ.

ويقول الشيخ عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر -رحمه الله-: "ولئن كان عُمَرُ جعَل أَمَد البعد أربعة أشهرٍ -في بعض الروايات- فلعل ذلك كان مناسبًا للبيئة والظروف التي ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفةٌ، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكبار، ويختلف من زوجةٍ فيها دينٌ وخلقٌ قويٌّ إلى من ليس عندها ذلك، والزوج هو الذى يعرف ذلك ويقدره.

وإذا كنت أنصح بتحمُّل بعض الآلام؛ لمصلحة الأسرة ماديًّا، فإني أنصح الزوج -أيضًا- بألا يتمادى في البعد، فالسعادةُ النفسيَّةُ باللقاء على فترات متقاربةٍ لها أثرُها في سعادة الأسرة" انتهى من فتاوى دار الإفتاء المصرية.

"ولئن كان عُمَرُ -رضي الله عنه- بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته؛ قد جعل أجَل الغياب عن الزوجة أربعة أشهرٍ، فإن ذلك كان مراعًى فيه العُرف والطبيعة إذ ذاك، أما وقد تغيَّرَت الأعرافُ واختلفت الطباعُ؛ فيجب أن تُراعَى المصلحة في تقدير هذه المدة، وبخاصةٍ بعد سهولة المواصلات، وتعدُّد وسائِلِها.

ومهما يكن مِنْ شيءٍ، فإن الشابَّةَ إذا خافت الفتنة على نفسها بسبب غياب زوجها، فلها الحق في رفْعِ أمرها إلى القضاء؛ لإجراء اللازم نحو عودته أو تطليقها؛ حِفاظًا على الأعراض، ومنْعًا للفساد، فالإسلامُ لا ضرَر فيه ولا ضرار" انتهى من فتاوى دار الإفتاء المصرية.

والذي يظهر مِن كلامك -أيها الابن الكريم- أنه لا طاقة لك بالبُعد عن زوجتك؛ فأنت مُغتربٌ، وتريد زوجتك معك؛ لتُعينك على تحمُّل الصِّعاب والفِتَن، وهذا حقٌّ خالصٌ لك ولزوجتك، وليس لأيِّ أحدٍ منعكما منه، فهذا في الظروف العادية، فما بالنا إذا خشي المرءُ الوقوع في الحرام! ففي تلك الحال يجب عليك إحضارها، ولو لم يأذن الوالدان؛ لأن طاعة الوالدين واجبةٌ في المعروف فقط.

فترفق بوالديك، وأظْهِرْ لهما حرصك على برهما وطاعتهما، ولكن هذا لا يتعارَض مع سفَر زوجتك معك، وبيِّن لهما حاجتك لرفيقٍ في تلك البلاد البعيدة، ولا تتحرَّج أن تشرح لهما حاجتك الفطرية لوجود زوجتك معك وأنه عصمةٌ لك؛ كما بيَّنه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيَتَزَوَّج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاء» (صحيح البخاري).

واجتهدْ في إقناع والديك، وبيان الحكم الشرعي لهما، وأن الحفاظ على النفس وعلى الأهل والأولاد مسؤوليةٌ شرعيةٌ على الزوج، لا يجوز التهاوُن فيها، لا سيما وأنت تذكر أنك ميسور الحال؛ فلا معنى لبُعد أهلك عنك، بل قد يكون وُجودُها محفزًا لك على التفوق، والانتهاء السريع من رسالتك، وإن كان لديهم سببٌ وجيهٌ لرفضهم، فأجب لهم عليه، وذكرهم بأنَّ الوضع الطبيعي وجود زوجتك بجانبك ما دمتَ قد تزوَّجْتَ وقُضِيَ الأمر، وأنه من الطبيعي أن تتمسك بوجودها معك.

فإنْ أَصَرَّ ولداك على موقفهما -لا قدر الله- فلا بأس مِن إحضار زوجتك، وليس هذا عقوقاً؛ ما دمتَ تغيب عنها أكثر مِن ستة أشهر، وما دُمْتَ خائفًا على نفسك من الوقوع في الحرام، وطاعة الوالد بالمعروف واجبةٌ إن لم تؤَدِّ إلى الوقوع في الحرام؛ فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، مع حرصك على إرضائهما بالتلطف واللين في معاملتهما، وإشعارهما بالحب والمودة، واطلُبْ رضاهما، ودعاءهما دومًا.

جمع الله شملك بزوجتك على خيرٍ.