أريد الخلع من الزاني .. وهو متمسك بي؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال:

أنا متزوجةٌ منذ سنتين ونصف تقريبًا، خرجت من البيت غاضبة، وأقيم عند أهلي منذ سنة ونصف تقريبًا، زوجي كثيرُ الكذب، ويتعاطى الحبوبَ المخدِّرة، ويسرق أموالي الخاصة، وقد سرق مبلغًا من المال مِن أحد الجيران.

لا يُصَلِّي إلا قليلًا، ليس عنده وعيٌ دينيٌّ، وله علاقات مع البنات، لا يحب تحمُّل المسؤولية والعمل، ومن ثَم لا يستطيع النفَقة على البيت، ويحب أن يُلقي مسؤوليتي على عاتقِ أمِّه!

منذ خُروجي مِن بيتهِ وهو يُحاول إرجاعي بشتى الطرُق، وأنا وأهلي مُصَمِّمون على الطلاق، وقد رفعتُ دعوى طلاق، ثم رفعتُ دعوى للخلع، وأنفقتُ الكثير والكثير من الأموال في المحكمة، وهو ما زال يُرسل لنا للصلح، ويشرط على نفسه أنه سوف يلتزم، ويكون إنسانًا جادًّا وملتزمًا، وأنه سوف ينضبط معي، وسيُلَبِّي كل شروطي إذا وافقتُ على الصُّلْح؛ وأنا خائفةٌ جدًّا مِن أن يكون هذا كذبًا منه، وحيلةً فقط لِرُجوعي، وبعد أن أرجع يتضح لي عكس ذلك، فماذا أفعل؟ هل أُصَدِّقه أو لا؟ وهل أُصَمِّم على طلب الطلاق أو لا؟

أهلي يرفضون الصلح أيضًا، وقد قَرُبت جلسة حكم المحكمة بالخلع، فماذا أفعل؟ وهل من الممكن إصلاحه ومساعدته ليكون إنسانًا حسنًا؟ أو أن هذه أوهام وسأفشل فيها؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فاللهَ أسأل أن يُفَرِّجَ عنك -أيتها الابنةُ الكريمةُ- ما أنت فيه مِن ابتلاءٍ، وأخلف اللهُ عليك بزوجٍ صالحٍ حسن الدين والخلُق؛ تنعمين معه بالعيش الطيب، ويتحمل مسؤوليته في النفقة عليك، وحُسن العِشْرة.

أما هذا الزوجُ فنصيحتُنا لك أن تُوافقي أهلك بإتمام الخُلْع منه؛ لأنَّ الظاهرَ أنه لا خير فيه، فليس عنده الحدُّ الأدنى مِن الدين، ومِن ثَمَّ ترَك الصلاة، وكذب في الحديث، وسرق أموالك، وأموال جيرانك، ويُضَيِّق عليك، ويُقيم علاقاتٍ مُحَرَّمةً مع النساء، ويتعاطى المُخَدِّرات، فهو -حقًّا- زوجٌ فاسدٌ، ومسيءٌ لعشرتك، والمصيبةُ الكبرى في تركه للصلاة؛ فإنَّ الصلاة أعظم أمور الدين، وترْكها تكاسُلًا يُخرج مِن الملة، فلا أجد بصيصَ نورٍ يجعلني أنصحك بالصبر عليه، وإعطائه فرصةً أخرى.

وقد جربنا الشباب الذين على هذا النحو، فوجدنا أن الصبر معهم إضاعةٌ للعمر فيما لا يُجْدِي، فمُفارقتُه هي الأَوْلى والأفضل، وأقل الضررين؛ إذ البقاءُ مع شخصٍ بهذه الصفات لا خير فيه، ولا ينتظر منه إلا الشر والضياع؛ كما قال أبو الحسن التهامي:

طُبِعَتْ على كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا *** صَفْوًا مِنَ الأَقْذَاءِ وَالأَكْدَارِ

 وَمُكَلِّفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا *** مُتَطَلِّبٌ في المَاءِ جَذْوَة نَارِ

 وَإِذَا رَجَوْتَ المُسْتَحِيلَ فَإِنَّمَا *** تَبْنِي الرَّجَاءَ عَلَى شَفِيرٍ هَارِ

وقوله: إنه سيلتزم، ويكون مستقيمًا؛ فاعلمي أنَّ مِن العلم الضروري الذي يعلمه كلُّ أحدٍ مِن نفسه أن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة تُوجِب وُجودَ الفعل؛ لكمال وجود المقتضي السالم عن المُعارض المُقاوم، فإن كان ظهَر عليه علاماتُ الاستقامة بأن واظَبَ على الصلاة، وابتعد عن الكبائر التي ذكرتِها، وحَسُن حالُه، فصَدِّقي كلامه، وارجعي إليه، فهدايتُه ليستْ بالأمر المستحيل إن خَلُصَتْ نيتُه وشاء الله، أما إن لم يقعْ منه شيءٌ مِن الأفعال في الواقع، وإنما هو كلامٌ وحسب - فاعلمي أن إرادته للحق لم تكن جازمةً؛ إذ يستحيل مع الإرادة الجازمة عدم الاقتران بالفعل، وإنما يكون كلامه مجرد كلامٍ وحسب.

والطلاقُ ليس شرًّا في كل الأحوال، بل قد يكون خيرًا، وإلا لما شرعه اللهُ، فحينما تجفُّ القلوبُ، فلا تطيق هذه الصلة، ولا يبقى في نفوس الزوجين ما تستقيم معه الحياة، فالتفرُّق إذًا خيرٌ؛ لأنَّ الإسلامَ لا يمسك الأزواج بالسلاسل والحبال، ولا بالقيود والأغلال؛ إنما يمسكهم بالمودة والرحمة، أو بالواجب والتجمل.

فإذا بلغ الحال ألاَّ تبلغ هذه الوسائل كلها علاج القلوب المتنافرة، فإنه لا يحكم عليها أن تقيمَ في سجنٍ مِن الكراهية والنفرة، أو في رباطٍ ظاهري، وانفصامٍ حقيقي! {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130].

فالله يَعِدُ كلاًّ منهما أن يُغنيه مِن فضله هو، ومما عنده هو، وهو-سبحانه- يسع عباده، ويوسع عليهم بما يشاء، في حدود حكمته وعلمه بما يصلح لكل حالٍ.

قال القرطبي: "أي: وإن لم يَصْطَلِحَا، بل تفرَّقا، فلْيُحْسِنا ظنهما بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقَرّ بها عينُه، وللمرأة مَن يُوَسِّع عليها".

مع التنبيه على أنَّ مَن يتوكل على ربِّه، ويُحسن الظن به، فسوف يكفيه كلَّ ما أَهَمَّهُ؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

نسأل الله تعالى أن يُعَجِّلَ لك الفرَج، وأن يُقَدِّرَ لك الخير، ووصيتنا لك بتقوى الله تعالى وإحسان الظن به سبحانه ؛فإنه لا يضيع عبده المتوكل عليه.