أشكو من ضعف في الذاكرة ونسيان الماضي، ما سبب ذلك؟

أفعالي آلية، خالية من التخطيط؛ عندما أتحدث مع الناس ردودي آلية، وعندي قدرة على الرد المنمق والمقنع؛ ولكن التفكير بهدوء وتفنيد الأمور لا أحس به لأن عقلي وتفكيري يركض. المعضلة لو المتحدث سألني عن وقت حدوث شيء بأول الأسبوع أو قبله بيومين فأنا بالطبع (ناسية)

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم.

ما زلت أشعر بالتوهان الشديد، وعدم القدرة والسيطرة على أفكاري، وشعور مزعج جدًا بالدوشة في عقلي؛ كشعور الشخص الذي لم ينم منذ يومين، وبدأ يضعف تركيزه ووعيه. ذهني مشغول بلا شيء، وأعاني من نسيان للأحداث التي تحصل خلال الأسبوع؛ لا تسألني عن أمس أو قبله. أحس أنني أعيش فقط لحظتي التي أنا فيها منفصلة عن الأمس والغد؛ وهذا شعور يقتل. أنا في حالة تشفير دائم؛ أحس أن ذهني مشوش جداً، لا أعرف بماذا أفكر؟ أو ماذا أريد؟ لا أستطيع التركيز على موضوع معين؛ فالأفكار تهرب بسرعة. أشعر وكأن عقلي مقفل عن التفكير والتركيز. مندفعة في أفعالي؛ فجأة يطرأ عليَّ أمر أقوم بفعله من دون تفكير، واللحظة التي بعدها يطرأ عليَّ أن أذهب لشراء شيء؛ فأفعل كل شيء وليد اللحظة التي أنا فيها.

أفعالي آلية، خالية من التخطيط؛ عندما أتحدث مع الناس ردودي آلية، وعندي قدرة على الرد المنمق والمقنع؛ ولكن التفكير بهدوء وتفنيد الأمور لا أحس به لأن عقلي وتفكيري يركض. المعضلة لو المتحدث سألني عن وقت حدوث شيء بأول الأسبوع أو قبله بيومين فأنا بالطبع (ناسية)، لا أعرف ما سبب هذا النسيان والتشفير؟ كل ما أفكر بموضوع النسيان أشعر بضيق شديد، وأصبحت أتفقد ذاكرتي، وأتذكر أشياء بالشهر الماضي حتى أطمئن أن لدي ذاكرة؛ فأنا مجبورة أن أتفقد ما جرى لي بالأمس وما قبله، وهكذا... أنا حزينة جداً. أشعر أنني سأدخل بدوامة الوسواس مع موضوع النسيان. أريد تشخيصاً دقيقاً للنسيان. دائما أكون ذاهبة بجسدي لكن عقلي ليس حاضراً؛ أصلي آلياً، أتكلم مع الناس آلياً، أقوم بأعمالي آلياً، أشعر (بالبلاهة) مع ما أحس به. أشعر بثقلٍ في رأسي وكأن رأسي مشدود، وبفتور في رأسي (دوخة خفيفة). أشرب المنبهات كثيراً لعلني أشعر بشيء من (الروقان) في عقلي المشوش. أشعر أنني كالهائمة على وجهي، وبضيق شديد؛ لأنني لا أعرف تشخيصاً لحالتي التي صبرت عليها قرابة السنة، أريد التخلص منها.

وكان عندي نقص في فيتامين (د) وعالجته، وأصبحت ممتازة -والحمد لله-، وبالنسبة لفيتامين (ب) نسبته 12 ليس به نقص.

لي استشارة قبل هذه؛ سألتكم فيها عن حادثة جرت لي، كنت مرة في حالة تفكير شديد وأصبت بألم في النصف الأيسر من رأسي فوق الأذن، وظلَّ الألم أربعة أيام، ستجدون الشرح هناك؛ هل ذلك أثر عليّ، وهو السبب بما أشعر به؟
أرجوكم دِلُّونِي على ما يُخلصني؛ فلقد ضاقت بي نفسي.

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضلة/ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد؛

قرأتُ رسالتك بتمعنٍ أكثر من مرة، ووجدتُ أن هناك ثلاثة أشياء تؤرقك: التفكير المتواصل، النسيان، والانفصال من المشاعر؛ وقد عبرت عنه أنك أصبحت آلية (كالآلة) أو التشفير –يعني الحجب– وهنا تتكلمين عن مشاعرك، وأصبح ما يؤرقك النسيان –كما ذكرت– وتريدين حلًّا.

قبل أن أحاول أن أصف لكِ علاجًا، فقد قمت بقراءة الاستشارات السابقة. أولاً ما حصل لكِ قبل فترة؛ من صداع نصفي –أو من صداع حول العين– واستمر لمدة أربعة أيام، لا علاقة له لما يحدث الآن، أريد أن أطمئنك في هذا الموضوع.

لكي نشرح لكِ موضوع النسيان؛ يجب أن نعلم كيف تعمل ذاكرة الإنسان. ذاكرة الإنسان تتكون من ثلاثة أشياء: أولاً الانتباه إلى المعلومة، ويتم بعدها تسجيل هذه المعلومة، ثم تخزينها، ثم استدعاؤها. كبار السن تحصل لهم مشاكل التخزين لضمور خلايا المخ، ولذلك تصبح عندهم مشكلة في تذكّر الأشياء الحديثة، ويستدعون الأشياء القديمة التي تمَّ تخزينها؛ أما صِغار السن مثلك فمشكلتهم في التسجيل أو الانتباه. هم لا يستطيعون استدعاء المعلومات – أي لا يتذكرون – لأنهم أساسًا لم يُخزّنوها، ولم يُخزِّنوها لأنهم لم يُسجِّلوها، ولم يُسجلوها لأنهم لم ينتبهوا إليها.

إذًا ما هي المشاكل التي تؤدي إلى عدم الانتباه؟ هو هذا التفكير المستمر، والانشغال الزائد، والقلق. فواضح أن التفكير جزء من القلق، حتى أصبح تفكيرًا وسواسيًا. والقلق يؤدي إلى –كما ذكرتُ– الانفصال عن المشاعر، أو –كما ذكرتِ أنتِ– التشفير، أو التحرُّك الآلي؛ كل هذه مؤشرات إلى أنك تعانين من قلق مستمر.

هناك طريقتان لحل مشكلتك: طريقة دوائية؛ أي استعمال دواء لفترة معقولة -هذا الدواء لا يؤدي إلى الإدمان-، أنصحك وأوصي بأن تستعملي (ديولكستين) ثلاثين مليجرامًا يوميًا لعدة أشهر؛ فهو لا يؤدي إلى الإدمان، ويُساعد في القلق؛ ولكن مع هذا لا بد من معالجات نفسية لهذا القلق الدائم والتفكير المستمر.

العلاجات النفسية: هناك أشياء يمكنك أن تأتي بها بنفسك؛ حاولي أن تسترخي، الاسترخاء مهم، الاسترخاء عادةً يتم بالاسترخاء البدني: الرياضة –خاصة رياضة المشي– فهي تؤدي إلى الاسترخاء، أو عمل تمارين رياضية غير عنيفة في المنزل يوميًا، أو أساليب الاسترخاء المعروفة: إما الاسترخاء بالتنفس العميق، أو الاسترخاء العضلي. يجب أن تمارسي هذه الأشياء بانتظام حتى تكون جزءاً من حياتك.

ثانيًا: الانشغال عن هذه الأشياء بعمل صداقات وعلاقات من أصدقاء –صديقة أو صديقتين– تتقربين إليهما، وتتكلمين معها أو معهنَّ عن مشاكلك وتفضفضين –كما يقولون– أو تبُثيّ وتتكلمي عن مشاعرك وما يجول بداخلك؛ فهذا يُساعدك كثيرًا.

أنا على ثقةٍ لو أنك واصِلتِ في هذين الشيئين معًا -العلاج الدوائي والعلاج النفسي السلوكي المعرفي: تمارين الاسترخاء- فإنكِ سوف تتخلصين من هذا القلق الذي يؤدي إلى الانفصال عن المشاعر، والتفكير المستمر، وبالتالي النسيان، وتعيشين حياةً طبيعية.
وفَّقكِ الله وسدَّد خُطاكِ.

د. عبد العزيز أحمد