هل ظلمت تلك الفتاة بتركها؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

تعرَّفتُ إلى فتاةٍ، وهي أخت زميلتي في العمل، أُعجبِتُ بها، وتقدَّمت إليها، وطرحتُ عليها موضوعَ الزواج دون علمِ أي أحدٍ من أهلي وأهلها، فقَبِلتْ، واشترطتْ عليَّ أن تعملَ وألَّا تَلبَس البُرْقُع! فقَبِلتُ!
ولا أدري كيف قَبِلتُ؟ فأنا في الحقيقة شابٌّ ملتزم والحمد لله، لكني لا أدري كيف فُتِنتُ بها؟!
وبعد مضي أشهر أخبرتُ أختي بالموضوع، فنصحتني بالتخلِّي عنها؛ حيث تَعرِف عنها أخلاقًا سيِّئة، وكان قرار الفراق يَحِيكُ في صدري دائمًا؛ خاصةً بعدما عدتُ إلى الله، واستغفرتُ مما كان مني مِن تفريط.
المهم.. اتصلتُ بهذه الفتاة، وأخبرتُها بأنني سوف أقطَع هذه العَلاقة، ولن أتزوَّجها، وكل شيء يجري كما كتَبَه الله لنا، وطلبتُ منها أن تقبلَ اعتذاري، فأغْلَقَتِ الهاتف، بعد أنْ أرسلتْ رسالةً مضمونها: أنها لن تسامحني، وكانتْ هذه صاعقة لي!
منذ ذلك الحين وضميري مشوَّش، والله يعلم أني لم أَنْوِ أبدًا خيانتَها، أو العبثَ بمشاعرِها.
أفيدوني، بارك الله فيكم.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فاحمدِ الله - أولًا - أنْ مَنَّ عليك بالعودةِ للتدين، وبالبعدِ عن تلك الفتاة؛ فلا يَخفَى عليك حُرْمة تلك العَلاقات، والمحادَثات بين رجل مسلم وامرأة ليستْ زوجةً له ولا هي من محارمِه إلا لحاجة قدِّرت شرعًا بقدرِها وفي حدودِ الأدب وأحكام الشرع الحنيف، وهذا أمرٌ فطريٌّ بدهي.
والزواجُ في شريعتنا وقِيَمنا السامية له ضوابطُ؛ فمَن أراد الزواج مِن فتاةٍ معينة تقدَّم لخِطْبتها الخِطْبة الشرعية مِن وليِّها، وأتى الدارَ مِنْ بابها، ولا يربط معها علاقات ومعاهدات معينةً وهي ما زالتْ أجنبيةً عنه، وقد أحسنتَ إلى نفسِك وإلى تلك الفتاة حين تبتَ إلى الله تعالى ورجعتَ عن وعدِك لها بالزواج واستمعتَ لنُصْحِ أختك ولم تُغَلِّب العاطفة؛ لأن الغالِب على مَن تُكَلِّم رجلًا أجنبيًّا عدمُ التحفُّظ مِن الحديث مع غيره وهكذا، وذلك الأمر يَستَحِيل عذابًا وشكًّا إن تمَّ الزواجُ بتلك الطريقة، والواقعُ خيرُ شاهدٍ!
وإلقاء الفتاةِ بالمسؤولية عليك غيرُ منطقيٍّ؛ فأنتَ وهي متساويان في أصل المخالَفة، وإن كانتْ مخالفتُها أكبر؛ لما يتضمَّنه مِن خيانة لأهلها وأوليائها، ولأن المرأة هي مَن تَفتَحُ البابَ للرجال؛ فالمرأةُ الصالحة قائمةٌ بطاعة الله، وتحفظ أهلها بنفسها، بحِفظ الله وتوفيقه لها؛ كما قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]، وتلك الصالحةُ مهما حاول الرجالُ الوصولَ إليها فلن يستطيعوا!
فاحذرْ مِن عُقدة الذنب تلك؛ حتى لا تدفعَك إلى الحنين للفتاة مرَّة ثانية، وابتعدْ عنها بالكليَّة، ولا تتركْ لها حبلًا تستطيع مِن خلاله الوصولَ إليك.

كما أنصحُك بعدمِ الالتفاتِ لما قالتْه؛ فحتى لو كنتَ خاطبًا لها مِن أهلها فلك أن تتركَها إن ظهرَ ما يدفعُك لهذا؛ لأنه وعدٌ غيرُ لازم، وعلى الفتاة أن تَلُومَ نفسها الأمَّارة بالسوء التي قادتْها إلى التساهُل معك أو مع غيرك، مما لا يحلُّ شرعًا، وأن تتوبَ إلى الله تعالى مِن ذنبها، لا أن تُلقِي باللَّوْم على غيرها، وكأنها لم تُذنِب - عافاها الله - فالعود أحمدُ، ولتَقتَدِي بامرأةِ العزيز لما تمحَّض الحقُّ وتبيَّن، فقالتْ فيما حكاه القرآن عنها: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53]؛ أي: من المراودة، والكيد في ذلك؛ فالنفس كثيرًا ما تأمر صاحبَها بالفاحشة، وسائر الذنوب، {إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}؛ فنجَّاها من نفسها الأمَّارة، حتى صارتْ نفسها مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهُدَى، والله تعالى غفورٌ لمن تجرَّأ على الذنوب والمعاصي إذا تاب وأناب.

فابحثْ عن فتاةٍ مستقيمةٍ، حسنةِ السيرة، طيبةِ الأخلاق، ملتزمةٍ بالحجاب، والأحكام الشرعية.