بِمَ يُدْعى العبد يوم القيامة؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - الموت وما بعده - الدار الآخرة - استشارات تربوية وأسرية -
بِمَ يُنادَى العبد يوم القيامة: فلان بن فلان؟ أم فلان بن فلانة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد دلَّت الأدلة الصحيحة الصريحة على أن الناسَ يوم القيامة يُدْعَون بأسمائهم منسوبين إلى آبائهم لا إلى أمهاتهم كما يظن الكثيرون مُستدلين بحديث: "إن الناس - يوم القيامة - يدعون بأمهاتهم لا بآبائهم"؛ وهو حديث باطلٌ، يُخالِفُه ما ثبت في الصحيحين: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الغادرَ يُرفَع له لواءٌ يوم القيامة؛ يقال: هذه غدرة فلان بن فلان"؛ فقوله: "هذه غدرة فلان بن فلان" دليلٌ على أن الناس يُدْعَون في الآخرة بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وهو من أقوى الأدلة وأصرحِها في المناداة باسم الأب يوم القيامة؛ وقد بوَّب البخاري له: "باب ما يُدْعَى الناس بآبائهم"، وقال الحافظ ابن حجر: "فتضمَّن الحديث أنه ينسب إلى أبيه في الموقف الأعظم"، وقال ابن بطَّال: "في هذا الحديث ردٌّ لقول مَن زعم أنهم لا يُدْعَون يوم القيامة إلا بأمهاتهم؛ سترًا على آبائهم..، والدعاء بالآباء أشد في التعريف، وأبلغ في التمييز"؛ اهـ.
وقال الإمام ابن القيم في "تهذيب السنن": "وفي هذا الحديث ردٌّ على مَن قال: إن الناس يوم القيامة إنما يُدْعَون بأمهاتهم، لا آبائهم".
وقال في "تحفة المودود" (ص 139) الفصل العاشر في بيان أنَّ الخلْقَ يُدْعَون يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم: "هذا الصوابُ الذي دلَّتْ عليه السنةُ الصحيحةُ الصريحة، ونصَّ عليه الأئمةُ؛ كالبخاريِّ، وغيره، فقال في "صحيحه" باب: يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم، ثم ساق في الباب حديث ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأوَّلين والآخرين يوم القيامة، يَرفَع الله لكلِّ غادرٍ لواءً يوم القيامة، فيُقَال: هذه غدرة فلان بن فلان"، وفي سنن أبي داود بإسناد جيدٍ عن أبي الدرداء قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تُدْعَون يوم القيامة بأسمائكم، وأسماء آبائكم؛ فحسِّنوا أسماءكم"، فزعم بعضُ الناس أنهم يُدْعَون بأمهاتهم، واحتجُّوا في ذلك بحديثٍ لا يصح، وهو في مُعجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدٌ مِنْ إخوانكم، فسوَّيتم التراب على قبره، فليَقُم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فإنه يقول: أَرشِدنا رحمك الله.." الحديث، وفيه: "فقال رجلٌ: يا رسول الله فإن لم يعرفْ أمه؟ قال: فينسبه إلى حواء، يا فلان بن حواء"، قالوا: وأيضًا فالرجل قد لا يكون نسبه ثابتًا من أبيه؛ كالمنفي باللعان، وولد الزنا، فكيف يُدْعَى بأبيه؟
والجواب: أما الحديثُ فضعيفٌ باتفاق أهل العلم بالحديث، وأما مَن انقطع نسَبُه من جهة أبيه، فإنه يدعى بما يدعى به في الدنيا؛ فالعبدُ يُدْعَى في الآخرة بما يُدْعَى به في الدنيا؛ من أبٍ أو أمٍّ، والله أعلم.
والحاصلُ: أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم؛ كما صحَّت الأحاديثُ بذلك، ولا يدعون بأمهاتهم، وعلى المسلم أن يستعدَّ لليوم الآخر بالعمل الصالح؛ فإنِ استعد بالعمل الصالح، فلا يؤثِّر عليه إن دعي بأبيه أو أمه.