صديقي له ولد من الزنا، فكيف يساعده؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - فقه الجنايات والحدود - التوبة - قضايا الشباب - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

صديقي لديه استشارةٌ يَسْتَحْيِي مِن طرحها، وكلَّفني أن أتولَّى عنه ذلك.
مُشكلته هي أنه منذ عشرين سنةً مَضَتْ؛ كانتْ لديه عَلاقة غير شرعية مع إحدى البنات، وحسب قولِه فإنَّه نادمٌ أشدَّ الندَم على تلك العَلاقة، التي تمخض عنها مع الأسف ميلادُ طفلٍ غير شرعي!
ولقد تاب صديقي، وندم على الشباب وغطرسته، وهذا الطفلُ الآن حيٌّ يُرزق، يبلغ قرابة العشرين!
سؤاله: هل يمكن أن يقرِّب هذا الولد منه، ويتزوَّج أمَّه؟ وما أفضل ما يُمكِن لصديقي التائب مِن ذنبه أن يفعلَ تجاه هذا المأزق؟ وهل يكتفي بتقديم صدقاتٍ لهذا الطفل البريء وأمه؟!

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالحمد الله تعالى أن وفَّق صديقَك للتوبة مِن هذا الذنب العظيم، نسأل الله تعالى أن يتقبَّل منه، ويثبِّته على طريق الحق.
وبعد: فما تذكرُه عن صديقِك مِن أن الندم يعتصره دليلٌ إن شاء الله تعالى على صِدْق التوبة؛ بشرطِ أن ينضمَّ إليه الاستقامةُ على صراط الله المستقيم، وصلاح الحال؛ فقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الندَم توبة" [رواه أحمد].
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]؛ فالله تعالى وَسِعَتْ رحمتُه كلَّ شيءٍ، وعمَّ جودُه وإحسانُه كلَّ حي، ومن إحسانه أن جَعَل الصلواتِ الخمسَ، وما ألحق بها من التطوُّعات، ولزوم الاستقامة على الصراط المستقيم، وعدم مجاوزته، وتعدِّيه، كلُّ هذا وغيره مِن أكبر الحسنات التي تقرِّب إليه، وتُوجِب الثواب، وتُذهِب السيئات وتمحوها.
أما ولدُ الزِّنا، فلا يؤاخَذ بجريرةِ والديه؛ فمِن المقرَّر في شريعتِنا الإسلامية الغرَّاء أن كلَّ إنسان لا يؤاخذ بجريمة غيره؛ قال تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، وقال: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس على ولدِ الزنا من وِزْر أبويه شيءٌ، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}" [رواه الحاكم، من حديث عائشة، وحسَّنه الألباني في الجامع].
ولكن مع هذا، فهو له بعض الأحكام الخاصة به: فلا يُنسَب إلى الزَّانِي، ولا تجبُ عليه تُجَاهه نفقةٌ ولا سُكنى؛ لحديث الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الولدُ للفراشِ، وللعاهرِ الحَجَرُ".
قال الإمام النووي: "العاهرُ هو الزاني، ومعنى: "وللعاهر الحَجَر" أي: له الخَيْبة، ولا حقَّ في الولد، وعادةُ العرب أن تقولَ: له الحَجَر، يُريدون بذلك: ليس له إلا الخيبة"!
كما لا يرث من الزاني شيئًا، ولا يرثُ الرجلُ منه؛ سواء اعترف بفعلتِه أم لم يعترفْ؛ لأن أبوَّته له غير مُعتَبَرة شرعًا فهي معدومةٌ.
روى الترمذي في سننِه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما رجلٍ عاهرٍ بحرَّة أو أَمَةٍ، فالولدُ ولدُ زِنا، لا يرث ولا يُورَث"، قال الترمذي: "وقد روى غير ابن لهيعة هذا الحديث عن عمرو بن شعيب، والعمل على هذا عند أهل العلم؛ أن ولدَ الزِّنا لا يرثُ من أبيه"؛ والحديث حسَّنه الألباني في المشكاة، التحقيق الثاني.
أما التبرُّعُ بالنفقة عليه حتى يكملَ تعليمه مثلًا، فهذا عملٌ عظيمٌ، وخيرٌ كبير، وكذلك إن أراد أن يهبه ما شاء مِن مالٍ، ولكن يحذر أن يُخبِره بحقيقة الأمر، إن كان لا يعلم؛ حِفاظًا على مشاعره، وسترًا على نفسه؛ فقد صحَّ عن عمر أنه قال في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه".
أما رغبةُ صديقِك في الزواج بمَن زَنَى معها، فإن ذلك مباحٌ لا بأس به، والزواجُ صحيحٌ إن تمَّ بالشروط والأركان الشرعيَّة؛ ومن تلك الشروط: أن تكون تلك المرأة قد تابتْ أيضًا توبةً نصوحًا إلى الله عز وجل بحيث يزول عنهما وصفُ الزِّنا؛ وذلك لقولِه تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3].
وقد روى عبد الرَّزَّاق وابنُ أبي شَيبة في مصنَّفَيهما، عن عِكْرِمة عن ابن عباس رضي الله عنه في الرجل يَفجُر بالمرأة ثم يتزوَّجها بعدُ قال: "أوله سفاحٌ، وآخرُه نكاحٌ، وأوَّله حرامٌ، وآخره حلال".
وروى ابنُ أبي شَيْبَة في المصنَّف، عن سعيد، عن قتادَة، عن جابر بن عبد الله، وسعيد بن المُسَيَّب، وسعيد بن جُبَيْر في الرجل يَفجُر بالمرأة ثم يتزوَّجها فقالوا: "لا بأس بذلك إذا تابَا وأصلحَا، وكَرِهَا ما كان".

وفَّق الله الجميع للتوبة النصوح.