أحببت شابا لديه شذوذ جنسي

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التوبة - قضايا الشباب - مساوئ الأخلاق - العلاقة بين الجنسين -
السؤال:

أنا فتاةٌ أحببتُ صديقًا لي في فترة الجامعة، وهو بادَلَني المشاعر نفسها، ولكنه دائمًا يقول: لن أتَزَوَّجَ أبدًا!

انتهتْ فترة الجامعة، وتوقَّف الاتصالُ بيننا فترة قصيرةً، ولكنني عاودتُ التحدُّث معه على الهاتف، وأخبرتُه بأنني لن أتزوَّجَ قبلَ أنْ أراه قد تزوَّج، فأخبرني بأنه يُعاني من الشذوذ الجنسي -homosexuality !

أنا أُحبُّه كثيرًا، وهو يُبادلني مشاعر الحب، لكن لا توجد لديه رغبة في الاتصال الجنسي، ومما علمتُ منه أنه مارَس (اللواط) وهو في العاشرة مِن عمره، وتوقف عن ذلك بعد الخامسة عشرة.

هو الآن يُصَلِّي ويصوم، ومتعلِّق بالله - عز وجل - والحمد لله لم يقُمْ بأي اتصالٍ جنسيٍّ حتى سن الحادية والعشرين من عمره، إلا أنه حاوَل ممارسة الجنس مع امرأة وفشل؛ فحصل لديه إحباطٌ شديدٌ، وانتكاسة شديدةٌ، ترتَّب عليها عودته إلى الاتصال مع الشباب، وممارسة الشذوذ الجنسي، وممارسة الجنس الشفوي!

أخبرني الحقيقةَ كاملةً، وأخبرتُه بأنني سأظل جانبه حتى يُعالَج، وأخبرتُه بضرورة زيارة طبيبٍ نفسي، وهو الآن يُريد الشفاء لنتمكَّنَ مِن الزواج.

المشكلةُ الآن أنه يُعاني من الحزن الشديد؛ بسبب مشاعره غير الطبيعية نحو الرجال، وميله لهم، فأخبروني كيف أُساعِدُه؟ وهل فكرة زواجي منه طبيعية أو لا؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

ففي البداية -قبل أن أصفَ لك ما يجب فعلُه مع الشاب المذكور- أُنَبِّهك إلى ضرورة التوبة النصوح مِن علاقتك به، فلا تجوز تلك العلاقةُ حتى لو كان الغرضُ منها الزواج.

أما الشذوذ الجنسيُّ فهو انحرافٌ طارئٌ على أصل الفطرة يُمكن مُعالجته، ورَدُّ الفطرة المنكوسة بعلاج النفس إيمانيًّا ونفسيًّا، ومع مجاهدة النفس في ذات الله، وعدم الاستسلام للخلَل الوارد عليها، وقد سلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الطريقةَ في علاج الانحراف الوارد على الإنسان، والمتمكن في السلوك البشري، بحيث يبدو في ظاهر الحال أنه يستحيل العلاج؛ فقد روى أبو أُمامة أنَّ غلامًا شابًّا أتى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذنْ لي في الزنا! فصاح الناس، فقال: ((مَهْ))، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَقِرُّوه، ادْنُ»، فدنا حتى جلس بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتُحِبُّه لأمك؟»قال: لا، قال: «وكذلك الناسُ لا يُحبُّونه لأمهاتهم، أتُحِبُّه لابنتك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟»قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم، أتحبه لخالتك؟» قال: لا، قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لخالاتهم»، فوَضَع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يدَهُ على صدْرِه، وقال: «اللهم كفِّر ذنبه، وطهِّر قلْبَه، وحصِّن فَرْجَه» (رواه أحمد والطبراني في "الكبير").

وكذلك عالَج رسول الله -صلى الله عليه وسلم– الغضب، فقال عندما غضب الرجل: «إني لأعلم كلمةً لو قالها لذَهَب عنه الذي يجد، أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم» (متفق عليه)، وقال لمن لم يستطِعِ الزواج: «عليه بالصوم، فإنه له وجاءٌ» كما في الصحيحين وغيرهما.

ولا يتمكن المرءُ مِن شيءٍ مِن هذا إلا بالصبر عن المعصية، والإكثار مِن الطاعات، واللجوء إلى الله، ومجالَسة الصالحين، والتعوذ بالله مِن الشيطان ووساوسه، وتقوية العزيمة.

والشرعُ الحنيف لم يستسلمْ للفساد الطارئ على فطرة الإنسان، ولما وقع فيه من موبقات، وإنما يعمل على تقويمها؛ فكلُّ مَنْ به خصلة سوء فهو مطالبٌ بجهاد النفس على الخلاص منها، وأخذ النفس بالشدة والحَزْم، وحجزها عنْ غَيِّها،وعدم الاسترسال مع الشذوذ، والعمل على كلِّ ما مِن شأنه أن يقوي إيمانه، مِن قراءة القرآن بتدبُّر، والمحافَظة على الفرائض والسنن، مع إدمان الذِّكْر، وقطْع الطريق على نفسه؛ بقطْعِ علاقته بمَن يرتكب معه المعصية، والتفكُّر - دائمًا - في عواقب ما يفعله مِن فاحشةٍ؛ حيث يعقبها الحزنُ والحرمان، وقسوة القلب، والفضيحة في الدنيا، وعلى رؤوس الأشهاد في الآخرة، وغير ذلك مِن شؤم المعاصي.

وكذلك تقوية مُراقبة الله تعالى في السِّرِّ والعلَن، وتقوية الخوف مِن مكر الله به، لو رفع الله عنه الستر وفَضَحَهُ، وعلم حقيقته أهلُه وأصدقاؤه، وعرفوا بهذه العلاقات المشينة، ألا يكون ذلك سببًا في ضياع كل شيءٍ، وصدمة مَن يحبونه؟ ألا يخاف من هذا؟ ألا يَسُوءُه أن ينقلبَ أحبابه أعداءً؟

فالله - الذي قطع اليد في ثلاثة دراهم، وجلَد الحد في القدْر القليل مِن الخمر، وأدخل امرأةً النار في هِرَّةٍ، وأشعل الشملةَ نارًا على مَن غلها، وقد قُتِل شهيدًا، وعاقَب رسولَه آدم -عليه السلام- الذي خلقه بيديه، وأسجد له ملائكته -عاقَبَهُ لمخالفته أمرًا واحدًا، تظنين أنه -سبحانه- سيترك مَن يقيم على المعاصي، وينتهك محارم الله؟

اللهم لا، إلا أن يتوبَ، ويتقطع قلبُه ندمًا، ويرجع إلى الله، ويخافه غاية الخوف؛ فبذلك يعفو الله عنه.

الأمر الآخر -في العلاج- وهو أمرٌ موازٍ تمامًا للعلاج الإيماني، وهو العلاجُ النفسيُّ، فيعرض نفسه على طبيبٍ نفسي صاحب أمانةٍ؛ ليُعينه على الخروج مِن تلك المحنة.

ولْيُكْثِر مِن الدُّعاء النبويِّ: «اللهم اغفرْ ذنبي، وطَهِّرْ قلبي، وحَصِّن فَرْجِي» (اسناده صحيح)، «اللهم إني أعوذ بك مِن شر سمعي، ومِن شر بصري، ومن شر لساني، ومِن شر قلبي، ومِن شر مَنِيِّي» (صحيح الترمذي)، «اللهم إني أعوذ بك مِن الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة» (صحيح النسائي).

وعند أحمد وأبي داود، عن أبي الدَّرْداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله أنزل الدواء، وأنزل الداء، وجعل لكل داءٍ دواءً؛ فتداووا، ولا تتداووا بحرامٍ».

ولْيُدْرك -تمامًا- أنَّ مِن فطرة الإنسان وجِبِلَّتِه التي خلقه الله تعالى عليها: ميلَ كل جنس مِن الرجال والنساء للجنس الآخر، ومحبته له، والأنس به، ومَن خرج عن ذلك كان خارجًا عن الفطرة، وقد دلت النصوصُ الصحيحةُ على ذلك؛ قال الله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «كلُّ مولودٍ يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه، أو يُنَصِّرانه، أو يُمَجِّسانه» (متفقٌ عليه).

وفي الحديث القدسي: «وإني خَلَقْتُ عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطينُ فاجْتَالَتْهُم عن دينهم» (رواه مسلمٌ) .

ومَن تأمَّلَ هذه النصوصَ وغيرها علِمَ يقينًا أن الله تعالى خَلَق الخلْق أسوياء على الفطرة، وأنَّ مَن تنكَّبَ عن هذه الفطرة، فبما كسبتْ يداه، وبتفريطٍ منه باتباعه خطوات الشيطان، أو بسبب ما يحيط به مِن مُؤَثِّراتٍ، وعوامل بيئية فاسدةٍ مفسدةٍ.

أمرٌ أخيرٌ: إن استطاع هذا الشابُّ أن يُعَجِّلَ بالارتباط بك لتكوني عونًا له على العلاج، فيجب عليه هذا، وإن شاء الله سينصلح حالُه ما دامتْ هناك الرغبةُ الصادقة للعلاج والتوبة؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن تصْدُق الله يصْدُقْك» (صحيح الجامع).

وأسأل الله أن يُقَدِّر لكما الخير حيث كان.