هل الرفث أثناء العمرة يفسدها؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال: ذهبتُ أنا وزوجتي لأداء العُمرة، وكانتْ حائضًا؛ فقمتُ أنا بأداء العمرة، وتحلَّلتُ مِن الإحرام، وكانتْ زوجتي ما زالتْ مُحرِمة، وحصَلتْ مُقدمات الجِماع؛ ظنًّا منَّا أنَّ ذلك حلال، وأنَّ الجماع هو المحرَّم، وظننا أن الرفَث يكون في الحج فقط، مع العلم أنَّ زوجتي أدَّت العمرة بعد أن طهُرتْ في نفس اليوم الذي حصلت فيه هذه المُداعبات، وتحلَّلت منها، وبعد العودة من العمرة ساءَت الأحوال بيني وبين زوجتي، لدرجة أنها طلبتْ مني الطلاق، دون أي سببٍ أو مشكلة وقَعت، فهل ما قُمنا به في العمرة يوجب الفِدية أو الكفَّارة؟ وعلى مَن تكون الكفارة؟ وهل تكون عمرتُها مقبولة؟
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن من شروط التكليف المُتفق عليها معرفةَ المكلَّف به، فمن كان جاهلًا، أو ذاهلًا، أو ناسيًا، فهو معذورٌ؛ لأن في تكليفه مشقةً وَضَعَها الله عنه؛ قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]، والسنة المستفيضة عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه لم يأمر مَن تَرَكَ واجبًا، أو فعلًا محذورًا جاهلًا لم يأمرْه بالإعادة بعد خروج الوقت، وقد حقَّق هذا وبيَّنه غايةَ البيان شيخُ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة في "مجموع الفتاوى"؛ منها قوله (11/406 - 407): "النزاع بين العلماء في كلِّ مَن ترَك واجبًا قبل بلوغ الحجَّة؛ مثل ترْك الصَّلاة عند عدم الماء، يحسب أنَّ الصلاة لا تصحُّ بتيمُّمٍ، أو مَن أكَل حتى تبيَّن له الخيط الأبيض من الخيْط الأسود، ويحسب أنَّ ذلك هو المراد بالآية، كما جرى ذلك لبعض الصحابة، أو مسَّ ذكَره، أو أكَلَ لحْمَ الإبل ولَم يتوضَّأ، ثمَّ تبيَّن له وجوب ذلك، وأمثال هذه المسائل: هل يجب عليه القضاء؟ على قولَين في مذهب أحمد وغيره، وأصل ذلك: هل يثبت حكْم الخطاب في حقِّ المكلَّف قبل التمكُّن من سماعه؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل: يثبت مطلقًا، وقيل: لا يثبت مطلقًا، وقيل: يفرَّق بين الخطاب النَّاسخ، والخطاب المبتدأ، كأهْل القِبلة، والصحيح الذي تدلُّ عليه الأدلَّة الشرعيَّة: أنَّ الخطاب لا يثبت في حقِّ أحدٍ قبل التمكُّن من سماعه؛ فإنَّ القضاء لا يَجب عليه في الصور المذكورة ونظائِرها، مع اتِّفاقهم على انتِفاء الإثم؛ لأنَّ الله عفا لهذه الأمَّة عن الخطأ والنِّسيان، فإذا كان هذا في التأثيم، فكيف في التكفير؟! وكثيرٌ من النَّاس قد ينشأ في الأمكِنة والأزمنة التي يندرِس فيها كثيرٌ من علوم النبوَّات، حتى لا يبقى مَن يبلغ ما بعَث الله به رسوله من الكتاب والحكمة".
وقال في موضع آخر (21/ 429): "وما ترك لجهلِه بالواجب، مثل مَن كان يصلِّي بلا طُمأنينة، ولا يعلم أنَّها واجبة - فهذا قد اختلفوا فيه: هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت، أو لا؟ على قولين معروفين، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره، والصَّحيح أنَّ مثل هذا لا إعادة عليه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ثبَت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المُسيء في صلاته: "اذهب فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ، مرتين أو ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، لا أُحسن غير هذا، فعلِّمني ما يجزيني في صلاتي"، فعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت، مع قوله: والذي بعثك بالحق، لا أُحسن غير هذا، ولكن أمره أن يُعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باقٍ، فهو مأمور بها أن يُصليها في وقتها.
وأما ما خرَج وقته من الصلاة، فلم يأمره بإعادته، مع كونه قد ترَك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يَعرف وجوب ذلك عليه".
وقال في معرض كلامه على من صلَّى بلا وضوء أو وهو جُنب، ولا يعلم أنَّ الله أوْجب الوضوء والغسل (22/41): "وأصل هذا أنَّ حكم الخطاب: هل يثبُت في حق المكلَّف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدَأُ دون النَّاسخ، والأظهر أنَّه لا يجِبُ قضاء شيء من ذلك، ولا يثبُت الخطاب إلاَّ بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 19]، ولقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن متعدِّد، بيَّن سبحانه أنَّه لا يعاقب أحدًا حتَّى يبلغه ما جاء به الرسول، ومَن علِم أنَّ محمَّدًا رسول الله، فآمن بذلك، ولم يعلَم كثيرًا ممَّا جاء به، لم يعذِّبْه الله على ما لم يبلغْه، فإنَّه إذا لم يعذِّبْه على ترْك الإيمان بعد البلوغ، فإنَّه لا يعذِّبه على بعض شرائطه إلاَّ بعد البلاغ أوْلى وأحرى، وهذه سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المستفيضة عنه في أمثال ذلك؛ فإنَّه قد ثبت في الصِّحاح أنَّ طائفةً من أصحابه ظنُّوا أنَّ قوله تعالى: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبلُ الأبيضُ من الحبل الأسود، فكان أحدُهم يربِط في رجله حبلًا، ثمَّ يأكُل حتى يتبيَّن هذا من هذا، فبيَّن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ المراد بياض النهار وسواد الليل، ولم يأمرْهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطاب وعمَّار أجْنبا، فلم يصلِّ عمرُ حتَّى أدرك الماء، وظنَّ عمار أن التراب يصل إلى حيثُ يصل الماء، فتمرَّغ كما تمرَّغ الدَّابَّة، ولم يأمر واحدًا منهما بالقضاء.
وكذلك أبو ذر بقِي مدَّة جنبًا لم يصلِّ، ولم يأمره بالقضاء؛ بل أمره بالتيمُّم في المستقبل.
وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيْضة شديدة تمنعُني الصلاة والصوم، فأمرها بالصَّلاة زمن دم الاستِحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.
ولمَّا حرُم الكلام في الصَّلاة، تكلَّم معاوية بن الحكم السُّلمي في الصلاة بعد التَّحريم جاهِلاً بالتحريم، فقال له: "إنَّ صلاتَنا هذه لا يصلُح فيها شيء من كلام الآدميِّين"، ولم يأمره بإعادة الصلاة.
ولمَّا زِيدَ في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان مَن كان بعيدًا عنه، مثل مَن كان بمكَّة وبأرْض الحبشة، يصلُّون ركعتين، ولم يأمرْهم النَّبي بإعادة الصلاة.
ولمَّا فُرِض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبرُ إلى مَن كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتَّى فات ذلك الشَّهر لم يأمرْهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار لمَّا ذهبوا إلى النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة إلى مكَّة قبل الهجرة قد صلَّى إلى الكعبة، معتقدًا جوازَ ذلك، قبل أن يؤْمَر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبِلون الشام، فلمَّا ذكر ذلك للنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أمره باستِقبال الشام، ولم يأمرْه بإعادة ما كان صلَّى.
وثبَت عنه في "الصحيحين" أنَّه سُئِل وهو بالجِعرَانة عن رجُل أحرم بالعمرة وعليه جبَّة، وهو متضمِّخٌ بالخَلوق، فلمَّا نزل عليه الوحي، قال له: "انزِع عنك جُبَّتَك، واغسل عنك أثر الخَلوق، واصنع في عمرتِك ما كنت صانعًا في حجِّك"، وهذا قد فعل محظورًا في الحج، وهو لبْس الجبَّة، ولَم يأمرْه النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم على ذلك بدمٍ، ولو فعل ذلك مع العِلْم، للَزِمه دمٌ.
وثبت عنه في "الصَّحيحين" أنَّه قال للأعرابي المسيء في صلاته: "صلِّ؛ فإنَّك لم تصلِّ، مرَّتين أو ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحقِّ ما أُحسِنُ غيرَ هذا، فعلِّمْني ما يجزيني في الصلاة"، فعلَّمه الصلاة المجزية، ولم يأمرْه بإعادة ما صلَّى قبل ذلك مع قوله: "ما أُحسِن غير هذا"، وإنَّما أمره أن يُعيد تلك الصلاة؛ لأنَّ وقتها باقٍ، فهو مخاطَب بها، والتي صلاَّها لم تبرأ بها الذمَّة، ووقت الصلاة باقٍ، فهذا المسيءُ الجاهلُ إذا علِم بوجوب الطُّمأنينة في أثناء الوقت، فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلِهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها.
وكذلك أمْرُه لمَن صلَّى خلْف الصَّفِّ أن يُعيد، ولمن ترك لمعةً من قدمه أن يُعيد الوضوء والصلاة، وقوله أوَّلًا: "صلِّ؛ فإنَّك لم تصلِّ"، تبيَّن أنَّ ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنَّه كان جاهلًا بوجوب الطُّمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداءً، ثمَّ علَّمه إيَّاها لمَّا قال: "والذي بعثك بالحق، لا أُحسِنُ غير هذا".
فهذه نصوصُه صلَّى الله عليه وسلَّم في محظورات الصَّلاة، والصِّيام، والحجِّ، مع الجهْل فيمَن ترك واجباتِها مع الجهل، وأمَّا أمرُه لمن صلَّى خلْف الصَّفِّ أن يُعيد، فذلِك أنَّه لم يأْت بالواجب مع بقاء الوقت، فثبت الوجوب في حقِّه حين أمره النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم لبقاء وقت الوجوب، لم يأمُره بذلك مع مُضي الوقت.
وما دام الحالُ كما ذكرتَ أنكَ وزوجتَك وقعتُما في الرَّفث المنهي عنه جهلًا منكما بالحكم، وظنًّا أنه جائزٌ، وأن المحرَّم هو الجماع فقط فلا شيءَ عليكُما إن شاء الله تعالى.
وابحث عن أسباب الشقاق بينك وبين زوجتك، فعالجها، وتقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال.
فإن من شروط التكليف المُتفق عليها معرفةَ المكلَّف به، فمن كان جاهلًا، أو ذاهلًا، أو ناسيًا، فهو معذورٌ؛ لأن في تكليفه مشقةً وَضَعَها الله عنه؛ قال الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]، والسنة المستفيضة عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه لم يأمر مَن تَرَكَ واجبًا، أو فعلًا محذورًا جاهلًا لم يأمرْه بالإعادة بعد خروج الوقت، وقد حقَّق هذا وبيَّنه غايةَ البيان شيخُ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة في "مجموع الفتاوى"؛ منها قوله (11/406 - 407): "النزاع بين العلماء في كلِّ مَن ترَك واجبًا قبل بلوغ الحجَّة؛ مثل ترْك الصَّلاة عند عدم الماء، يحسب أنَّ الصلاة لا تصحُّ بتيمُّمٍ، أو مَن أكَل حتى تبيَّن له الخيط الأبيض من الخيْط الأسود، ويحسب أنَّ ذلك هو المراد بالآية، كما جرى ذلك لبعض الصحابة، أو مسَّ ذكَره، أو أكَلَ لحْمَ الإبل ولَم يتوضَّأ، ثمَّ تبيَّن له وجوب ذلك، وأمثال هذه المسائل: هل يجب عليه القضاء؟ على قولَين في مذهب أحمد وغيره، وأصل ذلك: هل يثبت حكْم الخطاب في حقِّ المكلَّف قبل التمكُّن من سماعه؟ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره، قيل: يثبت مطلقًا، وقيل: لا يثبت مطلقًا، وقيل: يفرَّق بين الخطاب النَّاسخ، والخطاب المبتدأ، كأهْل القِبلة، والصحيح الذي تدلُّ عليه الأدلَّة الشرعيَّة: أنَّ الخطاب لا يثبت في حقِّ أحدٍ قبل التمكُّن من سماعه؛ فإنَّ القضاء لا يَجب عليه في الصور المذكورة ونظائِرها، مع اتِّفاقهم على انتِفاء الإثم؛ لأنَّ الله عفا لهذه الأمَّة عن الخطأ والنِّسيان، فإذا كان هذا في التأثيم، فكيف في التكفير؟! وكثيرٌ من النَّاس قد ينشأ في الأمكِنة والأزمنة التي يندرِس فيها كثيرٌ من علوم النبوَّات، حتى لا يبقى مَن يبلغ ما بعَث الله به رسوله من الكتاب والحكمة".
وقال في موضع آخر (21/ 429): "وما ترك لجهلِه بالواجب، مثل مَن كان يصلِّي بلا طُمأنينة، ولا يعلم أنَّها واجبة - فهذا قد اختلفوا فيه: هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت، أو لا؟ على قولين معروفين، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره، والصَّحيح أنَّ مثل هذا لا إعادة عليه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ثبَت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المُسيء في صلاته: "اذهب فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ، مرتين أو ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، لا أُحسن غير هذا، فعلِّمني ما يجزيني في صلاتي"، فعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت، مع قوله: والذي بعثك بالحق، لا أُحسن غير هذا، ولكن أمره أن يُعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باقٍ، فهو مأمور بها أن يُصليها في وقتها.
وأما ما خرَج وقته من الصلاة، فلم يأمره بإعادته، مع كونه قد ترَك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يَعرف وجوب ذلك عليه".
وقال في معرض كلامه على من صلَّى بلا وضوء أو وهو جُنب، ولا يعلم أنَّ الله أوْجب الوضوء والغسل (22/41): "وأصل هذا أنَّ حكم الخطاب: هل يثبُت في حق المكلَّف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدَأُ دون النَّاسخ، والأظهر أنَّه لا يجِبُ قضاء شيء من ذلك، ولا يثبُت الخطاب إلاَّ بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 19]، ولقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن متعدِّد، بيَّن سبحانه أنَّه لا يعاقب أحدًا حتَّى يبلغه ما جاء به الرسول، ومَن علِم أنَّ محمَّدًا رسول الله، فآمن بذلك، ولم يعلَم كثيرًا ممَّا جاء به، لم يعذِّبْه الله على ما لم يبلغْه، فإنَّه إذا لم يعذِّبْه على ترْك الإيمان بعد البلوغ، فإنَّه لا يعذِّبه على بعض شرائطه إلاَّ بعد البلاغ أوْلى وأحرى، وهذه سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم المستفيضة عنه في أمثال ذلك؛ فإنَّه قد ثبت في الصِّحاح أنَّ طائفةً من أصحابه ظنُّوا أنَّ قوله تعالى: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبلُ الأبيضُ من الحبل الأسود، فكان أحدُهم يربِط في رجله حبلًا، ثمَّ يأكُل حتى يتبيَّن هذا من هذا، فبيَّن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ المراد بياض النهار وسواد الليل، ولم يأمرْهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطاب وعمَّار أجْنبا، فلم يصلِّ عمرُ حتَّى أدرك الماء، وظنَّ عمار أن التراب يصل إلى حيثُ يصل الماء، فتمرَّغ كما تمرَّغ الدَّابَّة، ولم يأمر واحدًا منهما بالقضاء.
وكذلك أبو ذر بقِي مدَّة جنبًا لم يصلِّ، ولم يأمره بالقضاء؛ بل أمره بالتيمُّم في المستقبل.
وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيْضة شديدة تمنعُني الصلاة والصوم، فأمرها بالصَّلاة زمن دم الاستِحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.
ولمَّا حرُم الكلام في الصَّلاة، تكلَّم معاوية بن الحكم السُّلمي في الصلاة بعد التَّحريم جاهِلاً بالتحريم، فقال له: "إنَّ صلاتَنا هذه لا يصلُح فيها شيء من كلام الآدميِّين"، ولم يأمره بإعادة الصلاة.
ولمَّا زِيدَ في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان مَن كان بعيدًا عنه، مثل مَن كان بمكَّة وبأرْض الحبشة، يصلُّون ركعتين، ولم يأمرْهم النَّبي بإعادة الصلاة.
ولمَّا فُرِض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبرُ إلى مَن كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتَّى فات ذلك الشَّهر لم يأمرْهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار لمَّا ذهبوا إلى النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة إلى مكَّة قبل الهجرة قد صلَّى إلى الكعبة، معتقدًا جوازَ ذلك، قبل أن يؤْمَر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبِلون الشام، فلمَّا ذكر ذلك للنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أمره باستِقبال الشام، ولم يأمرْه بإعادة ما كان صلَّى.
وثبَت عنه في "الصحيحين" أنَّه سُئِل وهو بالجِعرَانة عن رجُل أحرم بالعمرة وعليه جبَّة، وهو متضمِّخٌ بالخَلوق، فلمَّا نزل عليه الوحي، قال له: "انزِع عنك جُبَّتَك، واغسل عنك أثر الخَلوق، واصنع في عمرتِك ما كنت صانعًا في حجِّك"، وهذا قد فعل محظورًا في الحج، وهو لبْس الجبَّة، ولَم يأمرْه النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم على ذلك بدمٍ، ولو فعل ذلك مع العِلْم، للَزِمه دمٌ.
وثبت عنه في "الصَّحيحين" أنَّه قال للأعرابي المسيء في صلاته: "صلِّ؛ فإنَّك لم تصلِّ، مرَّتين أو ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحقِّ ما أُحسِنُ غيرَ هذا، فعلِّمْني ما يجزيني في الصلاة"، فعلَّمه الصلاة المجزية، ولم يأمرْه بإعادة ما صلَّى قبل ذلك مع قوله: "ما أُحسِن غير هذا"، وإنَّما أمره أن يُعيد تلك الصلاة؛ لأنَّ وقتها باقٍ، فهو مخاطَب بها، والتي صلاَّها لم تبرأ بها الذمَّة، ووقت الصلاة باقٍ، فهذا المسيءُ الجاهلُ إذا علِم بوجوب الطُّمأنينة في أثناء الوقت، فوجبت عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلِهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها.
وكذلك أمْرُه لمَن صلَّى خلْف الصَّفِّ أن يُعيد، ولمن ترك لمعةً من قدمه أن يُعيد الوضوء والصلاة، وقوله أوَّلًا: "صلِّ؛ فإنَّك لم تصلِّ"، تبيَّن أنَّ ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنَّه كان جاهلًا بوجوب الطُّمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداءً، ثمَّ علَّمه إيَّاها لمَّا قال: "والذي بعثك بالحق، لا أُحسِنُ غير هذا".
فهذه نصوصُه صلَّى الله عليه وسلَّم في محظورات الصَّلاة، والصِّيام، والحجِّ، مع الجهْل فيمَن ترك واجباتِها مع الجهل، وأمَّا أمرُه لمن صلَّى خلْف الصَّفِّ أن يُعيد، فذلِك أنَّه لم يأْت بالواجب مع بقاء الوقت، فثبت الوجوب في حقِّه حين أمره النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم لبقاء وقت الوجوب، لم يأمُره بذلك مع مُضي الوقت.
وما دام الحالُ كما ذكرتَ أنكَ وزوجتَك وقعتُما في الرَّفث المنهي عنه جهلًا منكما بالحكم، وظنًّا أنه جائزٌ، وأن المحرَّم هو الجماع فقط فلا شيءَ عليكُما إن شاء الله تعالى.
وابحث عن أسباب الشقاق بينك وبين زوجتك، فعالجها، وتقبَّل الله منَّا ومنكم صالح الأعمال.