هل لي حق في مال أبي؟!
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال: أنا فتاة متزوِّجة من عدة سنوات، ولي أخ وأخت كلاهما أصغر مني، بعد زواجي تبدَّلتْ معاملة أمي وأبي، وكأنهما لم ينجبا غير أختي الصغرى، يأتيان لها بكل ما تريد، وحجتهما في ذلك أني متزوجة، فليس لي حق في أي شيء!
أخذ أبي مني ذهبي لمروره بأزمة مالية، على وعد منه بأن يرده إليَّ، ولكن أمي ترفض أن يرد أبي لي ذهبي، لأني متزوجة، بل تريد أن يشتري لأختي هذا الذهب!
من كثرةِ كلام أمي اقتنع أبي أني طماعةٌ؛ فعندما يعطيني شيئًا يكون من باب الصدقة، ويشعروني أني آخذ شيئًا ليس مِن حقي، نعم زوجي فقير، ولكنه لا ينظر لمال أهلي!
هل لي حقٌّ في مال أبي الذي لا يَذْهَبُ إلا لأمي وأختي؟ وهل لي الحق أن أعترضَ على معاملتهم لي، والتفرقة في كل شيء، حتى الاهتمام بي؟ فهم لا يسألون عني إلا إذا سألت أنا عنهم، ولا يسعون في ودي إن غِبْتُ، ولم آت لهم؛ مع العلم أنهم يحبون أطفالي.
أخذ أبي مني ذهبي لمروره بأزمة مالية، على وعد منه بأن يرده إليَّ، ولكن أمي ترفض أن يرد أبي لي ذهبي، لأني متزوجة، بل تريد أن يشتري لأختي هذا الذهب!
من كثرةِ كلام أمي اقتنع أبي أني طماعةٌ؛ فعندما يعطيني شيئًا يكون من باب الصدقة، ويشعروني أني آخذ شيئًا ليس مِن حقي، نعم زوجي فقير، ولكنه لا ينظر لمال أهلي!
هل لي حقٌّ في مال أبي الذي لا يَذْهَبُ إلا لأمي وأختي؟ وهل لي الحق أن أعترضَ على معاملتهم لي، والتفرقة في كل شيء، حتى الاهتمام بي؟ فهم لا يسألون عني إلا إذا سألت أنا عنهم، ولا يسعون في ودي إن غِبْتُ، ولم آت لهم؛ مع العلم أنهم يحبون أطفالي.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
ففي البداية أُحِب أن أُبين لكِ فارقًا مهمًّا لا يعلمه كثيرٌ منا؛ هو التفريقُ بين النفقةِ والعطية؛ فنفقةُ الأبِ على أبنائه تختلِف بحسَب احتياجاتهم؛ فالصغيرُ لا يحتاج نفقةَ الكبير، ومن يدرُس في مرحلة متوسطة ليس كمَن يدرُس في الجامعة، ونفقةُ البنت ليستْ كنفقة الولد، وهكذا، ففي تلك الحال لا يَجِبُ على الوالد العدلُ بين الأبناء فيها، وإنما العدلُ هو إعطاء كل ابن ما يحتاجه، ويناسبه، وهذه النفقة إنما تجب على الأبِ تجاه أبنائه القُصَّر، أو المحتاجين منهم وإن كانوا كبارًا، مثل ما أنفقه والدك على زواجكِ، فلا يجب عليه العدل فيه بينك وبين أختك، ولكن حينما تتزوج يجهزها أيضًا بما يناسبها.
وأما العطية فهي قَدرٌ زائدٌ عن النفقة، وقد أوجب الشارع الحكيم التسويةَ فيها، وحرَّم تفضيل أحد الأبناء على الآخرين؛ فيسوَّى الوالدانِ بين جميع الأبناء؛ الذكور، والإناث، وهو الرَّاجح؛ لما ثبت في الصَّحيحَين وغيرِهِما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال لبشير لمَّا جاءَه ليُشْهِده على موهبة وهبَها لابنِه النُّعمان قال له: "يا بشيرُ، ألك ولدٌ سوى هذا؟ قال: نعمْ، فقال: أكلَّهم وهبتَ له مثل هذا؟ قال: لا، فقال: فلا تُشْهِدني إذًا؛ فإنِّي لا أشهَد على جوْر"، وفي روايةٍ أنَّه قال له: "أيسرُّك أن يكونوا إليْك في البرِّ سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذًا".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والحديث والآثار تدلُّ على وجوب العدل... ثمَّ هنا نوعان:
1- نوعٌ يَحتاجون إليْه؛ من النَّفقة في الصِّحَّة، والمرَض، ونحو ذلك، فالعدْل فيه أن يُعطِي كلَّ واحدٍ ما يحتاج إليه، ولا فرق بين مُحتاج؛ قليل أو كثير.
2- ونوع تشترِك حاجتُهم إليه، من عطيَّة، أو نفقة، أو تزْويج، فهذا لا ريْب في تَحريم التَّفاضُل فيه.
وينشأُ من بيْنِهما نوعٌ ثالثٌ، وهو أن ينفرِد أحدُهم بحاجة غيرِ معتادة، مثل أن يقْضي عن أحدهم دينًا وجب عليْه من أرش جناية - وهي عقوبةٌ ماليَّة تُدفَع مقابل كلِّ جناية بدنيَّة - أو يعطي عنه المهر، أو يعطيه نفقة الزَّوجة، ونحو ذلك، ففي وجوب إعْطاء الآخَر مثل ذلك نظرٌ" [اهـ من "الاختيارات"].
والحاصل: أنه لا تجب نفقتُكِ على والدِك، وإنما هي واجبةٌ على زوجك، ولكن يجب عليه أن يُسَوِّيَ بينَك وبينَ إخوتِك في الهِبَةِ، والعَطيةِ، وإن كنت محتاجة وكان زوجك متعسرًا، وجب على والدك مساعدتك.
واحذري رعاكِ الله أن يدفعك ما تظنينه تقصيرًا من والديكِ تجاهك، أو تفضيلًا لأختك عليك، فهذا أو غيره لا يبرر مطلقًا التقصير في حقهم وعقوقهم، ولا معاملتهم بالمثل ولا التقصير فيما أوجبه الله تعالى له من الطاعة والإحسان؛ فبر الوالدين من أجلِّ الطاعات، كما أن عقوقهما من أكبر الموبقات، فلا يجوز الإساءة إليهما مهما عملا، ولو أشركا وجاهداكِ على الشرك؛ قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، ومن البر أن تنصحي والديكِ، وأمرهما بالمعروف، ونهيهما عن المنكر، وبالرفق واللين، وبالتي هي أحسن، واذكري لهما ما يغضبك منهما، كما قال الشاعر:
إِذَا ذَهَبَ العِتَابُ فَلَيْسَ حُبٌّ *** وَيَبْقَى الحُبُّ مَا بَقِيَ العِتَابُ
وأخيرًا، تحلي بسماحة النفس، وهي خصلة خير؛ كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35]، وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].
ففي البداية أُحِب أن أُبين لكِ فارقًا مهمًّا لا يعلمه كثيرٌ منا؛ هو التفريقُ بين النفقةِ والعطية؛ فنفقةُ الأبِ على أبنائه تختلِف بحسَب احتياجاتهم؛ فالصغيرُ لا يحتاج نفقةَ الكبير، ومن يدرُس في مرحلة متوسطة ليس كمَن يدرُس في الجامعة، ونفقةُ البنت ليستْ كنفقة الولد، وهكذا، ففي تلك الحال لا يَجِبُ على الوالد العدلُ بين الأبناء فيها، وإنما العدلُ هو إعطاء كل ابن ما يحتاجه، ويناسبه، وهذه النفقة إنما تجب على الأبِ تجاه أبنائه القُصَّر، أو المحتاجين منهم وإن كانوا كبارًا، مثل ما أنفقه والدك على زواجكِ، فلا يجب عليه العدل فيه بينك وبين أختك، ولكن حينما تتزوج يجهزها أيضًا بما يناسبها.
وأما العطية فهي قَدرٌ زائدٌ عن النفقة، وقد أوجب الشارع الحكيم التسويةَ فيها، وحرَّم تفضيل أحد الأبناء على الآخرين؛ فيسوَّى الوالدانِ بين جميع الأبناء؛ الذكور، والإناث، وهو الرَّاجح؛ لما ثبت في الصَّحيحَين وغيرِهِما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال لبشير لمَّا جاءَه ليُشْهِده على موهبة وهبَها لابنِه النُّعمان قال له: "يا بشيرُ، ألك ولدٌ سوى هذا؟ قال: نعمْ، فقال: أكلَّهم وهبتَ له مثل هذا؟ قال: لا، فقال: فلا تُشْهِدني إذًا؛ فإنِّي لا أشهَد على جوْر"، وفي روايةٍ أنَّه قال له: "أيسرُّك أن يكونوا إليْك في البرِّ سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذًا".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والحديث والآثار تدلُّ على وجوب العدل... ثمَّ هنا نوعان:
1- نوعٌ يَحتاجون إليْه؛ من النَّفقة في الصِّحَّة، والمرَض، ونحو ذلك، فالعدْل فيه أن يُعطِي كلَّ واحدٍ ما يحتاج إليه، ولا فرق بين مُحتاج؛ قليل أو كثير.
2- ونوع تشترِك حاجتُهم إليه، من عطيَّة، أو نفقة، أو تزْويج، فهذا لا ريْب في تَحريم التَّفاضُل فيه.
وينشأُ من بيْنِهما نوعٌ ثالثٌ، وهو أن ينفرِد أحدُهم بحاجة غيرِ معتادة، مثل أن يقْضي عن أحدهم دينًا وجب عليْه من أرش جناية - وهي عقوبةٌ ماليَّة تُدفَع مقابل كلِّ جناية بدنيَّة - أو يعطي عنه المهر، أو يعطيه نفقة الزَّوجة، ونحو ذلك، ففي وجوب إعْطاء الآخَر مثل ذلك نظرٌ" [اهـ من "الاختيارات"].
والحاصل: أنه لا تجب نفقتُكِ على والدِك، وإنما هي واجبةٌ على زوجك، ولكن يجب عليه أن يُسَوِّيَ بينَك وبينَ إخوتِك في الهِبَةِ، والعَطيةِ، وإن كنت محتاجة وكان زوجك متعسرًا، وجب على والدك مساعدتك.
واحذري رعاكِ الله أن يدفعك ما تظنينه تقصيرًا من والديكِ تجاهك، أو تفضيلًا لأختك عليك، فهذا أو غيره لا يبرر مطلقًا التقصير في حقهم وعقوقهم، ولا معاملتهم بالمثل ولا التقصير فيما أوجبه الله تعالى له من الطاعة والإحسان؛ فبر الوالدين من أجلِّ الطاعات، كما أن عقوقهما من أكبر الموبقات، فلا يجوز الإساءة إليهما مهما عملا، ولو أشركا وجاهداكِ على الشرك؛ قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]، وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، ومن البر أن تنصحي والديكِ، وأمرهما بالمعروف، ونهيهما عن المنكر، وبالرفق واللين، وبالتي هي أحسن، واذكري لهما ما يغضبك منهما، كما قال الشاعر:
وأخيرًا، تحلي بسماحة النفس، وهي خصلة خير؛ كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35]، وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].