هل سأظلم زوجتي إذا طلقتها؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال:

أنا رجلٌ متزوج مِن امرأة ذات دينٍ وخُلُقٍ، مُثَقَّفة وتعمل، مِن عائلةٍ طيبةٍ جدًّا ومحترمة. رأيتُها قبل الزواج فأعجبتْني، وأرسلتُ لها خبرًا أني أريد التقدُّم لها، وتمت الخطبة، ثم الزواج، حدَث كلُّ ذلك بسرعةٍ، وكنتُ سعيدًا جدًّا بها؛ لأنها جميلة، ولكثرة المواصَفات الحسنة التي ذكرتها.

رأيتُها أول ليلة فنفرتُ منها، ولا أعرف ماذا حدَث؟! يراها الجميع جميلة وأنا لا أراها كذلك، ولا أشتهيها كزوجةٍ! كانتْ تُحاول التقرُّب مني في البداية، وكنتُ أنفر منها، لكن مع الوقت بدأتْ تَتَحَسَّس مِن ذلك، خاصة وأني لا أقترب منها كثيرًا، ولا أطيق وُجودها بجانبي!

لا تملأ عيني ولا تُشبع رغباتي الجنسية، ولا أشتهيها إلا نادرًا، مع العلم بأنَّ العلاقة الجنسيَّة بيننا كانتْ على ما يرام في البداية، وكنتُ أجبر نفسي على ذلك حتى لا أؤذيها، ولا أشكو مِن أي عيبٍ خلقي فيها، إلا أنها نحيفة مِن الجزء العلوي، وليس بها أي مشكلة خلْقية ولا خلُقية، وبالرغم مِن ذلك قررتُ أن أبعدَ عنها!

كانتْ تُحاول كثيرًا أن تُسعدني، وتفعل ما في وُسْعِها لتبدوَ جميلةً؛ فتلبس أفضل ما لديها، وتتجمَّل دائمًا بالعِطر، وتهتم بالنظافة إلى أبعد الحدود.

صارحتُها بالحقيقةِ التي أبكتْها كثيرًا؛ أخبرتُها بأني لم أحبَّها يومًا، ولا أشعر بشيءٍ تُجاهها إلا النفور والضيق!

لم أتعرَّفْ عليها كثيرًا قبل الزواج، وأشعر بأني تعجَّلْتُ في الزواج منها، أخبرتُها بذلك، لكنها طلبتْ مني أن نحاولَ مِن جديد، وستفعل كل ما تستطيع لتجعلني أحبها، لكنها للأسف لم تنجحْ!

طلبتُ منها أن نبتعدَ قليلًا، فتذهب عند أهلِها، فرفضتْ في البداية وأصرَّتْ على عدم الذَّهاب، وبالرغم مِن إصرارها على ذلك ورفْضِ أهلي الذين يحبونها كثيرًا أن تخرجَ مِن البيت، إلا أني أصررتُ على ذلك، فوافقتْ على مضضٍ!

عادتْ لبيت أهلِها، وافترقنا مدة، وقد فرحتُ وشعرتُ براحةٍ كبيرةٍ عندما خرجتْ من البيت!

رقيتُ نفسي، وذهبتُ لمعالجٍ، ولم أجدْ بي سحرًا أو حسدًا، وقررتُ أخيرًا أن ننفصلَ نهائيًّا، حاولتْ أن تُثنيني عن القرار، لكنني مُصِرٌّ على ذلك، وهي تقول إنني ظلمتُها، فهل أنا بالفعل ظلمتها؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:

فإنا للهِ وإنا إليه راجعون، نعم أخي الكريم فأنتَ تظلم زوجتك بهذا التسرُّع العجيبِ في اتخاذ القرارات المصيرية؛ فقرارٌ كهذا له نتائجُ كارثيةٌ على زوجتك، وتنهدم به أسرتُك في مهْدِها - يتطلَّب منك تريثًا ومشاوراتٍ لأهل الخبرة وللعقلاء، وتفكيرًا هادئًا، لا سيما والشارع الحكيم كره الطلاق، وجعله كسرًا للمرأة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «وَكَسْرُها طَلاقها» (رواه مسلم).

ورُوِي في سُنَن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما أحلَّ الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق»، (قال الشيخُ الأرناؤوط في تحقيقه لأبي داود: رجالُه ثقات، لكنه مرسلٌ، وقد رُوِيَ موصولًا كما في الطريق الآتي بعده، ولكن الصحيح المرسل كما قال غيرُ واحدٍ مِن أهل العلم؛ منهم: أبو حاتم، والدارقطني في "العلل"، والبيهقي، وغيرهم، ولكنه مع إرساله يُحْتَجُّ به عند الأئمة الثلاثة؛ أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، إذا لم يكنْ في الباب ما يُخالِفه).

فجعلَهُ الشارعُ بغيضًا؛ لما فيه مِن قَطْعِ حبْلِ الصِّلة المأمور بالمحافظة على توثيقها، وقد ذكَر بعضُ المُفَسِّرين عند قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البقرة: 241] أنَّ "فيه إشارة إلى أن الطلاق كالموتِ؛ لانقطاع حبل الوصلة الذي هو كالحياة، وأنَّ المتاع كالإرث؛ كما في (نَظْم الدُّرَر في تناسُب الآيات والسوَر) للبقاعي (3/ 384).

وإنما شرعه الله بعدما تُستنفد محاولات الإصلاح وتتَّبع وسائل العلاج كلها، وتجفّ قلوب الزوجين، وتصير مُتنافِرة، ولا يبقى في نفسهما ما تستقيم معه الحياةُ، وهذا ما لا نستشعره مِن رسالتك، فالشارعُ الحكيم إنما يمسك الزوجين بالمودة والرحمة، أو بالواجب والتجمُّل، فإذا عُدِم فالطلاقُ إذًا هو الحلُّ.

هذا وقد ذكرتَ أيها الأخُ الكريمُ في زوجتك مِن الصفات ما يُرَغِّب فيها، فأنت أولًا تعرَّفْتَ إليها وأعجبتْك، وكنتَ سعيدًا بها جدًّا لجمالها، تفعل معك ما في وُسْعِها لتبدوَ جميلة، فتلبس أفضل ما لديها، تتجمَّل دائمًا وتَتَعَطَّر، ثم ذكرتَ أنها امرأة نظيفة إلى أبعد حدٍّ، حريصة دائمًا على نظافتك ونظافة المنزل، وذكرتَ أنَّ أهلَك رفضوا خروجها من البيت لأنهم يُحبونها كثيرًا، وهذا بمفرده يحتاج منك للتأمُّل والتريُّث!

وذكرتَ أخيرًا أنك لا تشكو مِن أي عيب خلقيٍّ فيها، فهي فقط نحيفة في جزئها العلوي خاصة، ولا تشكو من أي خلل، لا خلْقة ولا خلُقًا!

إن العجَب لا ينقضي، بل يأخذ المرء حتى يبلغ به حد الغيظ؛ ما الذي يدفعك للطلاق وهو آخر الحلول بإطلاق، وأنت لم تفعل بعدُ أولها؟

وصدَق أبو الطيب المتنبي إذ يقول:

لِهَوَى القُلُوبِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ *** عَرَضًا نَظَرْت وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ

أما ما ذكرته أيها الأخ الكريم عن زوجتك مِن أشياء جعلتْك تنفر منها -كما تقول- فهي عبارات تجعلني أتلمس منها سبب المشكلة إن لم يكن ثمَّ سحر أو حسَد أو مرض نفسي، فقد قلت: "لا تملأ عيني، ولا تُشبع رغباتي الجنسية، ولا أشتهيها إلا نادرًا"، فأخشى أن يكون السبب في تلك العبارات هو عدم الرضا، وإطلاق البصر إلى النساء، تنظر لهذه وتلك، أو تشاهد بعض الأفلام، أو ما شابه، فظلمتَها بمقارنتها بجميع مَن تراهنَّ، وقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وارْضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس» (رواه أحمد والترمذي) .

وكيفما كان السببُ، فالأمر مدهشٌ حقًّا، ويَتَطَلَّب منك التريُّث وطلَب الحلول عند أصحاب الخبرات الاجتماعية، وطرْق أبواب بعض المعالجين بالقرآن الكريم، المعروفين بالتقوى والصلاح والمهارة، وكونك ذهبتَ لبعضهم لا يمنع مِن الذهاب لغيرهم؛ فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما أنزل الله داء إلا قد أنزل له شفاء، علِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جَهِله» (رواه أحمد).

كما أنصحك أن تُراجِعَ طبيبًا نفسيًّا مُتْقِنًا، ولتذكُرْ له ما ذكرتَه لنا وما لم تذكرْه.

وفقك الله لكل خير، وقدر لك ولزوجك الخير حيث كان.