الجدال مع غير المسلمين أمام الملأ

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
السؤال:

أنا فتاةٌ أدخُل على الصفحات العلمية في (الفيس بوك)، وجدتُ موضوعًا يتحدث عن الجنس الشرَجي ومخاطرِه مِن أحد المسلمين، فدخل أحدُ النصارى -مستغلاًّ موضوع الحوار- وكتب تعليقًا أساء فيه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ولعائشة رضي الله عنها.

فدخلتُ وبدأت تعليقاتي ودفاعي عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ووضحتُ له بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، وأنَّ العلماء ما زالوا مختلفين في مسألة العمر، وأن النظَر للعمر اختلف بين الماضي والحاضر، وأن الشباب قديمًا كانوا في عمر 16 - 17 عامًا يقودون الجيوش.

ثم علَّق أحدُ المشايخ بأنه لا يصحُّ أن نُجادِلَ هكذا على الملأ؛ حتى لا نكونَ سببًا في إحداث فتنةً لغيرنا.

أنا في حيرةٍ مِن أمري؛ أخشى أن يُحاسبني الله على ذلك إن كان كلامي فعلًا قد أعطى طابعًا سلبيًّا، أو نفَّر أحدًا مِن الإسلام.

أخبروني هل أحذف تعليقاتي أو أتركها؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

جزاك الله خيرًا أيتها الابنةُ الكريمة على غَيْرَتِك على الإسلام، وعلى النبيِّ الكريمِ -صلى الله عليه وسلم- ودحْضِك لتلك الشُّبْهة المتهافِتة التي يُطلقها أعداءُ الإسلام، دون اعتبارٍ للزمان، ولا للمكان، ولا للعادات السائدة في ذلك الزمان، فلا مانع عقلي مِن أن يتزوَّجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مِن عائشةَ وهي في التاسعة مِن عمرها، كما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم، ما دامتْ قد شبَّتْ وبلغتْ مبلغ النساء، ومِن المعلوم أن سن البلوغ يختلف باختلاف الناس والبيئات، فالاعتراضُ على هذا محضُ جهلٍ بعادات وتاريخ الشعوب.

وما ذكرتِه من جوابٍ على هذا النصراني صائبٌ في معظَمِه، وقد أحسنتِ -جزاك الله خيرًا- في مجادَلتِه بالحسنى استجابةً لأمر الله تعالى؛ إذ يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].

وإنما يجب على مَن تصدَّى لمثْلِ هذا الأمر أن يكونَ على بصيرةٍ وعلمٍ ودرايةٍ، وعلى قاعدة مرضيةٍ، وأن يتصفَ بحُسْنِ الخلُق ولُطف ولين الكلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، وردٍّ عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل، وأن يكونَ القصدُ بيانَ الحق وهدايةَ الخلْق، فإن ظهر الطرف الآخر ظالمًا ، وظهر حالُه أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يُجادل على وجه المشاغَبة ودَحْضِ الحق، فهذا لا فائدةَ في جداله، والمقصودُ مِن مناقشته ضائعٌ، اللهم إن كان الغرضُ دحضَ شبهته، وبيان تهافتها، مخافة أن يغترَّ بها غرّ.

كما يُمكنك أن تُبَيِّني في نفس الموضع شيئًا يسيرًا عن دعوة الله التي حملها نوح -عليه السلام- والرسلُ بعده، حتى وصلتْ إلى خاتم النبيين محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأنها دعوةٌ واحدةٌ من عند إلهٍ واحدٍ، وذات هدف واحدٍ، هو: ردُّ البشرية الضالة إلى ربها، وهدايتها إلى طريقِه، وتربيتها بمنهاجه، وأن المؤمنين بكلِّ رسالة لَإِخْوة للمؤمنين بسائر الرسالات - كلهم أمة واحدة، تعبُد إلهًا واحدًا.

وأن مِن أهم حقائق الإسلام العظيم أنه رفع العلاقات بين البشر عن أن تكونَ مجرد علاقة دم أو نسب، أو جنس وطن، أو مصالح مختلفة، ترفعها عن هذا كله لتصلها بالله، ممثلةً في عقيدة واحدةٍ تذوب فيها الأجناسُ والألوانُ، وتختفي فيها القوميات والأوطان، ويتلاشى فيها الزمانُ والمكان، ولا تبقى إلا العروةُ الوثقى في الخالق الديان.

وأمر الله المسلمين بمُجادَلة أهل الكتاب بالحسنى لبيان حكمة مجيء الرسالة الخاتمة، والكشْف عما بينها وبين الرسالات قبلها مِن صلةٍ، والإقناع بضرورة الأخْذ بالصورة الأخيرة مِن صور دعوة الله، الموافِقة لما قبلها مِن الدعوات، المكمِّلة لها وفق حكمة الله وعلمه بحاجة البشر.

أما كلام الشيخ أن جدال أهل الكتاب لا يكون أمام الجميع؛ مخافة أن تقع الشبهةُ في قلب أحد، فله وجهٌ مقبولٌ، غير أن ما حدث معك لا يشمله هذا الكلام؛ لأن الرجل هو مَن طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت مَن نافحتِ عنه، ورددتِ، وبينتِ جهله بتطور الإنسان واختلاف عادات الناس قديمًا وحديثًا.