السفر إلى بلاد الغرب بدون زوجي
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - استشارات تربوية وأسرية -
أنا أمٌّ لثلاثةِ أولادٍ، قرَّرتُ أنا وزوجي منذ ٦ أشهر تقريبًا أن أذهب مع أولادي للسفر إلى أمريكا؛ نَدرُس لمدة سنة دراسية، وينتظرنا زوجي في بلدنا لظروف عملِه.
وبعد تفكيرٍ طويلٍ قرَّرنا السفر؛ وذلك لأنَّ أخواتي يدرسْنَ هناك، ولأنَّ والدتي سوف تُسافر بعدي بمدةٍ، وتمَّ التنسيقُ للسفر إلى أن حانتْ لحظة السفر، فذهبْنا إلى مدينةٍ أخرى لقضاء الإجازة، ومن ثَمَّ السفر إلى أمريكا، وتَذاكِرُنَا كانتْ مخفَّضة، ولم نستطع السفرَ بسببِ ازدحام الرحلات الجوية، فسبقني إخوتي على أساس أني سألحقُ بهم، فحَدَث أن الرحلات لم تتوفرْ إلا بعد أُسبوعين مِن الآن.
سأل أخواتي في معهد الجامعة - الذي أنوي اللحاق به - عن تأخُّري، فأَخْبَرُوهنَّ بأنه لا توجدُ مشكلة في ذلك، وكذلك سألن في مدارس أولادي، وأخبروهن بأنهم على استعداد لقبولهم قبل انتهاء الترم الأول بأسبوعينِ.
قمتُ بصلاة الاستخارة أكثر مِن مرَّة، ولم أَشعُر بأي شيء.
سؤالي: أنا أريد الذهاب، وفي نفس الوقت خائفة جدًّا من المستقبل، فهل أذهب أو لا؟ وفي كلا الأمرين متوكِّلة على الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فالذي يظهر أنه لا يخفى عليكِ أن الإقامة في بلاد الكفَّار محفوفةٌ بالمخاطر عليكِ وعلى أبنائكِ، إلا إذا دَعَت الضرورة لهذا؛ من تحصيل شيء ضروري، لا يمكن تحصيله إلا عندهم، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 - 99].
وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كلِّ مسلم يُقِيم بين أظهر المشركين" [رواه أبو داود، والترمذي].
وعن جَرِير بن عبدالله البَجَلِي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، بايعْنِي واشترطْ عليَّ فأنت أعلم، فبَسَط يدَه فبايعه، فقال: "لا تُشرِك بالله شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتَنصَح المسلم، وتُفَارِق الكافر".
والإقامة لغير حاجة أو ضرورة ستؤدِّي مع مرور الوقت إلى ضياع القلبِ؛ لأنكِ سترين جميع المنكرات، ولن تحرِّكي ساكنًا، وهذا خطيرٌ.
فأنصحكِ بإيثار رضا الله ومحبته، والغيرة لدينه، والانحياز إلى أوليائه، بما يوجب البراءةَ التامَّة، والتباعد كل التباعد مِن الكفرة وبلادهم.
وقد حذَّر أهلُ العلم من السفر لتلك البلاد، إلا رجلًا عنده علمٌ وبصيرة، فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله، وإخراج الناس مِن الظلُمات إلى النور، وشرح محاسن الإسلام لهم، وقد دلَّتْ على ذلك آيةُ سورة براءة: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].
وقَصْدُ التعليمِ ليس بعذرٍ شرعيٍّ لتلك الإقامة، إلا في أحوالٍ خاصة لا تشملكِ.
هذا؛ وشَكر الله لكِ اهتمامك بمعرفةِ الحكم الشرعي، والتقيد به وبأمر الاستخارة، وهكذا ينبغي أن يكون المسلمُ؛ كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36].
ولا شكَّ أيضًا أن وجودَكِ في تلك الأوقات في هذه البلاد وبدون زوجك فيه خطرٌ عليكِ، ولذلك أنصح بالامتناع عن السفر، ولْتَعْلَمي أن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]، ومَن ترَك شيئًا لله عز وجل عوَّضه الله خيرًا منه.