التنازل عن الذهب مقابل الطلاق
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أحكام الطلاق -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجةٌ منذ عامٍ ونصف، وأنا لا أُحِبُّ زوجي، ولا أشتهيه، ولا أستطيع النظر في وجهه، أخبرتُ أهلي بذلك؛ فأجبروني على العيش معه تفاديًا لكلام الناس.
بعد أشهر من الزواج، قال لي زوجي: "لازم ننفصل، وروحي عند أهلك"، ثم جاء أهلُ زوجي يُطالبون بكلِّ الذهب، فهل يحق لهم هذا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
إن كان الأمرُ كما تقولين أيتها الابنة الكريمة أن زوجك هو الذي قال لك: (لازم ننفصل، وروحي عند أهلك)، ولم يكن هذا استجابة لطلبك منه، فلو وقع الطلاق والحالُ كذلك، فيحق لك جميع المهر باتفاق العلماء، والذهب مِن جملة المهر وجُزء منه، كما هو العُرْفُ السائد في غالب البلدان الإسلامية.
والحاصلُ أنه إذا تَمَّ الطلاقُ فلك المهرُ كاملًا؛ لقول الله - عز وجل -: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
وذَهَب أكثرُ أهل العلم إلى أن الصَّداقَ حقٌّ يَدْفَعُه الرجل للمرأة مقابل استباحة بُضعها والاستمتاع بها، قال صاحب "بدائع الصنائع": والنكاحُ معاوضة البضع بالمال، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فإن دخل بها، فلها المهرُ بما استحل من فرجها»؛ رواه الترمذيُّ، والدارميُّ، والبيهقيُّ.
ولكن لم أفهمْ مِن رسالتك أن الطلاق قد وقع، وكذلك لم تختلعي منه، فلا أدري لأي معنى يريد أهلُ زوجك أخْذ مصوغاتك الذهبية التي هي حقٌّ خالص لك، إلا أن تتنازلي عنها برضاك، أو تتفقوا على الخلع والتنازل عن حقك في المهر.
هذا؛ وأنصَحك أيتها الفاضلة قبل الإقْدام على أي شيءٍ أن تُفَكِّري في الأمر بدقة وعُمْقٍ، وتُوازني بين حسنات وسيئات زوجك، ثم بعد ذلك تُوَسِّطوا بعْضَ أهْلِ الخير للإصلاح بينكما، وللنظر في المشكلة بينكما، ومَواطن الخلل في حياتكما الزوجية، والأسباب التي دفعتْ لتلك النفرة المتبادلة، وللعمل على إصلاحها. ولْتتحلي بالصبر وعدم التسرُّع في طلب الطلاق، فالإصلاحُ أفضل بلا شك، وابتعدي عن شبَح الفُرقة.
فإذا استنفدت كل هذه الوسائل لتفادي الطلاق، واستمرار العشرة، ولم تثمرْ شيئًا، ووجدتِ نفسك ما زلتِ لا تُطيقين زوجك، فلا حرج حينها أن يتفاهَمَ الأهل على الطلاق؛ وذلك مِن الحِكَم العليا للشريعة الإسلامية؛ كما قال حكيم الإسلام سيد قطب في "ظلال القرآن" (6/ 3597): ولكن الحياة الواقعية للبشر تُثْبِتُ أن هناك حالات تتهدم وتتحطم على الرغم من جميع الضمانات والتوجيهات، وهي حالاتٌ لا بد أن تُواجَه مُواجَهَةً عمليةً، اعترافًا بمنطق الواقع الذي لا يُجدي إنكاره، حين تتعذر الحياة الزوجية، ويُصبح الإمساك بالزوجية عبَثًا لا يقوم على أساس!
والإسلامُ لا يسرع إلى رباط الزوجية المقدَّسة فيفصمه لأول وهلة، ولأول بادرة من خلاف، إنه يشد على هذا الرباط بقوةٍ، فلا يدعه يُفلت إلا بعد المحاولة واليأس". اهـ.
وفقك الله لكل خير، وقدَّر لك الخير حيث كان.