ظلمت مُراقبتي في الامتحان وأشعر بالندم

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التوبة -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالبة في الثانوية، كنتُ في اختبار لمادة مِن المواد الدراسية، وبينما كنتُ أكتُب الإجابات جاءتْ إليَّ المراقِبةُ، وسألتْني: هل انتهيتِ؟ فأجبتُ بـ: ﻻ، ثم سألتْني عما تبقَّى لي من الأسئلة، فارتبكتُ، وكان قد بَقِيَ لي سؤالٌ لم أعرفْ إجابته. فأخبرتها بسؤال آخر أجبتُ عنه، وقلتُ لها: بَقِيَ لي هذا السؤال كتبتُ إجابته لكني غير متأكدة!

ثم دارتْ حول بقية الطالبات، وعادت إليَّ، وقالتْ لي: ما السؤال الذي بَقِيَ لكِ؟ فأشرتُ لها إلى السؤال، وأخبرتْني بإجابته، لكني كنتُ كتبتُ الإجابة منذ البداية، فأخبرتُها بأني كتبتُ الإجابة الصحيحة، علمًا بأني لم أُرِدْ أن تخبرني بالجواب، فأنا لا أحب الغش.

المشكلة أن إحدى الطالبات غضبت لأن المراقِبَة سمحت بالغش للطالبات، فأبلغتْ عنها الإدارة المدرسية، وأتتْ إليَّ هذه الطالبة، وطلبتْ مني أن أبلغَ الإدارةَ بما حدَث، وبالفعل ذهبتُ وقلتُ ما حدث.

والآن أشعُر بأني منافِقَة وكاذبة، فقد ظلمتُ المراقِبَة؛ إذ لم أغشّ، أما الفتاةُ الأخرى فقد نقلتْ منها المراقبة الجوابَ فقط!

أشعُر بتأنيب الضمير تُجاهها، وأتمنى أن يعودَ الوقت مرة أخرى لأسكت، ولا أتكلم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فقد أحسنتِ أيتها الابنة الكريمة في صياغة عبارتك الأخيرة: "أتمنى أن يعودَ الوقت مرة أخرى لأسكت، ولا أتكلَّم"، وهذا هو العزمُ الصحيحُ على عدم العودة للذنب، وهو شرطٌ في صحة التوبة، فالتوبةُ النَّصُوح - كما قال أهلُ العلم - أن يتوبَ مِن الذنب، ثم لا يعود إليه، وهي الخالصة التي لا غِشَّ فيها، وعكسُ ذلك الإصرارُ، وهو مِن موانع التوبة؛ فاحمدي الله.

والشرط الثاني للتوبة هو: الندَم، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الندَمُ توبة»؛ رواه أحمد، والندمُ بادٍ في كلامك أيتها الابنة الكريمة.

ولتعلمي - بارك الله فيك - أنه لا يسلمْ أحدٌ مِن ذنبٍ، غير أنه لا بد مِن التوبة، وعدم التسويف؛ فقد روى مسلم في صحيحه، عن أبي هُريرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم، وَلَجَاء بقوم يُذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم»، واللهُ تعالى يحب التوابين، وعبادة التوبة مِن أَحَبِّ الطاعات، ومِن محبتها له سبحانه شدةُ فرَحه بها، كما في الصحيحين، واللفظُ لمسلم مِن حديث عبدالله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للهُ أشد فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ في أرض دوية مهلكة، معه راحلته، عليها طعامُه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنتُ فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلتِه وزاده».

وتأمَّلي معي كلامَ شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (7/ 492): "واللهُ عليمٌ حكيمٌ رحيمٌ، أمرهم بما يُصلحهم، ونهاهم عما يفسدهم، ثم إذا وقعوا في أسباب الهلاك لم يُؤَيّسهم مِن رحمته، بل جعل لهم أسبابًا يتوصلون بها إلى رفْع الضرر عنهم، ولهذا قيل: إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يُؤَيِّس الناس من رحمة الله، ولا يجرئهم على معاصي الله؛ ولهذا يؤمر العبد بالتوبة كلما أذنب؛ قال بعضهم لشيخه: إني أذنب، قال: تُبْ، قال: ثم أعود، قال: تُبْ، قال: ثم أعود، قال: تُبْ، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تُحزن الشيطان، وفي المسند، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يحب العبد المُفَتَّن التواب»".

رزقنا الله وإياك التوبةَ النَّصوح.