مجنون يستهزئ بالأذان والدين

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لي جارٍ كلما سمع الأذان سبَّ المؤذن بأبشع الشتائم، ويَسُبُّ الله والدين، ويهزأ بالأذان، ولا يستطيع أحدٌ أن يعترضَ عليه أو على إساءته التي يفعلها، خوفًا منه ومن لسانه؛ بحجة أنه مجنون!

علمًا بأن ملابسه وذهابه لشراء أموره الخاصَّة كالدخان - لا تدُلُّ على جنونه.

فما رأيكم في مِثْلِ هذا؟ وهل هذا يعدُّ مجنونًا أو عاقلاً؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فمَن تكلَّمَ بكلمة الكفر طوعًا، فقد شرح بها صدرًا وهي كفر، ولم يستثن إلا المكره؛ قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان (ص: 175): "وقد دلَّ - أي كل مَن تكلم بالكفر من أهل وعيد الكفار - على ذلك قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66]، فقد أخبر أنهم كفَروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نَخُوض ونلعب، وبيَّن أن الاستهزاء بآيات الله كفرٌ، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمانُ في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام".

وقال الصنعاني في "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد" (ص30): "صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أنَّ مَن تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقْصِد معناها".

ولكن مِن شرط صحة ردة المسلم عن الإسلام: العقل، والصحو، والطوع، فردة المجنون والمعتوه والمدهوش غير مُعْتَبَرَة، وكذا لا تصحُّ ردة السكران الذاهب العقل، فغائبُ العقل بأي سببٍ لا تقع ردته لعدم توافر قصد الفعل.

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (9/ 26): "ولا تَصِحُّ ردة المجنون ولا إسلامه؛ لأنه لا قول له، وإن ارتد في صحته، ثم جُن، لم يُقْتَلْ في حال جنونه؛ لأنه يُقْتَلُ بالإصرار على الردة، والمجنونُ لا يُوصَف بالإصرار، ولا يمكن استتابته، ولو وجب عليه القصاصُ فجُنَّ قُتِل؛ لأن القصاص لا يسقُط عنه بسببٍ مِن جهته، وها هنا يسقُط برجوعه، ولأنَّ القصاص إنما يسقط بسببٍ مِن جهةِ المستحق له، فنظير مسألتنا أن يُجَنَّ المستحق للقصاص؛ فإنه لا يستوفي حال جُنونِه.

فانظرْ أيها الأخ الكريم في حال ذلك الرجل، واسأل أهله ومعارفه، فإن شَهِدُوا عليه بالجنون، فهذا عارضٌ لعدم وقوع الردة منه، وأما إن كان صاحيًا فإنه يرتد بسبه لله أو لدينه.

وفي تلك الحال فلترفعْ أمره للمسؤولين ليأخذوا على يديه.